(الصفحة 130)
ا لـتغطيـة، و مستوريـة الـجسد في الـماء، و آخره آخر جزء الـغسل في تلك الـتغطيـة، فلا عبرة بما يغسل قبلها، كما لاعبرة بما يغسل بعدها، و إنّما الـعبرة بانغسال جميع الـجسد في تلك الـتغطيـة، طا لـت مدّته أم قصرت.
و مقتضاه كون الـغسل دفعي الـحصول إن لم يكن في بدنه مانع، بحيث يصل الـماء إلى كلّ جزء منه عند صيرورته مغطّى، و تدريجي الـحصول إن لم يكن كذلك، فله الاشتغال بإزا لـة الـمانع في تلك الـتغطيـة، ما لم يتحقّق الـفراغ منها، و إن طا لـت مدّتها.
قد أورد عليه في «ا لـمصباح» بأنّ مستنده هو أنّ الارتماس مأخوذ من الـرمس، و هو الـتغطيـة و الـكتمان، فمادام لم يستتر با لـماء لم يتحقّق الارتماس، و مهما ستره الـماء فهو مرتمس إلى أن يخرج، فا لـموجود الـخارجي مصداق واحد لطبيعـة الارتماس، طال زمانه أم قصر.
مع أنّ الـمتفاهم من الأدلّـة إنّما هو كفايـة انغسال الـجسد با لـكيفيّـة الـتي تسمّى ارتماساً، و ابتداء زمان حدوث الـفعل ليس إلاّ أوّل آنات الـشروع فيه، لا أوّل آنات تحقّق الـرمس; إذ ليس الارتماس إلاّ كا لـتكلّم في عدم توقّف جزئيـة الـجزء الأوّل على تحقّق الـوصف الـعنواني.
و الـمنساق إلى الـذهن من قوله (عليه السلام):
«إذا ارتمس الـجنب في الـماء ارتماسـة واحدة» إنّما هو إرادة غسل الـجسد دفعـة واحدة بالارتماس، كما يشهد لذلك فهم الأصحاب، لا مطلق غسله في تغطيـة واحدة. كيفما اتّفق، بحيث عمّ ما لو كان على جسده حاجب فأزا لـه في الـماء بعد فصل معتدّ به.
أقول: الـظاهر أنّه لامجال لإنكار كون ابتداء زمان حدوث الـفعل هو أوّل آنات
(الصفحة 131)
ا لـشروع فيه، ولاينافيه كون الارتماس مأخوذاً من الـرمس، وهو الـتغطية و الـكتمان; لصدق عنوان الـمستوريـة ولو بالإضافـة إلى بعض الأجزاء، غايـة الأمر أنّه يلزم تحقّقها بالإضافـة إلى جميع الـجسد في الـغسل.
و بعبارة اُخرى: حدوث الـمستوريـة با لـنسبـة إلى آخر الأجزاء الـذي به يتحقّق وصف الانغماس للمجموع، لايكون انضمامه مع بقائها في الأجزاء الـواقعـة قبله مؤثّراً في تحقّق الـوصف الـمذكور، بل الـذي يوجب حصوله إنّما هو الـحدوث و الـبقاء معاً فيها، و خصوص الـحدوث في آخر الأجزاء، فا لـمجموع متّصف بذلك.
و أمّا بقاء الارتماس إلى أن يخرج، طال زمانه أم قصر، فا لـحقّ فيه مع صاحب «ا لـجواهر»، لابمعنى كون الـخروج دخيلاً في حقيقـة الارتماس، بحيث لو لم يخرج لم تتحقّق تلك الـحقيقـة أصلاً; لأنّ الـخروج لا دخل له في حقيقته، بل بمعنى أنّه ما لم يخرج لايحدث وجود آخر للارتماس، بل هو بقاء للوجود الأوّل.
و لايمنع وجود الـحاجب، و إزا لـته في الـماء بعد فصل معتدّ به عن تحقّقه أصلاً، لما عرفت من أنّ الـوحدة الـمأخوذة وصفاً للارتماس، لايراد بها إلاّ ما يقابل الـمتعدّد، و ليس الـمراد بها هي الـدفعـة حتّى تحمل على الـعرفيـة; لتعذّر الـحقيقيـة.
و منه يظهر صحّـة ما نسب إلى بعض متأخّري الـمتأخّرين، من الاجتزاء بما لونوى الـغسل، فوضع رجله ـ مثلاً ـ ثمّ صبر ساعـة بحيث نافي الـدفعـة الـعرفيـة، فوضع عضواً آخر، و هكذا إلى أن ارتمس أجزائه.
و لاوجه لما اُورد عليه: من أنّ الـمتبادر من الارتماسـة الـواحدة ليس إلاّ الـوقوع في الـماء دفعـة، لاتدريجاً، لما عرفت من كون عنوان الـدفعـة أجنبياً عمّا هو الـمتفاهم من الـروايات.
(الصفحة 132)
ثمّ إنّ الـظاهر أنّه لاخلاف في أنّه يعتبر في الارتماس أن يكون تمام الـبدن تحت الـماء ولو في آن واحد، فلو خرج بعض بدنه قبل أن ينغمس الـبعض الآخر، كما إذ اُخرجت رجله قبل أن يدخل رأسه في الـماء، أو با لـعكس، لايكفي.
