( صفحه 127 )
وحيث إنّ الرواية الثانية قد قيّد الحكم بالجواز فيها بالسفر، يشكل الحكم به بمجرّد خشية الفوت ولو في غير السفر; لأنّه يحتمل قويّاً أن لا يكون في البين روايتان صادرتان عن أبي عبد الله (عليه السلام) مرّتين، بل رواية واحدة رواها أبو بصير والحلبي معاً، ويؤيّده اتّحاد ألفاظهما.
وعليه: فيتردّد الأمر بين أن تكون الرواية الصادرة مشتملة على كلمة «في السفر»، أم لا، ومع هذا الترديد لا يبقى مجال للحكم بالإطلاق; لأنّ التقييد يكشف عن مدخليّة القيد لا محالة، وإلاّ يصير ذكره لغواً.
وعلى فرض كونهما روايتين لفرض تعدّد الراوي، لابدّ من حمل المطلق على المقيّد، والالتزام بتقيّد الجواز بالسفر. نعم، ربما(1) يقال: إنّه لا مجال لحمل المطلق على المقيّد في باب المستحبّات، كما إذا أمر بقراءة القرآن مطلقة، ثمّ ورد الأمر بها مقيّدة بقيد، كالطهارة، أو وقت مخصوص، أو مكان كذلك.
وعليه: فجواز التقديم مع خشية الفوات مطلقة لا ينافي جوازه معها مقيّدة بالسفر، كما لايخفى.
وأجاب عنه بعض الأعلام بما حاصله: أنّ عدم جريان قانون الإطلاق والتقييد في الأحكام غير الإلزاميّة إنّما هو فيما إذا ترتّب الحكم على متعلّقه من دون تقييد بشيء، ثمّ ورد الأمر بها مقيّدة بقيد كالمثال المذكور; فإنّ في مثله يختصّ حمل المطلق على المقيّد بالأحكام الإلزاميّة; لأنّ معنى إطلاق المتعلّق جواز إتيان المكلّف به غير مقيّد بذلك القيد; ومعنى التقييد أنّه لابدّ من
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 410 ـ 411، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 285 ـ 286.
( صفحه 128 )
الإتيان به مقيّداً به، وهما أمران متنافيان ولابدّ من الحمل.
وهذا بخلاف المستحبّ; لأنّه لا إلزام فيه على الإتيان بالمقيّد ليكون ذلك منافياً للترخيص في المطلق. وأمّا إذا دلّ الدليل على ثبوت حكم مطلق، ثمّ ورد هذا الحكم مقيّداً بقيد في دليل آخر، كما في محلّ الكلام; بأن كان التقييد راجعاً إلى الحكم لا إلى المتعلّق، فلا مناص من حمل المطلق على المقيّد، وإلاّ لزم اللغويّة في التقييد، من دون فرق بين الواجب والمستحبّ(1).
وأنا أقول: إنّ في المقام خصوصيّة لا محيص فيه عن الحمل; وذلك لأنّ مقتضى أدلّة توقيت صلاة الليل، وأنّ وقتها من انتصاف الليل، هو عدم مشروعيّة وقوعها قبل الانتصاف; لمنافاة التوقيت معها، فمفاد تلك الأدلّة عدم المشروعيّة إذا أتى بها أوّل الليل مطلقاً، وحينئذ فالاختلاف في ثبوت القيد وعدمه يرجع إلى الاختلاف في أصل المشروعيّة مع عدم ذلك القيد.
وبعبارة اُخرى: مع ثبوت القيد تكون المشروعيّة ثابتة بمقتضى كلا الدليلين، ومع عدمه تكون مشكوكة، فدليل المطلق مثبت لها، ودليل المقيّد ناف، ومن الواضح: أنّه مع الاختلاف في المشروعيّة لا محيص من حمل المطلق على المقيّد; لوجود المنافاة بينهما; لأنّ دليل المطلق يثبت المشروعيّة مع عدم القيد، ودليل المقيّد ينفيه، فلا مناص منه. وقد انقدح بذلك أنّ مجرّد خشية الفوات من دون مقارنة السفر لا يجوّز التقديم.
نعم، يمكن استفادة الجواز من صدر رواية معاوية بن وهب المتقدّمة(2)
- (1) تقدّم تخريجه في الصفحة السابقة.
- (2) في ص126.
