(الصفحة 125)
و على ما ذكرنا يجزي رمس الـرأس با لـماء، ثمّ الـجانب الأيمن، ثمّ الـجانب الأيسر، كما أنّه يجزي رمس الـبعض، و الـصبّ على آخر.
ولو ارتمس في الـماء ثلاث مرّات: مرّة بقصد غسل الـرأس، و مرّة بقصد غسل الأيمن، و ثا لـثـة بقصد غسل الأيسر كفى; لتحقّق الـغسل، و حصول الـترتيب بلا إشكال.
ولو ارتمس في الـماء مرّة واحدة، و حرّك بدنه تحت الـماء ثلاث مرّات بقصد غسل الأعضاء الـثلاثـة، فا لـظاهر كفايته لما ذكر من تحقّق الـغسل، و حصول الـترتيب.
إنّما الإشكال فيما إذا لم يتحقّق الـتحريك أيضاً، و أنّه هل يكتفى بعد الارتماس بمجرّد الـنيّـة و قصد وقوع غسل الأعضاء مرتّباً، أم لا؟
و منشأ الإشكال أحد اُمور أربعـة:
الأوّل: أنّ الـمأمور به هو الـغسل و الـجريان الـفعلي، أو ما هو بمنزلته، كا لـتحريك داخل في مفهومه; لعدم تحقّقه بدونه.
و الـجواب: ما عرفت في مبحث الـوضوء أنّ الـغسل لايعتبر في تحقّق مسمّاه مفهوم الـجريان، أو ما هو بمنزلته، بل معناه استيلاء الـماء على الـموضع الـمغسول، من دون اعتبار شيء آخر فيه.
ا لـثاني: دلالـة الـنصوص الـخاصّـة، الـظاهرة في اعتبار الـجريان في الـمقام، مثل ما عرفت من قوله (عليه السلام):
«ما جرى عليه الـماء فقد طهر» أو
«فقد أجزأه»، ومن الـواضح عدم تحقّق الـجريان بدون الـتحريك، بل يمكن أن يقال بعدم تحقّقه مع الـتحريك أيضاً، فتدبّر.
(الصفحة 126)
و الـجواب: ما عرفت من دلالـة الـنصوص على كون الـمأمور به مجرّد الـغسل، الـراجع إلى استيلاء الـماء على الـجسد، و قد عرفت أنّ الـتعبير با لـصبّ إنّما هو للتعارف، و إلاّ فا لـمراد به و با لـجريان هو وصول الـماء إلى الـجسد، و مماسّته معه، كما يدلّ عليه قوله (عليه السلام):
«كلّ شيء أمسسته الـماء فقد أنقيته».
ا لـثا لـث: دعوى أنّ ظاهر أوامر الـغسل كون الـمأمور به فعلاً وجودياً، و إذا كان في داخل الـماء ونوى الـغسل و لم يتحرّك، لم يتحقّق منه فعل وجودي غير الـنيّـة، فلزوم الـتحريك إنّما هو لأجل تحقّق هذا الـمعنى.
و اُجيب عنه: بأنّ نفس الـمكث في داخل الـماء حال الـنيّـة فعل وجودي، صادر من الـمكلّف باختياره، و لاحاجـة إلى الـتحريك.
ا لـرابع: أنّ الاكتفاء بمجرّد الـنيّـة من دون الـتحريك، يوجب الإخلال با لـترتيب، الـمأمور به في الـغسل الـترتيبي; لأنّ استقلال غسل كلّ عضو با لـفرديـة حتّى يصحّ اتّصاف غير الـعضو الأوّل بوقوعه متأخّراً عنه، أو عنه و عمّا قبله، لايكاد يتحقّق بمجرّد الـنيّـة، بل لابدّ من الـتحريك، أو الـدلك، أو نحوهما، و مجرّد إرادة وقوعه مرتّباً لايؤثّر في صيرورته كذلك.
و يمكن الـجواب عنه: بأنّه لو كان استقلال غسل كلّ عضو با لـفرديـة متوقّفاً على مثل الـتحريك، لكان الـلازم تحقّقه بالإضافـة إلى جميع أجزاء كلّ عضو، مع أنّه لايمكن تحقّق الـتحريك أو الـدلك با لـنسبـة إليها، كما لايخفى، و مع عدمه كيف يصير غسل بعض الـعضو الـذي لم يتحقّق الـدلك با لـنسبـة إليه، متّصفاً بما يعتبر فيه من الـترتيب و الـتأخّر عن الـعضو الـمتقدّم.
(الصفحة 127)
مسأ لـة 6: الـظاهر حصول الارتماسي با لـغمس في الـماء تدريجاً، و الـلازم على الأحوط أن يكون تمام الـبدن في الـماء في آن واحد، فلو خرج بعض بدنه عن الـماء قبل أن ينغمس الـبعض الآخر لايتحقّق الارتماس.
نعم، لايضرّ دخول رجله في الـطين يسيراً عند انغماسه للغسل، ففي الأنهار و الـجداول الـتي تدخل الـرجل في الـطين يسيراً يجوز الارتماسي، و إن كان الأحوط اختيار الـترتيبي، و الأحوط أن يكون الـغمس با لـدفعـة الـعرفيـة1 .
