( صفحه 343 )كما في قوله (عليه السلام) : لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد(1).
ومنها: الروايات(2) الدالّة على ترتّب الحاضرة على الفائتة، وأنّ فراغ الذمّة عن القضاء معتبر في صحّة الصلوات الأدائيّة إلاّ مع ضيق وقتها، بدعوى أنّ الفائتة إذا كانت متقدّمة على الحاضرة لكانت نوافل الحاضرة أيضاً مترتّبة على الفائتة بطريق أولى; لأنّها من توابع الفريضة، وأولى من النوافل الراتبة غيرها من النوافل المبتدئة; لكونها أهمّ منها، فإذا كانت الفائتة متقدّمة عليها، فغيرها أولى بذلك.
وجوابه واضح; لأنّ ترتّب الحاضرة على الفائتة لا يكون مستلزماً لترتّب النافلة عليها، وعدم جواز تقديمها بوجه; لكون النافلة صلاة مستقلّة تدور مدار دليلها، ولذا نرى عدم اعتبار بعض شرائط الفريضة فيها، كالاستقبال والطمأنينة ونحوهما، ولم يعلم أنّ الوجه في ترتّب الحاضرة على الفائتة هو ثبوت التزاحم وأهمّية الثاني; لأنّ الترتّب بمجرّده لا يلازم ذلك; فانّ العصر مترتّبة على الظهر، وليس مرجعها إلى ذلك أصلاً.
ومنها: أنّ القضاء واجب مضيّق، فلابدّ من الإتيان به فوراً ففوراً، والتنفّل يستلزم التأخير وهو غير جائز.
والجواب: أنّ مورد البحث في مسألة التطوّع في وقت الفريضة هو وقوع التطوّع بما هو تطوّع في مقابل الفريضة بما هي كذلك. وأمّا إذا اقترنت
- (1) تهذيب الأحكام 1: 92 ح244، وعنه وسائل الشيعة 5: 194، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب2 ح1.
- (2) وسائل الشيعة 4: 287 ـ 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب62 ـ 63.
( صفحه 344 )الفريضة بخصوصيّة اُخرى موجبة لصرف الوقت في الإتيان بها، كما إذا صارت مضيّقة، أو كانت من الأوّل كذلك، فهو خارج عن محلّ البحث; لأنّ عدم جواز التطوّع حينئذ ليس لأجل كونه تطوّعاً، بل لأجل استلزامه الإخلال بالوقت المضيّق، ولذا يكون غير النافلة أيضاً على هذا الحكم، فهذا الدليل خارج عن محلّ الكلام.
ومنها: صحيحة يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتّى تبزغ الشمس، أيصلّي حين يستيقظ، أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال: يصلّي حين يستيقظ، قلت: يوتر أو يصلّي الركعتين؟ قال: بل يبدأ بالفريضة(1).
والجواب: أنّها معارضة في نفس موردها بموثّقة أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس؟ فقال: يصلّي ركعتين، ثمّ يصلّي الغداة(2).
وحمل الموثّقة على صورة انتظار الجماعة; أعني من يريد أن يصلّي بقوم وينتظر اجتماعهم، وحمل الصحيحة على من يصلّي بالانفراد كما عن الشيخ (قدس سره) (3)، فهو ممّا لا شاهد له أصلاً.
كما أنّ احتمال كون الصحيحة مقيّدة لإطلاق الموثّقة; نظراً إلى أنّ مورد
- (1) تهذيب الأحكام 2: 265 ح1056، الاستبصار 1: 286 ح1047، وعنهما وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب61 ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 265 ح1057، الاستبصار 1: 286 ح1048، وعنهما وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب61 ح2.
- (3) الاستبصار 1: 287 ذح 1049، تهذيب الأحكام 2: 265 ـ 266 ذح1058.
( صفحه 345 )السؤال فيها هو النوم عن الغداة حتى طلعت الشمس; وهو أعمّ من الانبساط. وعليه: فالحكم قبل أن تنبسط الشمس هو الابتداء بالفريضة، وبعد الانبساط الابتداء بالنافلة، ويؤيّده كراهة النافلة المبتدئة بعد الطلوع وقبل الانبساط مطلقاً.
مدفوع بأنّ ظاهر الصحيحة أنّ لزوم البدئة بالفريضة إنّما هو لأجل كونها فريضة لا لتحقّق الانبساط. وعليه: فالموثّقة دليل على العدم، فيتحقّق بينهما التعارض، كما هو ظاهر.
ومنها: ـ وهو العمدة ـ صحيحة زرارة المتقدّمة(1) الواردة في باب القضاء، المشتملة على قوله (عليه السلام) : ولا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها.
وفيه: ـ مضافاً إلى كونها معارضة بما تقدّم في المقام الأوّل من الدليل على الجواز ـ معارضة بما رواه الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة، فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه، فقبلوا ذلك منّي، فلمّا كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليه السلام) ، فحدّثني أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرّس(2) في بعض أسفاره وقال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا.
فنام بلال وناموا حتّى طلعت الشمس، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قوموا
- (1) في ص329 ـ 330.
- (2) التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة. ويكلؤنا: يحفظنا، مجمع البحرين «عرس» و «كلأ».
( صفحه 346 )فتحوّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، وقال: يا بلال أذِّن، فأذّن، فصلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ركعتي الفجر، وأمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح، ثمّ قال: من نسي شيئاً من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها; فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)(1).
قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه، فقال: نقضت حديثك الأوّل. فقدمت على أبي جعفر (عليه السلام) فأخبرته بما قال القوم، فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان جميعاً، وأنّ ذلك كان قضاء من رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
وقد مرّ(3) أنّ توصيف الشهيد (قدس سره) الرواية بالصحّة يكفي في الاعتبار والحجّية، فلا إشكال في السند. وأمّا من جهة الدلالة، فمفادها التفصيل بين الحاضرة والفائتة، وأنّه لا يجوز التطوّع في وقت الاُولى دون الثانية.
واحتمال كون الجواز في الثانية إنّما هو لأجل انتظار الجماعة، مدفوع بأنّ أمر الجماعة في مورد الرواية كان بيد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ولو لم يكن التقديم جائزاً لقدّم الجماعة في الفائتة على التطوّع والتنفّل.
ولكنّ الذي يوهن الرواية مخالفتها لاُصول المذهب، ودلالتها على القدح في مقامه (صلى الله عليه وآله) وعصمته; فإنّه كيف يمكن أن يغلبه النوم، ويمنعه عن الإتيان بالفريضة الإلهيّة؟ والتفكيك في مفادها من جهة عدم قبولها في الدلالة على نومه (صلى الله عليه وآله) ، وقبولها في الدلالة على تقديم النافلة على الفريضة القضائيّة، واضح
- (1) سورة طه 20: 14.
- (2) ذكرى الشيعة 2: 422، وعنه وسائل الشيعة 4: 285، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب61 ح6.
- (3) في ص326.
( صفحه 347 )البطلان; لعدم اشتمالها على دلالتين، بل لها دلالة واحدة فقط; وهي وقوع ذلك العمل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فإذا لم يمكن الالتزام بنومه حتّى يجب عليه القضاء، فكيف يمكن الالتزام بتطوّعه قبل الفائتة؟ كما لا يخفى.
وعليه: فما يعارض الرواية إنّما هو ما تقدّم(1) في المقام الأوّل.
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن سائر ما استدلّ به على المنع في هذا المقام، فتدبّر جيّداً.