( صفحه 473 )لا يقدح الانفصال بينها وبين الصلاة، ولا يضرّ فعل المنافي بينهما، غاية الأمر لزوم رعاية القبلة والطهارة في حال الإتيان بها.
فإن قلنا بالمبنى الأوّل، فاللاّزم هي إعادة الصلاة التي علم تفصيلا بترك التشهّد فيها سهواً; لعدم حصول العلم بوقوع الصلاة إلى القبلة الواقعيّة بمجرّد قضاء التشهّد المنسي; لوقوع الفصل بينه، وبين الصلاة التي هي المحتمل الثالث فرضاً، مضافاً إلى احتمال تحقّق الاستدبار بسبب الإتيان بالمحتمل الأخير.
وعليه: فقد تحقّق المنافي في البين ولابدّ من إحراز عدم التخلّل، ولا يجدي مجرّد احتماله، كما لا يخفى.
وأمّا في صورة العلم الإجمالي، فالاحتياط إنّما يتحقّق بقضاء الجزء المنسي بعد المحتمل الأخير، ثمّ إعادة بقيّة المحتملات من رأس، ولا يتحقّق بقضاء الجزء إلى أربع جهات بعد احتمال الانفصال وتحقّق المنافي، وهو الاستدبار كما عرفت.
وإن قلنا بالمبنى الثاني، ففي صورة العلم التفصيلي يأتي بقضاء التشهّد مرّة إلى الجهة التي علم بكون الصلاة إليها فاقدة له، ولا يقدح الفصل القطعي والمنافي الاحتمالي بوجه على ما هو المفروض. وفي صورة العلم الإجمالي لابدّ من قضاء الجزء المنسي إلى أربع جهات ليتحقّق العلم بوقوع صلاة كاملة إلى القبلة الواقعيّة وتدارك ما فات من المصلحة، كما هو ظاهر.
تتميم
كما أنّ المتحيّر في القبلة يجب عليه تكرار الصلاة إلى أربع جهات
( صفحه 474 )في الصلوات اليوميّة، كذلك يجب عليه التكرار مع فقد العلم والظنّ في سائر الصلوات غير اليوميّة، واجبةً كانت كصلاتي الآيات والأموات، أم مستحبّة كصلاة الليل.
والمناقشة في وجوب التكرار في صلاة الميّت; نظراً إلى أنّ مفاد الدليل لزوم التكرار في الصلاة، وهي ليست بصلاة بل دعاء.
مدفوعة ـ مضافاً إلى منع عدم كونها صلاة ـ بأنّ الدليل على لزوم التكرار إنّما هو حكم العقل به بعد ملاحظة شرطيّة القبلة وتوقّف إحرازها على التكرار إلى أربع جهات، وهذا لا يختصّ بباب الصلاة، بل يجري في كلّ ما تكون القبلة معتبرة فيه إذا اشتبهت وتردّدت بين الجهات، وقد عرفت(1) أنّ الرواية إرشاد إلى حكم العقل.
نعم، الظاهر عدم وجوب التكرار في الصلوات التي لا يكون بناؤها على التكرار على ما هو المعلوم من مذاق الشرع، كصلاة الجمعة والعيدين، كما أنّه لا يجب التكرار فيما لا يمكن فيه التكرار، كحال الاحتضار والدفن، فلابدّ من الالتزام بسقوط القبلة عن الشرطيّة، وقد عطف السيّد (قدس سره) في العروة على الأمرين الذبح والنحر وقال في الجميع بأنّه مع عدم الظنّ يتخيّر، والأحوط القرعة(2).
أقول: الظاهر أنّه لا مجال لدعوى السقوط في مثل الذبح ممّا لا يمكن فيه التكرار، ولا يكون من الوظائف الوجوبيّة; فإنّ السقوط في مثل الدفن إنّما
- (1) في ص454.
- (2) العروة الوثقى 1: 388 مسألة 1244.
( صفحه 475 )هو لأجل أنّه لابدّ منه، وحيث إنّ التكرّر غير ممكن، فلا محيص عن السقوط. وأمّا الذبح، فلا يكون من حيث هو واجباً حتّى تكون رعايته مع عدم إمكان التكرّر مستلزمة لسقوط القبلة عن الشرطيّة، وهذا كما في مثل الصلاة المندوبة إذا لم يتمكّن من التكرار; فإنّ مقتضى القاعدة فيها عدم الإتيان بها، لا الإتيان من دون رعاية القبلة.