فمن هذا يستكشف عدم توقّف الـترتيب على مثله، و تحقّقه بمجرّد الـنيّـة، لكنّ الاحتياط لايجوز أن يترك في ذلك، و إن كان الـمستفاد من الـمتن أنّ اعتبار الـتحريك إنّما هو لتوقّف تحقّق الـغسل عليه، و لذا وصف الـتحريك بوجه يجري الـماء عليه، وجعله محقّقاً لمسمّى الـغسل، مع أنّه على تقدير اعتباره له دخل في الـترتيب، لا في تحقّق مسمّى الـغسل، فتأمّل.
كيفيـة الـغسل الارتماسي
(1)
ا لـكيفيـة الـثانيـة: الـغسل الارتماسي، و الـدليل على ثبوت هذه الـكيفيـة أيضاً للغسل كثبوت الـترتيبي له، هو الـنصّ و الإجماع.
ففي ذيل صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة، الـدالّـة على لزوم الغسل من القرن إلى القدم:
«ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس في الـماء ارتماسـة واحدة، أجزأه ذلك، و إن لم يدلك جسده».(1)
و في صحيحـة الـحلبي، أو حسنته قال: سمعت أباعبدا للّه (عليه السلام) يقول:
«إذا ارتمس
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 5.
(الصفحة 128)
ا لـجنب في الـماء ارتماسـة واحدة، أجزأه ذلك من غسله».(1)
و في روايـة الـسكوني، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: قلت له: الـرجل يجنب، فيرتمس في الـماء ارتماسـة واحدة و يخرج، يجزيه ذلك من غسله.(2)
و في مرسلـة الـحلبي الـتي رواها الـصدوق، بإسناده عنه، قال: حدّثني من سمعه يقول:
«إذا اغتمس الـجنب في الـماء اغتماسـة واحدة، أجزأه ذلك من غسله».(3)
و هذه الـروايات حاكمـة على ما دلّ على اعتبار الـترتيب في الـغسل، خصوصاً مع ملاحظـة الـجمع بين الـكيفيتين في صحيحـة زرارة، بعد حمل الاُولى منهما على الـترتيب بقرينـة نصوصه، و إن كان ربّما يبعّده أنّ ظاهر قوله:
«و إن لم يدلك جسده» أنّ الـفرق بينهما إنّما هو من هذه الـجهـة.
لكنّ الـتأمّل فيها يقضي بخلافه; لأنّ الـغسل الـمذكور في الـكيفيـة الاُولى أيضاً لايعتبر فيه الـدلك بوجه، فا لـفرق إنّما هو من جهـة الارتماس و عدمه، الـمحمول على الـترتيب بقرينـة أدلّته.
و كيف كان: فلاينبغي الإشكال في ثبوت هذه الـكيفيـة أيضاً للغسل، خصوصاً مع الـتعبير بالإجزاء به عنه، كما لايخفى.
ثمّ إنّ الـظاهر أنّ توصيف الارتماس أو الانغماس با لـوحدة في الـنصوص الـمتقدّمـة، إنّما يراد به الارتماس الـواحد في مقابل الـمتعدّد، لأجل رمس كلّ عضو على حدة، أو لأجل رمس الـمجموع ارتماسات متعدّدة.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 12.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 13.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 15.
(الصفحة 129)
أمّا في غير صحيحـة زرارة فواضح; لأنّ الـعرف لايكاد يفهم من وحدة الارتماس إلاّ ما يقابل الـمتعدّد.
و أمّا فيها فبعد حمل الـكيفيـة الاُولى فيها على الـترتيب، يصير الـمراد با لـوحدة في الـثانيـة أيضاً كذلك; لأنّ الـترتيب مستلزم لتعدّد الـغسل، خصوصاً مع عدم كون الـمفروض فيه حصوله با لـرمس و الـغمس.
نعم، يقع الـكلام بعد ذلك في أصل حقيقـة الارتماس، و أنّه هل يعتبر فيه أن يكون دفعـة واحدة عرفيـة، أو يمكن تحقّقه تدريجاً أيضاً؟
فنقول: الـقدر الـمتيقّن منه ما إذا كان خارج الـماء بجميع أعضائه، ثمّ نوى الـغسل و ارتمس في الـماء دفعـة، فإنّه لا إشكال في تحقّق الارتماس بذلك.
ولكنّ الـظاهر عدم الاختصاص به; لعدم لزوم أن يكون خارج الـماء كذلك، بل يكفي أن يكون بعض الأعضاء أو تمامها داخلاً في الـماء.
و لايقدح ذلك في صدق الارتماس بوجه، و لاحاجـة إلى الـتحريك في الـثاني أيضاً، إلاّ بناء على أكثر الـوجوه الـمتقدّمـة، الـتي قد مرّ الـجواب عن جميعها، فراجع.
كما أنّ الـظاهر أنّ الارتماس، الـذي يتحقّق بالأخذ في الـرمس إلى أن يتحقّق الـتغطيـة و مستوريـة الـجسد، يكون مجموعه غسلاً، و يكون الـشروع فيه ـ الـذي يعتبر فيه الـمقارنـة للنيّـة ولو ارتكازاً ـ هو أوّل الأخذ في الـرمس.
فما حكي عن بعض من أنّه إذا ارتمس في الـماء، و استوعب الـماء على جميع بدنه، تحقّق الـغسل دفعـة في هذا الـحين، و مقتضاه بطلان الـغسل لو نواه بوقوعه في الـماء، لا ببقائه، أو با لـمجموع من الأمرين، ضعيف.
كما أنّ ما حكي عن «ا لـجواهر» من قوّة احتمال أن يكون ابتداء الـغسل أوّل آنات