(الصفحة 333)
جميعه على الـوجه، لعلوقه ببعض الـيد لا تمامها، فحينئذ يتمّ الـمطلوب، و هو كون الـمراد من الـصعيد الـتراب.
و اُورد على هذا الـقول ـ مضافاً إلى عدم اختصاص الـعلوق با لـتراب، و غايـة مفاد الـصحيحـة و الآيـة لزوم كون الـتيمّم بما يصلح أن يعلق منه في الـجملـة على الـيد بضربها عليه، كالأمثلـة الـمتقدّمـة ـ بمنع كون الـمراد من الـتيمّم ما يتيمّم به، لوضوح كون عنايـة الإمام (عليه السلام) برجوع الـضمير إلى الـتيمّم، و عدم رجوعه إلى الـصعيد، و إلاّ يصير الـكلام الـمعجز كا للغز; لأنّ عدم رجوعه إلى الـصعيد الـمذكور في الـكلام، و الـرجوع إلى الـتيمّم غير الـمذكور، و إرادة ما يتيمّم به من الـتيمّم، ثمّ إرادة الـصعيد ممّا يتيمّم به أشبه بالأحجّيـة، فلا محيص عن كون الـمراد من الـروايـة هو الـرجوع إلى نفس الـتيمّم.
و لعلّ الـنكتـة فيه إفادة أنّ الـمسح با لـوجه و الأيدي لابدّ و أن يكون من ذلك الـتيمّم الـذي هو كنايـة عن ضرب الأرض، بمعنى عدم الـتأخير، أو تحقّق أمر رافع للارتباط، كغسل الـيدين بعد ضربهما على الأرض.
و أمّا الـتعليل، فا لـظاهر أن يكون لعدم رجوع الـضمير إلى الـصعيد حتّى يتوهّم منه لزوم الـمسح به مع عدم إمكانه، فكأنّه قال: إنّما قلنا من ذلك الـتيمّم، لا من الـصعيد، لعدم إمكان الـمسح منه، لعدم إجرائه على الـوجه; لأنّه يعلق منه ببعض الـكفّ، و لايعلق ببعض.
كما أنّه اُورد عليه في «ا لـمصباح»: بأنّه و إن كان الـظاهر أنّ الـمراد من الـتيمّم ما يتيمّم به، إلاّ أنّ الـمتعيّن ـ مع ذلك ـ أيضاً حمل كلمـة «من» على الابتداء دون الـتبعيض; لأنّ الـمقصود بقوله (عليه السلام):
«أنّ ذلك أجمع ...» إنّما هو بيان حكمـة أنّ اللّه
(الصفحة 334)
تعا لـى أوجب أن يكون الـمسح من الـصعيد، لا به بنفسه، حيث علم أنّه بنفسه لايتعلّق با لـكفّ على وجه يمكن إجرائه با لـكيفيـة الـمعتبرة في الـتيمّم على الـوجه و الـيدين، فأوجب اللّه تعا لـى أن يكون الـمسح ناشياً منه لا به.
و ليس الـمراد بما يعلق ببعض الـكفّ من الـصعيد، الـعلوق الـذي اعتبره الـقائلون به، ضرورة أنّ ذلك الـعلوق ـ بعد تسليم صحّـة إطلاق كونه بعض الـصعيد ـ يعلق غا لـباً بجميع الـكفّ، بل ربّما يعلق بظاهر الـيد أيضاً، فا لـمقصود به على الـظاهر ليس إلاّ أنّ ذلك الـصعيد بنفسه لايعلق حقيقـة إلاّ ببعض الـكفّ، فلايمكن أن يكلّف الـناس بإجرائه على الـوجه و الـيدين با لـنحو الـمعتبر فيهما، و لذا لم يأمرهم بذلك، و إنّما اُوجب عليهم الـمسح منه بنحو من الاعتبار.
أقول: لامجال لإنكار كون الـمراد من الـتيمّم في الـروايـة هو الـتيمّم الـذي معناه الـضرب على الـصعيد، و لا وجه لحمله على كون الـمراد به هو الـصعيد، للزوم الأحجّيـة كما عرفت.
إلاّ أنّ الـتأمّل في الـروايـة و الـخصوصيات الـمذكورة فيها يقضي بأنّ الـمراد منها أنّ كلمـة «منه» متعلّقـة بخصوص أيديكم، و الـمراد منه أنّ مسح الأيدي إنّما هو من الـضرب الـذي مسح الـوجه به، من دون أن يكون هنا تيمّم آخر، أي ضرب آخر، و هذا الـمعنى يناسب مع الـتعليل الـواقع فيها أيضاً; لأنّ مرجعه إلى أنّ الـصعيد لم يتعلّق بجميع الـكفّ حتّى يكون إجرائه على الـوجه مانعاً عن الإجراء على الأيدي، بل إنّما تعلّق ببعضهما، و هو يدلّ على عدم لزوم اشتمال الـكفّ على الـصعيد، فلا وجه للزوم تيمّم آخر، أي ضرب آخر; لأنّ منشأ توهّم اللزوم خلوّ الـكفّ عن الـصعيد، مع أنّه لايلزم اشتما لـها عليه، فا لـصحيحـة تدلّ على رجوع الـضمير إلى الـتيمّم، و عليه
(الصفحة 335)
تكون كلمـة «من» ابتدائيـة، و لا وجه للتبعيض، غايـة الأمر اختصاصها بخصوص الأيدي، كما لايخفى.
