( صفحه 464 )الظهر كيف يجوز الشروع في صلاة بعنوان أنّها صلاة العصر؟
هذا، ولكن استفادة هذا القول من الأدلّة مشكلة; فإنّ مفادها مجرّد لزوم ترتّب العصر على الظهر، وتأخّرها عنها، واعتباره في صحّة العصر. وأمّا عدم ارتضاء الشارع بالاشتغال بصلاة بعنوان أنّها يحتمل كونها الصلاة اللاّحقة قبل العلم بفراغ الذمّة عن التكليف بالصلاة السابقة، فلم يظهر من الأدلّة، والأخبار الواردة في العدول لا دلالة لها على ذلك أصلا; لأنّ مفادها لزوم العدول مع إمكانه والالتفات إلى عدم تحقّق الترتيب، فالإنصاف أنّه لا مجال لإنكار جواز الشروع في محتملات الواجب الثاني بالنحو المذكور أصلا.
بقي في مسألة اشتباه القبلة فروع ينبغي التعرّض لبعضها:
منها: لو كان من عليه صلاتان مترتّبتان كالظهرين مثلا غير متمكّن إلاّ من الإتيان بأربع، أو ثلاث، أو اثنتين، فهل يجب عليه أن يصلّيها للظهر إلاّ واحدة يصلّيها للعصر، أو أنّه يجب عليه أن يصلّيها جميعاً للعصر؟ وجهان مبنيّان على أنّ المقدار الذي يختصّ بالعصر من آخر الوقت هل هو مقدار الصلاة إلى القبلة الواقعيّة; وهي أربع ركعات بالإضافة إلى الحاضر، فلا يختلف باختلاف حال المكلّف من حيث العلم بالقبلة والجهل بها.
أو مقدار ما يجب على المكلّف إتيانه، فيختلف باختلاف حاله، كالقصر والإتمام; فإنّ المقدار الذي يختصّ بالعصر من الوقت للمسافر هو مقدار إتيان ركعتين، وللحاضر مقدار أربع ركعات؟
وبعبارة اُخرى: هل المراد من الوقت الاختصاصي ما تفعل فيه الفريضة
( صفحه 465 )بنفسها، أو ما تفعل فيه الفريضة بمقدّماتها العلميّة؟
فعلى الأوّل: لا يجوز صرف الجميع في العصر، بل اللاّزم إبقاء واحدة للعصر والإتيان ببقيّة المحتملات للظهر، أو بواحدة لها أيضاً على الخلاف المتقدّم في أنّه مع عدم إمكان إحراز القبلة بإتيان جميع المحتملات، هل اللاّزم استيفاء البقيّة; لكونها أقرب إلى الواقع، أو أنّه لا يجب حينئذ إلاّ واحدة; لعدم تفاوت في مرتبة الموافقة الاحتماليّة من جهة الاحتمال؟
وعلى الثاني: يجب صرف الجميع في العصر لو كان المقدور أربع صلوات، ولو كان أقلّ منها يجب الباقي، أو خصوص الواحد على الخلاف.
هذا، واستظهر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) (1) الأوّل، ولكن لا تبعد دعوى الثاني، وأنّ اختلاف حالات المكلّف من حيث العلم والجهل بالقبلة، أو بالطهارة، أو بغيرهما موجب لاختلاف مقدار الوقت الاختصاصي، كاختلاف المكلّفين في البطء والسرعة ونحوهما; فإنّ المستفاد من دليل الاختصاص هو اختصاص المقدار من الوقت الذي لا محيص للمكلّف من أن يصرفه في الصلاة اللاّحقة، فلا فرق في ذلك بين الفريضة بنفسها، وبينها بمقدّماتها العلميّة، فتدبّر.
ومنها: ما لو تمكّن في الفرض المذكور من الإتيان بالزائدة على الأربع، ولكن لم يتمكّن من الثمان، بل تمكّن من الإتيان بخمس، أو ستّ، أو سبع، فهل يجب عليه إيراد النقص على الاُولى وصرف الوقت في محتملات الثانية، أو أنّه يجب عليه رعاية محتملات الاُولى، وإيراد النقص على الثانية، وجهان مبنيّان
- (1) نهاية التقرير 1: 251.
( صفحه 466 )على الاحتمالين المذكورين في الفرع السابق، وهما: أنّ المراد بالوقت الاختصاصي للعصر، هل هو مقدار الفريضة بنفسها، أو مقدارها بمقدّماتها العلميّة؟ فعلى الأوّل: يجب إيراد النقص على الثانية، وعلى الثاني: على الاُولى.
واحتمل في العروة ثبوت التخيير بين الأمرين(1).
واُورد عليه بأنّه لا وجه لهذا الاحتمال; لأنّ الأمر دائر بين الوجهين: إمّا أن نقول باختلاف مقدار وقت صلاة العصر باختلاف حالات المكلّف من حيث علمه بالقبلة أو جهله بها، وإمّا أن نقول بعدم الاختلاف. فعلى الأوّل: يتعيّن إيراد النقص على الاُولى، وعلى الثاني: يتعيّن إيراده على الثانية، ولا يبقى وجه للتخيير بين الأمرين.
