( صفحه 14 )
رواية مسعدة بن صدقة، أنّه قال: سُئل أبو عبد الله (عليه السلام) : ما بال الزاني لا تسمّيه كافراً، وتارك الصلاة تسمّيه كافراً، وما الحجّة في ذلك؟ فقال: لأنّ الزاني وما أشبهه إنّما يفعل ذلك لمكان الشهوة; لأنّها تغلبه، وتارك الصلاة لا يتركها إلاّ استخفافاً بها، وذلك لأنّك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلاّ وهو مستلذّ لإتيانه إيّاها، قاصداً إليها، وكلّ من ترك الصلاة قاصداً لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذّة، فإذا نفيت اللذّة وقع الاستخفاف، وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر(1).
وهذه الرواية وإن كانت ظاهرة في ملازمة مطلق الترك عن قصد مع الاستخفاف، إلاّ أنّ الظاهر عدم ثبوت هذه الملازمة، والقدر المتيقّن ثبوت الكفر في خصوص صورة الاستخفاف، ولعلّ الوجه فيه أنّ أهمّية الصلاة وعظم مرتبتها من ضروريّات الإسلام، كأصل وجوبها، فالاستخفاف يرجع إلى إنكار الضروري; وهو موجب للكفر إمّا بنفسه، أو لأجل استلزامه للموجب، فتدبّر.
- (1) الفقيه 1: 132 ح616، علل الشرائع: 339 ب37 ح1، قرب الإسناد: 47 ح154، وعنها وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب11 ح2.
( صفحه 15 )
فصل في مقدّمات الصلاة
وهي ستّ:
أعداد الفرائض
المقدّمة الاُولى
في أعداد الفرائض ومواقيت اليوميّة ونوافلها
مسألة 1: الصلاة واجبة ومندوبة:
فالواجبة خمس: اليوميّة، ومنها الجمعة، وكذا قضاء ولد الأكبر عن والده، وصلاة الآيات، والطواف الواجب، والأموات، وما التزمه المكلّف بنذر أو إجارة أو غيرهما. وفي عدّ الأخيرة في الواجب مسامحة; إذ الواجب هو الوفاء بالنذر ونحوه، لا عنوان الصلاة 1 .
1ـ ربما يمكن أن يناقش في اختصاص الصلاة بالقسمين: الواجبة،
( صفحه 16 )
والمندوبة، بوجود قسم ثالث; وهي الصلاة المكروهة، كالصلاة في الحمّام، وقسم رابع; وهي الصلاة المحرّمة، كصلاة الحائض، لكنّها مدفوعة بوضوح عدم كون الكراهة في العبادات المكروهة بالمعنى المصطلح فيها، بل بمعنى أقلّية الثواب، وبأنّ الظاهر عدم كون الحرمة في مثل صلاة الحائض ذاتيّة، بل تشريعيّة مرجعها إلى كون المتعلّق هو التشريع الذي يتحقّق في مثلها بقصد التقرّب بما ليس بمقرّب، فلا يكون لها إلاّ قسمان مذكوران في المتن.
وأمّا أعداد الصلاة الواجبة، فقد ذكر المحقّق في الشرائع(1) أنّها تسع، بجعل الجمعة نوعاً مستقلاًّ، وإضافة صلاة العيدين، وجعل الكسوف والزلزلة نوعين آخرين في مقابل صلاة الآيات.
ولكنّ الظاهر عدم كون الجمعة نوعاً مستقلاًّ، بل هي من الفرائض اليوميّة، غاية الأمر كونها مشروطة بشرائط خاصّة، وبقاؤها على الركعتين اللّتين هما فرض الله في كلّ صلاة، كما تدلّ عليه الروايات المستفيضة(2)، كما أنّ قضاء الوليّ إنّما هو كقضاء الميّت بنفسه من شؤون اليوميّة.
وأمّا صلاة العيدين، فيجوز عدّها في الواجبة بلحاظ زمان الحضور، وفي المندوبة بالنظر إلى زمان الغيبة. وأمّا صلاة الآيات، فلا تكون إلاّ نوعاً واحداً، غاية الأمر أنّ سبب وجوبها قد يكون هو الكسوف الشامل للخسوف، وقد يكون هي الزلزلة، وقد يكون آيات اُخرى، كالريح السوداء ونحوها.
