(الصفحة 539)
نجاستها، و عدمَ إمكان تطهيرها، ضرر على ما لـكها; لأنّ الـنجاسـة مانعـة عن الأكل أو الاستعمال فيما يشترط فيه الـطهارة.
و الـجواب عن الأوّل: أنّ عمل الـعرف الـمذكور، إنّما هو في خصوص ما إذا لم تنفذ الـقذارة في أعماق الأجسام الـمذكورة، و أمّا مع نفوذها فيها، فلا خفاء في عدم اكتفائهم بمجرّد غسل الـظاهر و لو مع الـعلم بنفوذ الـماء الـطاهر في الأعماق، فإذا كانت الـفاكهـة مثلاً في الـبا لـوعـة أيّاماً متعدّدة; بحيث نفذت الـقذارة في عمقها، فهل يكتفي الـعرف في تطهيرها بما أفاده؟! من الـواضح خلافه، إذاً فا لـظاهر عدم إمكان تحقّق الـغسل با لـنسبـة إلى الـباطن.
و اُجيب عن الـثاني: بأنّ حديث نفي الـضرر إنّما ينفي الأحكام الـتكليفيـة الـضرريـة، و لا دلالـة على نفي الأحكام الـوضعيـة، الـتي منها الـطهارة و الـنجاسـة.
ولكنّ الـصحيح في الـجواب ـ بعد وضوح عدم اختصاص الـحديث برفع خصوص الأحكام الـتكليفيـة الـضرريـة، و لذا يستدلّون به في إثبات خيار الـغبن الـذي مرجعه إلى نفي اللزوم الـذي هو من الأحكام الـوضعيـة و إن أمكن إرجاعه إلى نفي وجوب الـوفاء با لـعقد الـذي هو مفاد آيـة:
(أَوْفُوْا بِالْعُقُودِ) و الـتحقيق في محلّه ـ أنّ الـحديث لا يرتبط بهذه الاُمور، بل إنّما هو حكم صادر من ناحيـة الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)بما أنّه حاكم، لا بما أنّه رسول و واسطـة في تبليغ الأحكام الإلهيّـة و بيان الـوظائف الـعمليّـة. هذا با لـنسبـة إلى الـضّرر.
و أمّا بالإضافـة إلى الـحرج، فا لـحكم يدور مداره كما في سائر الـموارد.
و قد ظهر ممّا ذكرنا، تماميـة ما اُفيد في الـمتن من الـتفصيل بين الـظاهر و الـباطن في الأجسام الـمذكورة.
(الصفحة 540)
و أمّا الآنيـة، فإن تنجّست بولوغ الـكلب فيما فيها من ماء أو غيره ممّا يتحقّق معه اسم «ا لـولوغ» غسلت ثلاثاً، اُولاهنّ با لـتراب; أي الـتعفير به، و الأحوط اعتبار الـطهارة فيه، و لا يقوم غيره مقامه و لو عند الاضطرار.
و الأحوط في الـغسل با لـتراب، مسحه با لـتراب الـخا لـص أوّلاً، ثمّ غسله بوضع ماء عليه; بحيث لا يخرجه عن اسم الـتراب.
و لايترك الاحتياط بإلحاق مطلق مباشرته با لـفم، كا للطع و نحوه و الـشرب بلاولوغ، و مباشرة لعابه بلا ولوغ به، و لا يلحق به مباشرته بسائر أعضائه على الأقوى، و الاحتياط حسن1 .
تطهير الآنيـة با لـماء الـقليل
في الآنيـة الـمتنجّسـة بولوغ الـكلب
(1) الـكلام في الآنيـة الـمتنجّسـة بولوغ الـكلب يقع في مقامين:
ا لـمقام الأوّل: في حكمها من جهـة الـتطهير و كيفيته
و قد حكي الإجماع على الـتثليث عن «الانتصار» و «ا لـخلاف» و غيرهما، و عن «ا لـمنتهى»: قال علمائنا أجمع إلاّ ابن ا لـجنيد: إنّه يجب غسله ثلاث مرّات، إحداهنّ با لـتراب.
و عن ابن ا لـجنيد: أنّه يغسل سبع مرّات، اُولاهنّ با لـتراب.
و الـمشهور أنّ غسلـة الـتراب اُولاهنّ.
و عن الـمفيد (قدس سره) في «ا لـمقنعـة»: أنّ الإناء يغسل من الـولوغ ثلاثاً، وسطاهنّ با لـتراب، ثمّ يجفّف.
(الصفحة 541)
و عن «الانتصار» و «ا لـخلاف» إطلاق الـقول بأنّه يغسل ثلاث مرّات، إحداهنّ با لـتراب، و كذا حكي عن الـصدوق في «ا لـفقيه» و هو ظاهر عبارة «ا لـمنتهى» الـمذكورة الـمشتملـة على الـنسبـة إلى علمائنا أجمع.
و يدلّ على ما اختاره الـمشهور صحيحـة أبي ا لـعبّاس الـبقباق قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن فضل الـهرّة و الـشاة ... إلى أن قال: فلم أترك شيئاً إلاّ سأ لـته عنه.
فقال:
«لا بأس به».
حتّى انتهيت إلى الـكلب.
فقال:
«رجس نجس، لا تتوضّأ بفضله، و اصبب ذلك الـماء، و اغسله با لـتراب أوّل مرّة، ثم با لـماء مرّتين»(1)
.
كذا رواها في «ا لـمعتبر» و حكي ذلك عن كثير من الـكتب الـفقهيـة.
