( صفحه 92 )
وعليه: فيمكن اجتماعهما في صلاة الغفيلة، غاية الأمر أنّه حيث تكون نافلة المغرب من العناوين القصديّة التي لا تكاد تتحقّق بدون القصد، فلابدّ من قصدها، كما أنّ عنوان صلاة الغفيلة وإن لم يكن مذكوراً في الرواية، إلاّ أنّ إرادة الإتيان بالصلاة بالكيفيّة الخاصّة ـ المترتّب عليها أثر مخصوص ـ لا محيص عنها، فيمكن الاجتماع ويمكن الانفكاك.
وعلى ما ذكرنا لا يبقى فرق بين صورة الإتيان بالغفيلة قبلها أو بعدها; للزوم نيّة النافلة وعدم التحقّق بدونها، فالفرق كما أفاده بعض(1) الأعلام لا وجه له، فتدبّر.
الجهة الرابعة: في وقت صلاة الغفيلة، وفيه احتمالان:
الأوّل: أنّ وقتها بعد المغرب وقبل العشاء في أيّ وقت صلاّهما في وقتهما، فلو أخّر العشاء إلى نصف الليل يجوز الإتيان بالغفيلة قبلها.
الثاني: أنّ وقتها إلى زوال سقوط الشفق الغربي الذي هو وقت فضيلة العشاء; وهو الذي قوّاه في المتن.
ومنشأ الاحتمالين: أنّ المراد من قوله (عليه السلام) في رواية هشام المتقدّمة(2): «من صلّى بين العشاءين» هل هي الصلاة بين الفريضتين، فيكون مقتضى إطلاقه جواز الإتيان بها في أيّ وقت صلّى الفريضتين، أو أنّ المراد منه هي الصلاة بين الوقتين، ولا محالة يكون المراد وقتي الفضيلة لا وقت الإجزاء; لعدم
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 107، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 75 ـ 76.
- (2) في ص84 ـ 85 .
( صفحه 93 )
التعدّد فيه، بخلاف وقت الفضيلة؟
فعلى الأوّل: يستمرّ وقتها إلى الوقت المختصّ بفريضة العشاء، لكنّه يبعّده أنّه لو كان المراد بالعشاءين هي الفريضتين لكان الأنسب هو التعبير به بعد المغرب، كما في نافلة المغرب، مع أنّ لازمه حينئذ توقّف مشروعيّة الغفيلة على الإتيان بالعشاء بعدها أيضاً ليتحقّق عنوان «البين» الواقع في الرواية; وإن كان يمكن أن يقال بناءً على هذا المعنى أيضاً: أنّه حيث كان التفريق بين العشاءين وتأخير العشاء الآخرة إلى ذهاب الشفق، ممّا استقرّت عليه سيرة المسلمين في الصدر الأوّل، فلذا يكون المتبادر من الرواية هو بين الفريضتين الواقعتين في وقت فضيلتهما، كما هو المتداول بينهم.
وعلى الثاني: يستمرّ وقتها إلى ذهاب الشفق، ولا يرد عليه: أنّه ـ بناءً على هذا ـ لا يظهر من الرواية لزوم الإتيان بفريضة المغرب قبلها; لأنّ ظاهرها بلحاظ جعل أوّل الوقت بعد وقت فضيلة المغرب هو فرض تحقّق المغرب في وقتها، كما لا يخفى.
وكيف كان، فالظاهر هو هذا القول.
( صفحه 94 )
[ جواز إتيان النوافل جالساً ]
جواز إتيان النوافل جالساً
مسألة 3: يجوز إتيان النوافل الرواتب وغيرها جالساً حتى في حال الاختيار، لكنّ الأولى حينئذ عدّ كلّ ركعتين بركعة حتى في الوتر، فيأتي بها مرّتين كلّ مرّة ركعة 1 .
1ـ أمّا جواز الإتيان بالنوافل مطلقاً جالساً في حال الاختيار، فهو المشهور(1) شهرة عظيمة، بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه(2)، وخالف في ذلك الحلّي صاحب السرائر(3)، فمنع من ذلك إلاّ في الوتيرة وعلى الراحلة، مدّعياً خروجهما بالإجماع، للأصل، مع شذوذ الرواية المجوّزة، لكن عن الذكرى(4): دعوى الشذوذ هنا مع الاشتهار بيننا عجيبة.
وكيف كان، فيدلّ على المشهور روايات كثيرة:
منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن سهل بن اليسع أنّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن الرجل يصلّي النافلة قاعداً وليست به علّة في سفر أو حضر؟ فقال: لا بأس به(5).
ومنها: ما رواه أيضاً بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام)
- (1) الحدائق الناضرة 6: 62، جواهر الكلام 12: 375.
- (2) المعتبر 2: 23، منتهى المطلب 4: 32، تذكرة الفقهاء 2: 295 مسألة 21 وج3: 99 مسألة 198، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 433، إيضاح الفوائد 1: 100، ذكرى الشيعة 2: 306، البيان: 152، مدارك الأحكام 3: 25، مفاتيح الشرائع 1: 123 مفتاح 142، مصابيح الظلام 7: 109، مفتاح الكرامة 6: 602 ـ 603.
- (3) السرائر 1: 309.
- (4) ذكرى الشيعة 2: 307 ـ 308.
- (5) الفقيه 1: 238 ح1047، تهذيب الأحكام 3: 232 ح601، وعنهما وسائل الشيعة 5: 491، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب4 ح2.
( صفحه 95 )
في حديث قال: إنّ الصلاة قائماً أفضل من الصلاة قاعداً(1).
ومنها: ما رواه أيضاً بإسناده عن حمّاد بن عثمان أنّه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : قد اشتدّ عليّ القيام في الصلاة، فقال: إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس، فإذا بقي من السورة آيتان فقم وأتمّ ما بقي واركع واسجد، فذاك صلاة القائم(2).
ومنها: رواية اُخرى لحمّاد بن عثمان، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي وهو جالس؟ فقال: إذا أردت أن تصلّي وأنت جالس ويكتب لك بصلاة القائم فاقرأ وأنت جالس، فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمّها واركع، فتلك تحسب لك بصلاة القائم(3).
وأمّا ما يدلّ على عدّ كلّ ركعتين بركعة، فرواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يكسل أو يضعف فيصلّي التطوّع جالساً؟ قال: يضعف ركعتين بركعة(4).
ورواية علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه قال: سألته عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام كيف يصلّي؟ قال: يصلّي النافلة وهو جالس، ويحسب كلّ
- (1) الفقيه 1: 342 ح1513، علل الشرائع: 269 ب182 قطعة من ح9، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 15 قطعة من ح1، وعنها وسائل الشيعة 5: 492، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب4 ح3، وج7: 496، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف ب7 قطعة من ح11.
- (2) الفقيه 1: 238 ح1046، تهذيب الأحكام 2: 295 ح1188، وعنهما وسائل الشيعة 5: 498، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب9 ح2.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 170 ح676، وعنه وسائل الشيعة 5: 498، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب9 ح3.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 166 ح655، الاستبصار 1: 293 ح1080، وعنهما وسائل الشيعة 5: 493، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب5 ح3.
( صفحه 96 )
ركعتين بركعة. وأمّا الفريضة، فيحتسب كلّ ركعة بركعة وهو جالس إذا كان لا يستطيع القيام(1).
وبعض الروايات الاُخر(2).
- (1) مسائل علي بن جعفر: 171 ح294، وعنه وسائل الشيعة 5: 493، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب5 ح5.
- (2) وسائل الشيعة 5: 492 ـ 494، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب5 ح2 و 4 و6.