( صفحه 68 )
قال في الوسائل بعد نقل الرواية بمثل ما ذكر: وفي رواية اُخرى: حين تنوّر الغداة(1).
فإن كانت الرواية «حين تنوّر» تصير من حيث المفاد موافقة لرواية حسين بن أبي العلاء المتقدّمة، ومقتضى إطلاقها الامتداد إلى بعد طلوع الحمرة أيضاً. وأمّا إذا كانت «حين تترك» يكون مفادها أنّه مع عدم إرادة خصوص الفريضة والإتيان به تأتي بالركعتين، ومقتضى إطلاقها أيضاً ما ذكر.
وأمّا إذا كانت «حين تنزل»، فإن كان المراد بالغداة النازلة هي نفس الغداة التي بمعنى الصبح، فنزول الغداة مرجعه إلى تنوّرها وتجلّلها، وإن كان المراد بها هي فريضة الغداة، كما ربما يؤيّده قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية ـ الذي هو بمنزلة التعليل ـ : «إنّهما قبل الغداة» لا يعلم المراد من نزول الفريضة، ولعلّ المراد منه الإتيان بها، ومرجعه حينئذ إلى الإتيان بالنافلة حين إرادة الإتيان بالفريضة، ومقتضى إطلاقها أيضاً ما ذكرنا.
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لو كان مراد المشهور من الامتداد إلى طلوع الحمرة; هو صيرورتها قضاءً بعده، لا يمكن المساعدة عليه من جهة الروايات الواردة في الباب. وأمّا لو كان مرادهم هي المزاحمة مع الفريضة إلى ذلك الوقت، فلامانع من الأخذ به; لصحيحة علي بن يقطين الصريحة في ذلك، بل لا مانع من دعوى امتداد الوقت إلى مقدار ما بقي إلى الطلوع من أداء الفريضة، كما أفاده الماتن دام ظلّه;
- (1) الاستبصار 1: 283 ح1032، وعنه وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب51 ح3.
( صفحه 69 )
لأنّ الغرض هو أن لا يفوت وقت فضيلة الفريضة، وهو يتوقّف على بقاء المقدار المذكور، فتدبّر.
وقت صلاة الليل
المسألة الرابعة: في وقت صلاة الليل، والكلام فيه أيضاً يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في وقتها من حيث المبدأ، ونقول:
قد استقرّت الفتاوى(1) على أنّ أوّل وقتها هو انتصاف الليل، وحكي عن بعض(2) أنّ مبدأ وقتها أوّل الليل، وما يمكن أن يستدلّ، أو استدلّ به على مرام المشهور(3) وجوه:
الأوّل: الإجماع(4) على أنّ أوّل وقتها هو الانتصاف، وأنّه لا يجوز تقديمها عليه إلاّ فيما ورد النصّ على الجواز فيه.
وفيه: أنّ الإجماع في المسائل التي تشتمل على الأدلّة اللفظيّة لا أصالة له أصلاً; لقوّة احتمال أن تكون تلك الأدلّة مستند المجمعين، فلا اعتبار بالإجماع حينئذ.
الثاني: مرسلة الصدوق قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت صلاة الليل ما بين
- (1) المراسم: 63، النهاية: 60، المهذّب 1: 70، الوسيلة: 83 ، السرائر 1: 195 و202، مختلف الشيعة 2: 336 مسألة 228، وفيه: أنّه المشهور، تحرير الأحكام 1: 179، الرقم 558، جامع المقاصد 2: 21، الروضة البهيّة 1: 184، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 1: 492، مفاتيح الشرائع 1: 93 مفتاح 104، مفتاح الكرامة 5: 115 ـ 116، جواهر الكلام 7: 312.
- (2) ذخيرة المعاد: 199 ـ 200 سطر 30 ـ 34 وص201 ـ 202، سطر 15 ـ 42، وفي رياض المسائل 3: 52، وجواهر الكلام 7: 315: «كما يتوهّم من الموثّقين».
- (3) مصباح الفقيه 9: 254 ـ 255، نهاية التقرير 1: 182، التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 378.
- (4) الخلاف 1: 533 مسألة 272، المعتبر 2: 54، تذكرة الفقهاء 2: 318 مسألة 343، منتهى المطلب 4: 97، مدارك الأحكام 3: 76، ويلاحظ الرقم 1.
( صفحه 70 )
نصف الليل إلى آخره(1).
وقد اُورد على الاستدلال بها بالإرسال(2)، ولكنّه مندفع بأنّ الإرسال إن كان بنحو الإسناد إلى الرواية بمثل «روي»، فلا يصلح للاستدلال، وإن كان بنحو الإسناد إلى المعصوم (عليه السلام) ، الذي لا يكاد يجتمع إلاّ مع توثيق الوسائط والاعتماد عليهم والاطمئنان بهم، فيجوز الاستناد إليه إذا كان مرسله مثل الصدوق، الذي لا يقصر توثيقه عن توثيق أرباب الرجال; لأنّه لا يعتبر في التوثيق التصريح به، بل يكفي الاعتماد الكاشف عن الوثاقة عنده، فتدبّر.