ثمّ إنّ الـصحيحـة مع إرجاعها الـضمير إلى الـتيمّم أفاد كون الآلـة في الـمسح هي الـكفّ، و هو يدلّ على أنّ دلالـة الآيـة على لزوم آليّـة الـكفّ لاتتوقّف على ثبوت كلمـة «منه»، بل الآيـة الـخا لـيـة عن هذه الـكلمـة أيضاً تدلّ على ذلك، فمن ذلك يستكشف صحّـة ما ذكرنا من عدم الـفرق في هذه الـجهـة بين الآيتين، و أنّ لزوم وساطـة الـكفّ لايتوقّف على ثبوت هذه الـكلمـة، كما أصرّ عليه الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» فتدبّر.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: عدم دلالـة الـكتاب على اعتبار خصوص الـتراب لو لم نقل بدلالته على الـعدم، بلحاظ مادّة كلمـة «ا لـصعيد» على ما عرفت.
و أمّا الـسنّـة: ففيها طوائف من الـروايات الـمشتملـة على الـصحيحـة و الـموثّقة، تدلّ على أنّ الـمراد با لصعيد ما عليه الـمشهور من كونه مطلق وجه الأرض:
الاُولى: الـنبوي الـمعروف:
«جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً»(1)
و هي روايـة مشهورة مستفيضـة، بل متواترة، و قد نسبها الـصدوق إلى الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على سبيل الـجزم، و قد رواها الـكليني، و «محاسن» الـبرقي، و الـصدوق في «ا لـفقيه»، و في «ا لـخصال» بسندين، و جماعـة كثيرة اُخرى.
نعم، عن «ا لـعلل» روايتها بذكر «و ترابها طهوراً» مسندة إلى جابر بن عبدا للّه، عن الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسند جلّ رواتها من الـعامّـة، فلاينبغي الـتعويل عليها.
و عن الـمرتضى أنّه استدلّ لكون الـمراد با لـصعيد هو الـتراب بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمم، الـباب 7، الـحديث 2.
(الصفحة 336)
«جعلت لي الأرض مسجداً و ترابها طهوراً» قائلاً: بأنّه لو جاز الـتيمّم بمطلق الأرض لكان لفظ «ترابها» لغواً.
و قال الـمحقّق في «ا لـمعتبر» في مقام الـجواب عن الـمرتضى: إنّ الـتمسّك به تمسّك بدلالـة الـخطاب، و هي متروكـة في معرض الـنصّ إجماعاً.
و يظهر منه وجود هذه الـروايـة و اعتبارها، نعم في محكيّ «مجا لـس» ابن ا لـشيخ في حديث:
«جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً أينما كنت، أتيمّم من تربتها و اُصلّي عليها». ولكنّه لايخا لـف الـروايات الـمتقدّمـة; لأنّ عمله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمكن أن يكون لأجل أفضليـة الـتراب، لالتعيّنه، فلاينافي صدرها، و لايصلح لتقييد إطلاقه، فضلاً عن سائر الـمطلقات.
و الـظاهر أنّه بعد عدم إمكان الـمناقشـة في الـروايـة با لـنقل الـمعروف، و كون صدورها بغير ذلك الـنقل أيضاً، بأن صدر من الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّتين: مرّة مع وجود لفظ «ترابها»، و اُخرى بدون هذا اللفظ، بعيداً جدّاً، لظهور كون الـصادر منه نحواً واحداً، ينقدح في الـذهن وقوع اشتباه في الـنقل الـثاني، خصوصاً مع كون رواة الـسند جلّهم من الـعامّـة، و لم ينقله الـمرتضى (قدس سره) إلاّ مرسلاً، و إن كانت كيفيـة إرسا لـه بنحو يمكن دعوى اعتبار الـمرسلـة معها، لكنّه لايقاوم مع الـنقل الـمستفيض، بل الـمتواتر با لـنحو الـمعروف.
و كيف كان: فلا يبقى اعتماد على هذا الـنقل، و لايكون واجداً لشرائط الـحجيّـة حتّى يعامل معه، و مع الـنقل الآخر معاملـة الـخبرين الـمعتبرين، فيجمع بينهما، أو يرجع إلى قواعد الـتعارض، فا لـلازم الأخذ با لـروايـة بهذه الـكيفيـة الـظاهرة في أنّ الـطهور إنّما هو نفس الأرض، لاخصوص ترابها.
(الصفحة 337)
نعم، ربّما يناقش في دلالتها، لاحتمال كون الـمراد هي الـطهوريـة من الـخبث الـثابتـة للأرض في الـجملـة، ولكنّها مندفعـة بأ نّه إن كان الـمراد هو الاختصاص بها، فهو مقطوع الـبطلان بعد معروفيـة الـتيمّم، و كونه أحد الـطهورين، و إن كان الـمراد هو الـشمول لها أيضاً، فلايمنع من الـدلالـة على ما عليه الـمشهور.
ا لـثانيـة: ما وردت في قضيـة عمّار، ففي موثّقـة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال:
«أتى عمّار بن ياسر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه، إنّي أجنبت الليلـة، فلم يكن معي ماء.
قال: كيف صنعت؟
قال: طرحت ثيابي و قمت على الـصعيد فتمعّكت فيه.
فقال: هكذا يصنع الـحمار، إنّما قال اللّه عزّوجلّ: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) فضرب بيديه على الأرض، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى، ثمّ مسح بجبينه، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على الاُخرى، فمسح الـيسرى على الـيمنى، و الـيمنى على الـيسرى».(1)
و في صحيحـة زرارة قال: قال أبوجعفر (عليه السلام):
«قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم لعمّار في سفر له: ياعمّار، بلغنا أنّك أجنبت فكيف صنعت؟
قال: تمرّغت يا رسول اللّه في الـتراب».
قال: «فقال له: كذلك يتمرّغ الـحمار، أفلا صنعت كذا، ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض. فوضعهما على الـصعيد، ثمّ مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه و كفّيه إحداهما بالاُخرى، ثمّ لم يعد ذلك».(2)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 9.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 8.