( صفحه 230 )بحمل الاُولى على المختار، والثانية على المضطرّ.
نعم، لو كان هناك رواية دالّة على الامتداد إلى الفجر للمضطرّ لا تكون تلك الرواية مخالفة إلاّ لإطلاق الآية، ويمكن تقييدها بالمختار، ولا مانع من اختصاص موردها به، كما أنّه لو كان مفاد الرواية الامتداد إلى الفجر مطلقاً، لأمكن الجمع بينها وبين الآية، بحمل الاُولى على صورة الاضطرار، والثانية على الاختيار، كما هو واضح.
وكيف كان، فالآية في نفسها دليل للقول بالانتصاف، ويشهد له أيضاً روايات متكثّرة:
كمرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل(1).
والمراد من قوله (عليه السلام) : «إذا صلّيت المغرب» هو مضيّ مقدار أداء صلاة المغرب، لا الإتيان بها خارجاً، بقرينة الرواية الآتية.
ومرسلة داود بن أبي يزيد ـ وهو داود بن فرقد ـ عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار مايصلّي المصلّي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء
- (1) تقدّمت في ص159 و 222.
( صفحه 231 )الآخرة إلى انتصاف الليل(1).
وصحيحة بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، المشتملة على قوله (عليه السلام) : وأوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة، وآخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل(2).
ورواية أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لولا أنّي أخاف أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل، وأنت في رخصة إلى نصف الليل; وهو غسق الليل، فإذا مضى الغسق نادى ملكان: من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه(3).
ورواية معلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: آخر وقت العتمة نصف الليل(4).
ورواية الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: العتمة إلى ثلث الليل، أو إلى نصف الليل، وذلك التضييع(5).
ورواية عبيد بن زرارة ـ على نقل الشيخ (قدس سره) ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل(6).
- (1) تقدّمت في ص164 و 222.
- (2) تقدّمت في ص174 و 224.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 261 ح1041، الاستبصار 1: 272 ح986، وعنهما وسائل الشيعة 4: 185، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب17 ح7.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 262 ح1042، الاستبصار 1: 273 ح987، وعنهما وسائل الشيعة 4: 185، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب17 ح8 .
- (5) تهذيب الأحكام 2: 262 ح1043، الاستبصار 1: 273 ح988، وعنهما وسائل الشيعة 4: 185، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب17 ح9.
- (6) تقدّمت في ص197.
( صفحه 232 )وأمّا ما يدلّ على الربع، فهو ما ورد في فقه الرضا (عليه السلام) من قوله: ووقت العشاء الآخرة الفراغ من المغرب، ثمّ إلى ربع الليل، وقد رخّص للعليل والمسافر فيهما إلى انتصاف الليل، وللمضطرّ إلى قبل
طلوع الفجر(1).
ولكن عرفت أنّ مثلها مخالف للآية، ولا يجوز الأخذ بها; لعدم إمكان حمل الآية على كون موردها العليل والمسافر في مقابل المختار والمضطرّ، مع أنّه لم تثبت كونه رواية، ولم تثبت حجّية فقه الرضا (عليه السلام) بوجه.
وأمّا ما يدلّ على الثلث، فمنها: ما رواه الصدوق باسناده عن معاوية بن عمّار في رواية: أنّ وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل.
قال الصدوق: وكان الثلث هو الأوسط، والنصف هو آخر الوقت(2).
ومنها: رواية معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس، فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة، فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس، فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين سقط الشفق، فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين طلع الفجر، فأمره فصلّى الصبح.
ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة، فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان، فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس، فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين ذهب ثلث الليل، فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه
- (1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام) : 103.
- (2) الفقيه 1: 141 ح657، وعنه وسائل الشيعة 4: 200، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب21 ح4.
( صفحه 233 )حين نوّر الصبح، فأمره فصلّى الصبح، ثمّ قال: ما بينهما وقت(1).
ومنها: غير ذلك ممّا يظهر للمتتبّع.
أقول: ولا محيص عن حمل روايات الثلث على بيان آخر وقت الفضيلة; لأنّ الأخذ بإطلاقها والحكم بكونه آخر الوقت للمختار والمضطرّ لا يجتمع مع الآية الشريفة الدالّة على الامتداد إلى الانتصاف، كما أنّ حملها على بيان وقت المختار موجب لحمل الآية على مورد الاضطرار، وهو لا يصحّ.
فكيف يمكن حمل الآية الدالّة على تشريع الصلاة وبيان مواقيتها على كون محطّ النظر فيها هي صورة الاضطرار؟ فينحصر الطريق بحمل روايات الثلث على بيان آخر وقت الفضيلة، ولا تنافي الآية حينئذ، لظهورها في آخر وقت الإجزاء.
وأمّا الأخبار الدالّة على الامتداد إلى الفجر، المتقدّمة(2) في آخر وقت المغرب، فإن أريد استفادة الإطلاق منها ـ إمّا بدعوى دلالة بعضها عليه، وإمّا بدعوى إلغاء الخصوصيّة عن مواردها; وهي النائم والناسي والحائض ـ فهو لا يجتمع مع الآية الدالّة على أنّ آخر وقت العشاء هو الانتصاف، ولا يمكن حمل الآية على بيان وقت الفضيلة. نعم، لو كان في مقابلها أخبار الانتصاف فقط لأمكن ذلك.
وإن اُريد استفادة جواز التأخير بالإضافة إلى خصوص مواردها، أو أعمّ
- (1) تهذيب الأحكام 2: 252 ح1001، الاستبصار 1: 257 ح922، وعنهما وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب10 ح5.
- (2) في ص197 ـ 200.
( صفحه 234 )منه ممّا لا يخرج عن عنوان الاضطرار، فالجمع بينها، وبين الآية وأخبار الانتصاف ممّا لامانع منه، بحمل الآية وكذا تلك الأخبار على مورد الاختيار، والقول بالتفصيل بينه وبين الاضطرار، كما أفتى به المحقّق في المعتبر على ما مرّ(1).
نعم، يبقى على الالتزام بأخبار الفجر أمران:
الأوّل: أنّها معرض عنها للمشهور(2)، ومن المقرّر في محلّه أنّ إعراض المشهور قادح في حجّية الرواية واعتبارها ولو بلغت من الصحّة ما بلغت(3).
الثاني: أنّها محمولة على التقيّة; لاتّفاقهم إلاّ من شذّ على الامتداد إلى الطلوع للفجر; وإن اختلفوا في أنّه هل مطلق، أو مقيّد بصورة الاضطرار، وأنّ آخر وقت المختار هل هو الثلث، أو النصف؟
ويدفع الأوّل ما عرفت(4) في آخر وقت المغرب من عدم ثبوت الإعراض بعد ادّعاء الشيخ في موضع من الخلاف نفي الخلاف، في لزوم الإتيان بالعشاءين إذا أدرك مقدار خمس ركعات قبل طلوع الفجر.
مضافاً إلى فتوى المحقّق به في المعتبر(5)، وظهور عبارة الصدوق(6) في ذلك، واختيار جمع من المتأخّرين له(7).
ويدفع الثاني: أنّه لا وجه للحمل على التقيّة; لأنّه مضافاً إلى وجود القول
- (1) في ص192 و 228.
- (2) تقدّم تخريجه في ص228.
- (3) تقدّم تخريجه في ص25.
- (4) في ص203.
- (5 ـ 7) تقدّم تخريجها في ص192 و 228 ـ 229.