لكن قال في «ا لـمدارك» بعد ما رواها خا لـيـة عن لفظ
«ا لـمرّتين»: كذا وجدته فيما وقفت عليه من كتب الأحاديث، و نقله كذلك الـشيخ (قدس سره) في مواضع من «ا لـخلاف» و الـعلاّمـة في «ا لـمختلف» إلاّ أنّ الـمصنّف نقله في «ا لـمعتبر» بزيادة لفظ «ا لـمرّتين» بعد قوله:
«ثمّ با لـماء» و قلّده في ذلك من تأخّر عنه، و لا يبعد أن يكون ذلك من قلم الـناسخ، و مقتضى إطلاق الأمر با لـغسل، الاكتفاء با لـمرّة الـواحدة بعد الـتعفير، إلاّ أنّ ظاهر «ا لـمنتهى» و صريح «ا لـتذكرة» انعقاد الإجماع على تعدّد الـغسل با لـماء، فإن تمّ فهو الـحجّـة، و إلاّ أمكن الاجتزاء با لـمرّة; لحصول الامتثال بها.
ولكن ربّما يقال: إنّ استدلال الـمحقّق و غيره بها ممّا يمنع من احتمال سهو الـقلم،
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 1، الـحديث 4، و أبواب الـنجاسات، الـباب 70، الـحديث 1 من دون لفظ «مرّتين».
(الصفحة 542)
بل لعلّ عدم تعرّض الـمحقّق لاختلاف الأصل الـذي روى عنه مع أصل الـشيخ، يشهد بكونها في «ا لـتهذيبين» كذلك، و احتمال كون روايـة الـمحقّق لها با لـزيادة الـمذكورة من جهـة الاتّفاق على الـتثليث، بعيد.
ولكن مع ذلك، لو نوقش في هذا الـنقل نقول: يدلّ على لزوم الـتعدّد إطلاق موثّقـة عمّار الـمتقدّمـة، عن أبي عبدا للّه(عليه السلام) قال: سئل عن الـكوز و الإناء يكون قذراً، كيف يغسل؟ و كم مرّة يغسل؟
قال:
«يغسل ثلاث مرّات: يصبّ فيه الـماء فيحرّك فيه، ثمّ يفرّغ منه، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرّغ ذلك الـماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرّغ منه و قد طهر».
إلى أن قال:
«اغسل الإناء الـذي تصيب فيه الـجُرَذ ميّتاً سبع مرّات»(1)
.
فإنّ مقتضى إطلاقها أنّه لافرق بين أن يتنجّس بشيء من الأعيان الـنجسـة، أو الـمتنجّسات، و به يرفع الـيد عمّا يكون مقتضى إطلاقه جواز الاكتفاء بأقلّ من الـثلاث كا لـصحيحـة، بناءً على نقل غير الـمحقّق.
و كصحيحـة محمّد بن مسلم الـمتقدّمـة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـكلب يشرب من الإناء.
قال:
«اغسل الإناء».
و عن الـسنّور.
قال:
«لا بأس أن تتوضّأ من فضلها; إنّما هي من الـسباع»(2)
.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـنجاسات، الـباب 53، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأسئار، الـباب 2، الـحديث 3.
(الصفحة 543)
بناءً على عدم كون محطّ الـسؤال مجرّد الـنجاسـة و عدمها، كما ربّما يؤيّده الـسؤال عن الـسنّور.
و با لـجملـة: فالإطلاق في الـصحيحتين مقيّد با لـثلاث للموثّقـة; لوضوح عدم إمكان إخراج الـكلب من الـموثّقـة، و الـحكمِ بثبوت الـتثليث في غيره; لنصوصيتها بالإضافـة إلى الـكلب، لأنّه الـقدر الـمتيقّن منها، فا لـموثّقـة من هذه الـجهـة مقيّدة لإطلاق الـصحيحتين.
كما أنّك عرفت شمولها بل اختصاصها، با لـتطهير با لـماء الـقليل; من جهـة فرض صبّ الـماء في الـكوز و الإناء; و من الـمعلوم أنّ الـماء الـمصبوب فيهما يكون قليلاً; لندرة فرض كون الـكوز و الإناء بحيث يسعان لمقدار الـكرّ.
نعم، ظاهر الـموثّقـة كون الـغسلات الـثلاث با لـماء من تعرّض للتعفير; و كون الـغسلـة الاُولى با لـتراب. ولكن صحيحـة الـبقباق تصلح لتقييد الـموثّقـة من هذه الـجهـة; و الـحكم بأنّ الـغسلـة الاُولى لابدّ و أن تكون با لـتراب.
و دعوى أنّ الـغسل با لـماء يغاير الـغسل با لـتراب، فكيف يحمل الـغسل با لـماء على الـغسل با لـتراب؟! مدفوعـة بعدم الـمغايرة; لما سيجىء من أنّ الـمراد من الـغسل با لـتراب هو الـغسل با لـماء مع ضمّ الـتراب، فا لـمغايرة إنّما هي بنحو الإطلاق و الـتقييد. و يؤيّده الـتعبير با لـغسل في الـتراب أيضاً، دون الـمسح.
وأمّا ماحكي عن ابن ا لجنيد: من أنّه يغسل سبعاً اُولاهنّ بالتراب، فمستنده روايتان:
إحداهما: موثّقـة عمّار: عن الإناء يشرب فيه الـنبيذ.
فقال:
«تغسله سبع مرّات، و كذلك الـكلب»(1)
.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الأشربـة الـمحرّمـة، الـباب 30، الـحديث 2.