(الصفحة 338)
و قد تتوهّم دلالـة الـصحيحـة أو إشعارها بمخا لـفـة الـصعيد للأرض، حيث قال الإمام (عليه السلام) فيها في مقام الـحكايـة:
«ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الـصعيد» ولو كان الـصعيد بمعنى مطلق وجه الأرض، لكان الـمناسب أن يقول: فوضعهما عليها.
ولكن الـتوهّم مندفع: بأنّه من الـمحتمل أن يكون ذلك لأجل إفادة تفسير الآيـة، و بيان أنّ الـمراد با لـصعيد الـواقع فيها هو الأرض.
ثمّ إنّه يمكن أن يقال: بأنّ هذه الـطائفـة ـ مضافاً إلى دلالتها بنفسها على الـمذهب الـمشهور ـ يمكن الاستشهاد بها على كون الـصعيد في الآيـة هو الأرض، لا الـتراب خاصّـة، ضرورة أنّ قصّـة عمّار لم تكن إلاّ قضيـة واحدة، و قد نقلها الأئمّـة (عليهم السلام)بتعبيرات مختلفـة، مع وضوح كون الـغرض من الـنقل بيان الـحكم و إفادة كيفيـة الـتيمّم، ففي أكثرها وقع الـتعبير بالأرض، و في روايـة:
«وضع يده على الـمسح»، و في ثا لـثـة ما عرفت في صحيحـة زرارة من الـجمع بين الأرض و الـصعيد.
فيظهر من جميع ذلك: أنّ الأرض و الـصعيد واحد، و أنّ الـمراد با لـثاني هو الأوّل; إذ لامجال لتوهّم كون دائرة الـتيمّم أوسع من الـصعيد، خصوصاً مع وقوع الاستشهاد بالآيـة في بعضها.
ثمّ الـظاهر أنّ اعتراض الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على عمّار، و الاستشهاد بالآيـة إنّما هو لأجل دلالـة الآيـة على وجوب الـمسح با لـوجوه و الأيدي بدلاً عن الـوضوء و الـغسل معاً، لاشتمال صدر الآيـة على بيان الأمرين، و دلالـة ذيلها على الانتقال إلى الـتيمّم با لـكيفيـة الـمذكورة فيها في كلا الـموردين، فلم يكن وجه لعمل الـعمّار و ما صنعه.
(الصفحة 339)
نعم، الـوجه فيه هو تخيّل أنّ الـتيمّم با لـنحو الـمذكور في الآيـة، حيث لايتجاوز عن الـوجوه و الأيدي اللتين قد أمر بغسلهما في الـوضوء، يكون منحصراً بما هو بدل عن الـوضوء، و أمّا الـبدل عن الـغسل فيكون با لـنحو الـذي صنع، فمنشأ الاعتراض ما ذكر، لا أنّ الآيـة تدلّ على أنّ الـمسح من الـصعيد، لامسح الـجسد على الأرض، ضرورة أنّه لو كان يمسح الـصعيد على جميع أجزاء بدنه لكان الاعتراض عليه باقياً بحا لـه أيضاً، كما هو ظاهر.
ا لـثا لـثـة: عدّة روايات اُخر، كصحيحـة الـحلبي قال: سمعت أباعبدا للّه (عليه السلام)يقول:
«إذا لم يجد الـرجل طهوراً و كان جنباً فليتمسّح من الأرض، و ليصلّ، و إذا وجد ماءً فليغتسل، و قد أجزأته صلاته الـتي صلّى».(1)
و قد نوقش فيها باحتمال كونها بصدد بيان أجزاء الـصلاة الـتي صلّى مع الـتيمّم، لا في مقام بيان ما يتيمّم به، كما أنّه يحتمل أن تكون بصدد بيان أنّه مع عدم وجدان الـماء يصحّ الـتيمّم ولو في سعـة الـوقت، و لايجب الـصبر إلى آخره.
ولكنّ الـمناقشـة مندفعـة بظهور كون الـروايـة في مقام بيان حكمين:
الأوّل: الانتقال إلى الـتيمّم مع عدم وجدان الـماء.
ا لـثاني: أجزاء الـصلاة الـتي صلاّها معه.
و قد اقتصر في بيان الـحكم الأوّل على ذكر الأرض، فيظهر منها أنّه هو ما يتيمّم به لا أمر أخصّ منه. و نظيرها صحيحـة ابن سنان.(2)
و صحيحـة ليث الـمرادي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) في الـتيمّم قال:
«تضرب بكفّيك
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 7.
(الصفحة 340)
على الأرض مرّتين، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك».(1)
و روايـة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الـتيمّم قال:
«تضرب بكفّيك الأرض، ثمّ تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك».(2)
و توهّم: أنّ لزوم الـنفض أو رجحانه الـمدلول عليه با لـروايتين دليل على كون الـتيمّم با لـتراب لا مطلق الأرض، مدفوع بأنّ الـباقي بعد الـنفض على فرض الـتيمّم با لـتراب هو أثر الـتراب لانفسه، و على تقديره فغايـة مفادهما لزوم كون الأرض صا لـحاً للعلوق، و هو لايختصّ با لـتراب لوجوده في الـموارد الـمتقدّمـة.
و روايـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـتيمّم، فضرب بكفّيه الأرض ثمّ مسح بهما وجهه ...(3)
و روايـة زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت: رجل دخل الأجمـة، ليس فيها ماء، و فيها طين، ما يصنع؟
قال:
«يتيمّم، فإنّه الـصعيد ...».(4)
فإنّ الـظاهر منها أنّ الـطين صعيد، مع أنّه ليس بتراب، لكن في مرسلـة علي بن مطر، عن بعض أصحابنا قال: سأ لـت الـرضا (عليه السلام) عن الـرجل لايصيب الـماء و لا الـتراب أيتيمّم با لـطين؟
قال:
«نعم، صعيد طيّب و ماء طهور».(5)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 2.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 11، الـحديث 6.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 5.
- (4)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 5.
- (5)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 6.
(الصفحة 341)
فإنّها ظاهرة في أنّ الـطين لايكون بتمامه صعيداً، بل مركّب منه و من الـماء الـطهور، فتدلّ على أنّ الـمراد با لـصعيد هو الـتراب.
و دعوى: أنّ الـسؤال فيها إنّما هو عن الأراضي الـممطورة الـتي يكون فيها الـطين و الأجزاء الـمائيـة الـقليلـة الـتي لاتضرّ بصدق عدم وجدان الـماء، و لا بصدق كون الأرض طينـة، فا لـمراد بقوله:
«صعيد طيّب» هو الـطين، و بقوله:
«ماء طهور» هو الأجزاء الـمائيـة، واضحـة الـمنع.
و الـعمدة في الـجواب ـ مضافاً إلى إرسال الـروايـة ـ أنّ دلالـة روايـة زرارة على كون الـطين صعيداً أظهر من دلالـة الـمرسلـة على نفيه، فتدبّر.
و يمكن أن يقال: بأنّ مراد الـروايـة إبطال ما ربّما يشعر، بل يدلّ عليه سؤال الـسائل من كون الـمراد با لـصعيد هو الـتراب الـذي لايصيبه الـرجل، و لايصيب الـماء أيضاً، و طريق الإبطال أنّ الـطهور بمقتضى الـكتاب إمّا الـماء الـذي وصفه اللّه تعا لـى به فيه، و إمّا الـصعيد الـطيّب الـمذكور في آيتي الـتيمّم، و عدم وجدان الـتراب لايلازم عدم وجدان الـصعيد; لأنّ الـطين صعيد و إن لايكون تراباً، فمراد الإمام (عليه السلام)بيان وجود أحد الـطهورين في الـمقام، لا أنّ الـطين مركّب من الـطهورين، ضرورة أنّ الـتركّب لا دلالـة له على جواز الـتيمّم، و إلاّ لكان الـلازم جواز الـتيمّم با لـماء بطريق أولى، كما لايخفى.
كلّ ذلك مضافاً إلى ما ورد من قوله(عليه السلام):
«ربّ الماء هو ربّ الأرض»، وقوله(عليه السلام):
«و إن فاتك الـماء لم تفتك الأرض»، و الـموثّق الـمتقدّم فيمن مرّت به جنازة، الـدالّ على جواز الـتيمّم بحائط اللبن و غيرها، ممّا يظهر منه عدم اختصاص ما يتيمّم به بخصوص الـتراب، و أنّ ما عليه الـمشهور هو الـصحيح.
(الصفحة 342)
ولكنّه قد استدلّ لمذهب الـخصم ـ بعد إجماع الـسيّد و كذا صاحب «ا لـغنيـة» ـ بروايات:
الاُولى: صحيحـة محمّد بن حمران و جميل بن درّاج، أنّهما سألا أباعبدا للّه (عليه السلام)عن إمام قوم أصابته جنابـة في الـسفر، و ليس معه من الـماء ما يكفيه للغسل، أيتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟
فقال:
«لا، ولكن يتيمّم الـجنب، و يصلّي بهم، فإنّ اللّه عزّوجلّ جعل الـتراب طهوراً كما جعل الـماء طهوراً».(1)
و في روايـة الـشيخ ترك لفظ «بعضهم»، و في روايـة الـكليني ترك قوله: «كما جعل الـماء طهوراً».
و تقريب الاستدلال: أنّها في مقام بيان الامتنان، ولو كان مطلق الأرض طهوراً لكان المناسب للمقام ذكرها مكان التراب، لاقتضاء عموميتها للأنسبية للامتنان، كما هو ظاهر.
و الـجواب: أنّه لم يظهر ورود الـروايـة في مقام الامتنان، فإنّ غايـة مفادها لزوم الـتيمّم في الـفرض الـمذكور في الـسؤال، معلّلاً بأنّ اللّه عزّوجلّ جعل الـتراب طهوراً.
و بعبارة اُخرى: الـروايـة إنّما هي بصدد إبطال لزوم الـتوضّيء مكان الـغسل; لعدم كفايـة الـماء له، و إفادة لزوم الـتيمّم، وليس واقعاً موقع الامتنان مع أنّ هذا الـظهور لايكاد يقاوم الـروايات الـمتقدّمـة الـظاهرة، بل الـصريحـة في الـتعميم.
ا لـثانيـة: صحيحـة رفاعـة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«إذا كان الأرض مبتلـة ليس فيها تراب و لاماء، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه، فإنّ ذلك توسيع من اللّه عزّوجلّ».
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 24، الـحديث 2.