نعم، قد يقال في وجهه بناءً على الوجه الثاني; وهو اختصاص مقدار الصلاة إلى القبلة الواقعيّة بالعصر; بأنّ الأمر يدور بين الوجهين: أحدهما: حفظ شرطيّة القبلة في صلاة الظهر، وسقوطها بالنسبة إلى صلاة العصر، والآخر: عكس ذلك; لأنّ ما سوى الوقت المختصّ بالعصر مشترك بينه وبين الظهر، فيمكن رعاية القبلة في الاُولى بإتيان جميع محتملاتها، وسقوطها في الثانية، ويمكن العكس، وحيث لامرجّح لأحدهما على الآخر، فيجب الحكم بالتخيير(2).
ويرد عليه أنّ عدم رعاية القبلة في صلاة الظهر ـ التي هي الصلاة المتقدّمة ـ لابدّ وأن يكون مستنداً إلى ما يوجب سقوط شرطيّتها، وما يوجب ذلك
- (1) العروة الوثقى 1: 388 مسألة 1242.
- (2) نهاية التقرير 1: 251 ـ 252.
( صفحه 467 )ليس إلاّ العجز عنها وعدم القدرة عليها، والمفروض ثبوت القدرة بالإضافة إلى صلاة الظهر بالإتيان بجميع المحتملات، وكون صرف القدرة في الصلاة المتقدّمة موجباً لسلبها بالإضافة إلى اللاّحقة المتأخّرة لا يسوّغ صرفها فيها ولا التخيير بين الأمرين; فإنّ التكليف الفعلي بالصلاة إلى القبلة الواقعيّة بالنسبة إلى الظهر لا يكون له مانع، فلا مجال لعدم رعايتها فيها، وليس ذلك لأجل ترتّب الثانية على الاُولى، واشتراط وقوعها في صحّتها، بل لأجل ثبوت التكليف الفعلي بالإضافة إلى الاُولى.
ألا ترى أنّه لو كان الشخص غير قادر على مراعاة القبلة مثلا في إحدى الصلاتين، كالظهر والمغرب; بمعنى أنّه لا يقدر على مراعاتها في كلتيهما، بل يتمكّن من حفظها في خصوص إحداهما، فهل يجوز له أن يراعي القبلة في الصلاة اللاّحقة دون السابقة؟ مع أنّ المغرب لا تكون مترتّبة على الظهر.
غاية الأمر أنّ الترتّب في المقام اقتضى تكليف الصلاة السابقة ولزوم رعايته أوّلا، فالتكليف الفعلي الثابت مع فرض القدرة يجب أن يراعى بجميع الخصوصيّات، ولا يسوغ ترك البعض رعايته في تكليف آخر، كما لايخفى.
هذا، ويمكن أن يقال في وجه تخيير العروة: إنّه حيث لم يثبت من الأدلّة أنّ الوقت الاختصاصي للعصر هل هو مقدار صلاة الفريضة بنفسها، أو مقدارها بمقدّماتها العلميّة، فاللاّزم هو الحكم بالتخيير; لدوران الأمر بين تعيّن النقص على الاُولى، وبين تعيّنه على الثانية، فلا مجال لغير التخيير مع عدم ثبوت الرجحان لشيء من الأمرين.
ويدفعه: أنّه مع عدم الاستفادة من الدليل يكون مقتضى الاستصحاب هو
( صفحه 468 )بقاء الوقت الاشتراكي إلى أن يبقى مقدار صلاة الفريضة بنفسها، فيتعيّن حينئذ إيراد النقص على الثانية، فتدبّر.
ومنها: ما إذا كان المكلّف المتحيّر متمكّناً من الصلاة إلى الجوانب الأربعة ولم يأت بها حتّى زال تمكّنه وبقي متمكّناً من إحداها، فالكلام يقع تارة: فيما هو وظيفته فعلا، واُخرى: في وجوب القضاء بعد الوقت، وثالثة: في تحقّق العصيان وعدمه.
أمّا من الجهة الاُولى: فلا ينبغي الإشكال في أنّ وظيفته الفعليّة هو الإتيان بما يتمكّن منه من الصلاة إلى إحدى الجهات، ومرجعه إلى سقوط شرطيّة القبلة في هذا الحال; لما مرّ(1) من عدم مزاحمة شرطيّة القبلة مع الوقت، كما يعلم بالاستقراء والتتبّع في موارد مزاحمة الوقت مع سائر الشروط، بل بعض الأجزاء كسقوط السورة عند ضيق الوقت; فإنّ المستفاد منها أنّ الشارع قد اهتمّ بالوقت، ولم يسقط شرطيّته في صورة المزاحمة مع الشروط الاُخر.
وفي المقام مقتضى ذلك سقوط شرطيّة القبلة مع عدم التمكّن إلاّ من الواحدة; لأنّ الجمع بين وقوع الصلاة في الوقت، واعتبار الاستقبال فيها ممتنع، وأهمّية الوقت توجب الحكم بسقوط شرطيّة القبلة، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في أنّ وظيفته الفعليّة هي صلاة واحدة، والقبلة ساقطة عن الشرطيّة.
وأمّا من الجهة الثانية: فالظاهر عدم وجوب القضاء عليه; لأنّه معلّق على الفوت، وهو غير متحقّق; لأنّك عرفت أنّ ضيق الوقت أوجب سقوط