( صفحه 129 )
في الجارية عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنّه قال: قلت له: إنّ رجلاً من مواليك من صلحائهم شكا إليّ ما يلقى من النوم وقال: إنّي اُريد القيام إلى الصلاة بالليل(1) فيغلبني النوم حتّى أصبح، فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع، والشهرين أصبر على ثقله، فقال: قرّة عين والله، قرّة عين والله، ولم يرخّص له في الصلاة في أوّل الليل(2)، وقال: القضاء بالنهار أفضل.
فإنّ الحكم بأفضليّة القضاء يدلّ على جواز التقديم ومشروعيّته مع خوف الفوات لأجل النوم ونحوه.
- (1) كذا في الكافي، وفي التهذيب: للصلاة بالليل، وفي الاستبصار: لصلاة الليل، وفي الفقيه والوسائل: القيام بالليل.
- (2) كذا في كا ويبصا، وفي الفقيه: ولم يرخّص في الوتر أوّل الليل، وفي الوسائل: ولم يرخّص في النوافل أوّل الليل.
( صفحه 130 )
[ أوقات الفرائض ]
وقت صلاة الظهرين
مسألة 6: وقت الظهرين من الزوال إلى المغرب، ويختصّ الظهر بأوّله مقدار أدائها بحسب حاله، والعصر بآخره كذلك، وما بينهما مشترك بينهما. ووقت العشاءين للمختار من المغرب إلى نصف الليل، ويختصّ المغرب بأوّله بمقدار أدائها، والعشاء بآخره كذلك بحسب حاله، وما بينهما مشترك بينهما.
والأحوط لمن أخّرهما عن نصف الليل ـ اضطراراً; لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها، أو عمداً ـ الإتيان بهما إلى طلوع الفجر بقصد ما في الذمّة، ولو لم يبق إلى طلوعه بمقدار الصلاتين يأتي بالعشاء احتياطاً، والأحوط قضاؤهما مترتّباً بعد الوقت. وما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح.
ووقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص، كما أنّ منتهى فضيلة العصر المثلان، ومبدأ فضيلته إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام ـ أي أربعة أسباع الشاخص ـ على الأظهر; وإن لا يبعد أن يكون مبدؤها بعد مقدار أداء الظهر.
ووقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق، وهو الحمرة المغربيّة، وهو أوّل فضيلة العشاء إلى ثلث الليل، فلها وقتا إجزاء: قبل ذهاب الشفق، وبعد الثلث إلى النصف.
ووقت فضيلة الصبح من أوّله إلى حدوث الحمرة المشرقيّة، ولعلّ حدوثها يساوق مع زمان التجلّل والإسفار، وتنوّر الصبح المنصوص بها 1 .
1ـ البحث في هذه المسألة يقع في مقامات، وينبغي قبل التكلّم فيها الإشارة إلى أصل اعتبار الوقت وشرطيّته في الصلوات المفروضة اليوميّة.
( صفحه 131 )
ونقول: اشتراطه فيها في الجملة ممّا لا إشكال فيه، بل هو من ضروريّات الإسلام، وعليه اتّفاق قاطبة المسلمين(1)، ويدلّ عليه من الكتاب آيات متعدّدة:
منها: قوله ـ تعالى ـ : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)(2)، والمراد من دلوك الشمس: هو زوالها وانتقالها عن دائرة نصف النهار، كما يظهر من كثير من أهل اللغة(3)، ويدلّ عليه رواية زرارة الآتية، ومن الغسق: انتصاف الليل، أو سقوط الشفق على ما سيأتي.
والآية تدلّ على بيان وقت الصلوات اليوميّة بأجمعها، أربع منها يستفاد من صدر الآية، وواحدة من قوله: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ); لأنّ المراد منه هي صلاة الصبح، وإطلاقه عليها من باب إطلاق لفظ الجزء وإرادة الكلّ، وقد وقع تفسيره بها في بعض الروايات الآتية.
ومنها: قوله ـ تعالى ـ : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)(4)، بناءً على أنّ المراد من طرفي النهار إمّا الوقتان اللّذان يقع فيهما صلاة الصبح والعصر; لكون الطرفين داخلين في النهار، وإمّا
- (1) الخلاف 1: 255، منتهى المطلب 4: 36، ذكرى الشيعة 2: 319، مدارك الأحكام 3: 30، جواهر الكلام 7: 123، بداية المجتهد 1: 94، المغني لابن قدامة 1: 378.
- (2) سورة الإسراء 17: 78 ـ 79.
- (3) معجم تهذيب اللّغة 2: 1220، النهاية لابن الأثير 2: 130، لسان العرب 2: 406، المصباح المنير: 199، مجمع البحرين 1: 606.
- (4) سورة هود 11: 114.