- (1) شرائع الإسلام 1: 59.
- (2) وسائل الشيعة 4: 45 ـ 53، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح2، 12، 14 و22.
( صفحه 17 )
نعم، لا مانع من إسقاط صلاة الأموات; نظراً إلى عدم كونها صلاة حقيقة; لعدم اشتراطها بشرائط الصلاة، وعدم اشتمالها على أركانها.
وأمّا ما التزمه المكلّف بنذر أو إجارة أو نحوهما، فعدّها في الواجب فيه مسامحة واضحة أشار إلى وجهها في المتن، وهو: أنّ تعلّق النذر لا يوجب خروج المتعلّق عن الحكم المتعلّق به أوّلاً، وجوباً كان أو استحباباً، ولا اجتماع الحكمين فيه. أمّا الثاني: فواضح.
وأمّا الأوّل: فلأنّ انعقاد النذر إنّما هو لأجل تعلّق الحكم الوجوبي أو الاستحبابي به الكاشف عن رجحانه، فكيف يسقط مع تعلّق النذر، ولا طريق لنا إلى إثبات الرجحان غير تعلّق ذلك الحكم به؟ مع أنّه ربما يكون الحكم الوجوبي المتعلّق به أهمّ من وجوب الوفاء بالنذر.
فكيف يوجب سقوطه، مع أنّه لا دليل عليه في مقام الإثبات؟ فإنّ الحكم الجائي من قبل النذر أو الإجارة متعلّقه الوفاء بهما، ولا معنى لسراية الحكم من متعلّقه الذي هو العنوان والمفهوم إلى شيء آخر خارج عنه، فالصلاة المنذورة أو المستأجر عليها لا تصير واجبة أصلاً، فلا يكون نوعاً خاصّاً.
( صفحه 18 )
والمندوبة أكثر من أن تحصى; منها: الرواتب اليوميّة; وهي ثمان ركعات
للظهر قبله، وثمان للعصر قبله، وأربع للمغرب بعده، وركعتان من جلوس
للعشاء بعده تعدّان بركعة، تسمّى بالوتيرة، ويمتدّ وقتها بامتداد وقت
صاحبها، وركعتان للفجر قبل الفريضة، ووقتهما الفجر الأوّل، ويمتدّ إلى أن يبقى من طلوع الحمرة مقدار أداء الفريضة، ويجوز دسّهما في صلاة الليل قبل الفجر ولو عند نصف الليل، بل لا يبعد أن يكون وقتهما بعد مقدار إتيان صلاة الليل من انتصافها، ولكنّ الأحوط عدم الإتيان بهما قبل الفجر الأوّل إلاّ بالدسّ في صلاة الليل. تعداد الرواتب اليوميّة
وإحدى عشرة ركعة نافلة الليل; صلاة الليل ثمان ركعات، ثمّ ركعتا الشفع، ثمّ ركعة الوتر، وهي مع الشفع أفضل صلاة الليل، وركعتا الفجر أفضل منهما، ويجوز الاقتصار على الشفع والوتر، بل على الوتر خاصّة عند ضيق الوقت، وفي غيره يأتي به رجاءً.
ووقت صلاة الليل نصفها إلى الفجر الصادق، والسحر أفضل من غيره،
والثلث الأخير من الليل كلّه سحر، وأفضله القريب من الفجر، وأفضل
منه التفريق، كما كان يصنعه النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فعدد النوافل ـ بعد عدّ الوتيرة ركعة ـ
أربع وثلاثون ركعة ضعف عدد الفرائض، وتسقط في السفر الموجب للقصر
ثمانيةُ الظهر، وثمانيةُ العصر، وتثبت البواقي، والأحوط الإتيان
بالوُتَيرة رجاءً 1 .
1ـ في الرواتب اليوميّة مسائل:
الاُولى: في تعدادها، وقد وقع فيه الاختلاف بين المسلمين بعد اتّفاقهم