نعم، يمكن استفادة عدم الاعتبار من الدليل الدالّ على السقوط في نفس المورد، أو على السقوط في بعض الموارد الاُخر، كما إذا كان الحيوان عاصياً أو واقعاً في بئر ونحو ذلك; نظراً إلى إلغاء الخصوصيّة، ولكنّ الكلام في المقام إنّما هو مع فرض الاعتبار، وأنّ عدم التمكّن من حيث هو يوجب السقوط، أم لا.
وأمّا الرجوع إلى القرعة، فالظاهر عدم كون مثل المقام مورداً له، إمّا لاختصاص الرجوع بموارد عمل الأصحاب فيها بعمومات القرعة. وإمّا لاختصاص أدلّة(1) القرعة بموارد تزاحم الحقوق، وعدم العموم فيها لكلّ أمر مشتبه أو مشكل على ما يترائى من ظواهرها، ومن المعلوم عدم تحقّق شيء من الأمرين في المقام، فتدبّر.
ثمّ إنّه يجب التكرار في الأجزاء المنسية وسجدتي السهو بناءً على وجوب الاستقبال لهما، كما هو الظاهر من الأدلّة، فإذا اشتبهت القبلة بعد الصلاة مثلا، وقبل الإتيان بقضاء الجزء المنسي أو سجدتي السهو، يجب عليه التكرار; لما عرفت من عموم حكم العقل بذلك.
- (1) راجع وسائل الشيعة 27: 257 ـ 263، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم ب13، والقواعد الفقهيّة للمؤلّف (قدس سره) : 435 ـ 449.
( صفحه 476 ) [تبيّن الانحراف عن القبلة ]تبيّن الانحراف عن القبلة
مسألة 4: من صلّى إلى جهة بطريق معتبر، ثمّ تبيّن خطؤه، فإن كان منحرفاً عنها إلى ما بين اليمين والشمال، صحّت صلاته، وإن كان في أثنائها مضى ما تقدّم منها واستقام في الباقي; من غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه. وإن تجاوز انحرافه عمّا بينهما، أعاد في الوقت دون خارجه وإن بان استدباره، إلاّ أنّ الأحوط القضاء مع الاستدبار بل مطلقاً. وإن انكشف في الأثناء انحرافه عمّا بينهما، فإن وسع الوقت حتّى لإدراك ركعة قطع الصلاة وأعادها مستقبلا، وإلاّ استقام للباقي، وصحّت على الأقوى ولو مع الاستدبار، والأحوط قضاؤها أيضاً 1 .
1ـ لا إشكال في أنّ الإخلال بالاستقبال مع العمد والالتفات مبطل للصلاة وموجب للإعادة والقضاء; لأنّه مقتضى الشرطيّة المستفادة من مثل قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة(1): «لا صلاة إلاّ إلى القبلة»; ضرورة أنّه بدونه تلزم اللغويّة.
وأمّا الإخلال به بدونه ـ كما إذا صلّى إلى جهة قطع بكونها القبلة ثمّ تبيّن خطؤه أو اعتمد على البيّنة، أو الظنّ في صورة جواز الاعتماد عليه ـ ففيه صورتان:
الاُولى: ما إذا كان الانحراف يسيراً بحيث لم يبلغ حدّ المشرق والمغرب، وفيها قولان:
الأوّل: وجوب الإعادة عليه في الوقت فقط، وقد حكي ذلك
( صفحه 477 )عن الناصريّات، والمقنعة، والمبسوط، والخلاف، والنهاية، والمراسم، والوسيلة، والغنية، والسرائر(1)، حيث إنّهم أطلقوا القول بوجوب الإعادة في الوقت إذا صلّى لغير القبلة; من دون أن يتعرّضوا لحكم خصوص الانحراف اليسير.
الثاني: عدم وجوب الإعادة مطلقاً، وهو الأقوى; للأخبار الكثيرة الدالّة عليه:
كصحيحة معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعدما فرغ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالا؟ فقال له: قد مضت صلاته، وما بين المشرق والمغرب قبلة(2).
وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: لا صلاة إلاّ إلى القبلة. قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه; قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة، أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال: يعيد(3).
وموثقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، وإن كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة(4).
- (1) مسائل الناصريّات: 202، المقنعة: 97، المبسوط 1: 80 ، الخلاف 1: 303، النهاية: 64، المراسم: 61، الوسيلة: 99، غنية النزوع: 69، السرائر 1: 205.
- (2) تقدّمت في ص426 ـ 427.
- (3) تقدّمت في ص398، 426.
- (4) تقدّمت في ص430.