الثالث: الأخبار الواردة في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) والوصيّ (عليه السلام) لم يكونا يصلّيان صلاة الليل قبل الانتصاف، وهي كثيرة، مثل:
ما رواه فضيل، عن أحدهما (عليهما السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة(3).
ورواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا صلّى العشاء آوى إلى فراشه، فلم يصلِّ شيئاً حتّى ينتصف الليل(4).
ورواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) لا يصلّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل، ولا يصلّي من النهار حتّى
- (1) الفقيه 1: 302 ح1379، وعنه وسائل الشيعة 4: 248، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب43 ح2.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 379، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 263.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 117 ح442، الاستبصار 1: 279 ح1012، وعنهما وسائل الشيعة 4: 248، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب43 ح3.
- (4) الفقيه 1: 302 ح1378، وعنه وسائل الشيعة 4: 248، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب43 ح1.
( صفحه 71 )
تزول الشمس(1).
واُورد على الاستدلال بها بأنّ هذه الروايات ليس فيها غير حكاية فعل المعصوم (عليه السلام) ، ولا دلالة لها على التوقيت; لأنّه من المحتمل أن يكون التزامه بصلاة الليل بعد الانتصاف مستنداً إلى أفضليّتها بعده، لا إلى عدم مشروعيّتها وحرمتها قبله(2).
ويدفعه: تماميّة الإيراد إذا كان الحاكي غير الإمام (عليه السلام) ، وأمّا إذا كان الحاكي هو الإمام، وكان غرضه من الحكاية بيان الأحكام كما هو شأنه; لأنّه في مثل هذه الموارد لا يكون إلاّ بصدد بيان الحكم، لا مجرّد الحكاية ونقل الواقعة، فيجوز الاستدلال بكلامه الصادر في هذا المقام، ومن الظاهر ظهور كلامه في عدم المشروعيّة قبل الانتصاف، كما إذا كان بيان الحكم بصورة الأمر بإيقاع صلاة الليل بعده، أو النهي عن الإتيان بها قبله.
ويؤيّده ذيل رواية زرارة، المشتملة على حكاية أبي جعفر (عليه السلام) عمل عليّ (عليه السلام) ; فإنّ تأخير النافلة إلى وقت الزوال كان بنحو العزيمة; لعدم جواز الإتيان بها قبله، والإنصاف تماميّة دلالة هذه الروايات على مرام المشهور.
الرابع: الروايات الكثيرة الدالّة على جواز تقديم صلاة الليل على الانتصاف لمثل المسافر، أو الشابّ، أو خائف الجنابة، أو البرد، أو نحوها من الأعذار التي جمعها في الوسائل في الباب الرابع والأربعين
- (1) تهذيب الأحكام 2: 266 ح1061، الاستبصار 1: 277 ح1005، وعنهما وسائل الشيعة 4: 231، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب36 ح6.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 379.
( صفحه 72 )
من أبواب المواقيت.
منها: رواية الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل، أو كانت بك علّة، أو أصابك برد، فصلِّ وأوتر في أوّل الليل في السفر(1).
ومنها: رواية سماعة بن مهران أنّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن وقت صلاة الليل في السفر؟ فقال: من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح(2).
فإنّ صلاة الليل إذا لم تكن موقّتة بما بعد الانتصاف، وكانت جائزة قبله أيضاً، لما كان وجه لتخصيص الجواز بخصوص المعذورين المذكورين، بل كان اللاّزم هو التجويز بالإضافة إلى غير المعذور أيضاً; لمشروعيّتها في وقتها مطلقاً.
واُورد على الاستدلال بها: أنّه من الجائز أن يكون الإتيان بصلاة الليل جائزاً في نفسه، ومرجوحاً عند الاختيار قبل الانتصاف، ولا تكون مرجوحة لدى العذر، فعدم الترخيص مع الاختيار مستند إلى المانع; وهي الحزازة الموجودة فيه(3).
وجوابه واضح; فإنّه ـ مضافاً إلى أنّ هذا الاحتمال لا يعتنى به عند العقلاء في مقابل الظهور ـ نقول: إنّ رواية سماعة تدلّ على مفروغيّة اختلاف وقت
- (1) الفقيه 1: 289 ح1315، تهذيب الأحكام 3: 227 ح578، وعنهما وسائل الشيعة 4: 250، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح2.
- (2) الفقيه 1: 289 ح1317، تهذيب الأحكام 3: 227 ح577، وعنهما وسائل الشيعة 4: 251، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح5.
- (3) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 380.