و الـوجه فيه: أنّ الـمستفاد عرفاً من الـروايات الـواردة في الـغسل الارتماسي هو اعتبار استيلاء الـماء على جميع الـبدن في آن واحد، خصوصاً مع توصيف الارتماس با لـوحدة، الـظاهر في حصول الاستيلاء كذلك مرّه واحدة، بحيث تمّ الـغسل بهذا الارتماس.
و أمّا عدم قدح كون الـرجل في الـطين يسيراً، كما هو الـمتداول في الـغسل في الأنهار و الـجداول; فلأجل أنّه لايفهم الـعرف من تلك الـروايات عدم إمكان الـغسل فيها، مع شدّة الابتلاء بها، و تحقّق الـغسل الارتماسي فيها نوعاً.
ولكنّ الأحوط مع ذلك اختيار الـترتيبي، أو الارتماسي بنحو لايقع الـرجل في الـطين أصلاً، بوضع مثل حجر عليه، و جعل الـرجل على الـحجر، و سيأتي في الـمسأ لـة الآتيـة ما له نفع با لـمقام، فانتظر.
(الصفحة 133)
مسأ لـة 7: لو تيقّن بعد الـغسل عدم انغسال جزء من بدنه، وجبت إعادة الـغسل في الارتماسي، و أمّا في الـترتيبي فإن كان ذلك الـجزء من الـطرف الأيسر، يكفي غسل ذلك الـجزء ولو طا لـت الـمدّة حتّى جفّ تمام الأعضاء، و لايحتاج إلى إعادة الـغسل، و لا إعادة غسل سائر أجزاء الأيسر، و إن كان من الأيمن يغسل خصوص ذلك الـجزء، و يعيد غسل الأيسر، و إن كان من الـرأس يغسل خصوص ذلك الـجزء، و يعيد غسل الـطرفين1 .
لو تيقّن بعد الـغسل عدم انغسال جزء
(1) إذا اغتسل ارتماساً، و بقيت من جسده لُمعـة لم يصل إليها الـماء، و تيقّن ذلك بعد الـغسل، ففيه احتمالات، بل أقوال:
أحدها: ما عن «ا لـقواعد» و «ا لـمستند» من الاجتزاء بغسل اللمعـة مطلقاً، من دون أن تجب الإعادة، و قد علّله في الـثانى بترك الاستفصال الـمفيد للعموم في صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة، الـواردة في من ترك بعض ذراعه، أو بعض جسده من غسل الـجنابـة.(1)
و ربّما يستشهد له أيضاً بعموم قوله (عليه السلام) في صحيحـة اُخرى لزرارة الـمتقدّمـة أيضاً:
«و كلّ شيء أمسسته الـماء فقد أنقيته».(2)
و يرد عليه: ـ مضافاً إلى ما عرفت في الـروايـة الاُولى من الاضطراب و الـتشويش ـ أنّ مورد كليهما هو الـغسل الـترتيبي، لا سيّما مع كونه هو الـشايع الـمتعارف في تلك الأزمنـة، فالاكتفاء بغسل الـجزء الـمتروك فيه لا يدلّ على الاكتفاء
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 41، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 26، الـحديث 5.
(الصفحة 134)
بغسله في الارتماسي أيضاً.
ثانيها: ما نسب إلى ظاهر الـمحقّق الـثاني و غيره، من الـتفصيل بين طول الـزمان و قصره، با لـحكم بوجوب الإعادة في الأوّل، و الاكتفاء بغسل خصوص الـجزء الـمتروك في الـثاني، و كأنّه لما تقدّم عن بعض من منافاة طول الـزمان مع صدق الارتماس، دون قصره.
و يرد عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم مدخليـة الـزمان طولاً و قصراً في ذلك ـ أنّه قد مرّ أنّ الـمتفاهم عند الـعرف من الـروايات الـواردة في كيفيـة الـغسل الارتماسي، هو أن يكون تمام أجزاء الـبدن تحت الـماء ولو في آن واحد، فإذا لم يتحقّق هذا الأمر، لايتحقّق الـغسل الارتماسي، ففي صورة قصر الـزمان أيضاً لابدّ من الإعادة، لحصول هذا الأمر.
و ثا لـثها: ما عن بعض من جريان حكم الـغسل الـترتيبي، فيغسله فقط إن كان في الأيسر، و يغسله و يعيد على الأيسر إن كان في الأيمن، و يغسله و يعيد على كلا الـجانبين إن كان في الـرأس، ولايقدح طول الـزمان، لما سيأتي من عدم اعتبار الـموالاة في الـغسل الـترتيبي.
و مبنى هذا الـقول: هو الـقول با لـترتيب الـحكمي في الـغسل الارتماسي، كما حكي عن بعض أصحابنا، و احتمله الـشيخ (قدس سره) في محكيّ «الاستبصار» في مقام الـجمع بين الأخبار الـدالّـة على اعتبار الترتيب في الغسل، و الأخبار الدالّـة على كفايـة الارتماس موصوفاً با لـوحدة، و يترتّب عليه الـثمرة في الـمقام، و فيما لو نذر الـغسل الـترتيبي، أو حلف عليه، فإنّه يجزيه الارتماس على هذا الـتقدير.
و يرد عليه: منع الـمبنى، لما عرفت من حكومـة أخبار الارتماس على ما دلّ على