( صفحه 47 )
ثالثها: أنّه مجهول، وهو الذي بنى عليه المحقّق، حيث ترك العمل بروايته(1); لأنّه مجهول الحال، ومثله العلاّمة في المختلف(2)،(3).
ومع هذا الوصف كيف يمكن الاعتماد على روايته والأخذ بحديثه؟
ومنها: رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) : هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شيء؟ قال: لا، غير أنّي اُصلّي بعدها ركعتين، ولست أحسبهما من صلاة الليل(4).
نظراً إلى أنّ المستفاد منها أنّها نافلة مستقلّة، ولها نحو ارتباط بنافلة الليل، ولذا أجاب الإمام (عليه السلام) بـ «لا»، ومع استقلالها لا يشملها الأخبار الدالّة على سقوط نافلة الصلاة المقصورة.
وأورد على هذا الاستدلال بعض الأعلام بأنّ الظاهر أنّ المراد من الركعتين فيها هما الركعتان اللّتان تؤتى بها عن قيام، وهما مستحبّان مستقلّتان زائدة على النوافل المرتّبة، وذلك بقرينة قوله (عليه السلام) : «ولست أحسبهما من صلاة الليل»; فإنّ ما يمكن أن يتوهّم كونه من صلاة الليل إنّما هو تلك الصلاة التي يؤتى بها قائماً، دون الوتيرة التي تصلّى جالساً; فإنّه لم يتوهّم أحد كونها من صلاة الليل بوجه، خصوصاً مع كون الراوي هو الحلبي الذي
- (1) المعتبر 2: 668، شرائع الإسلام 1: 191.
- (2) مختلف الشيعة 3: 314 مسألة 60.
- (3) تنقيح المقال 2: 233 (ط .ق).
- (4) الكافي 3: 443 ح6، تهذيب الأحكام 2: 10 ح19، وعنهما وسائل الشيعة 4: 93، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب27 ح1.
( صفحه 48 )
لا يخفى عليه مثل ذلك(1).
ويدفعه ـ مضافاً إلى ما عرفت(2) من عدم معهوديّة صلاة فيما بين العشاء ونافلتها ـ : أنّه بناءً على ما أفاده تكون نافلة العشاء أقرب إلى صلاة الليل من تلك الصلاة التي يؤتى بها قبلها، ومجرّد الاختلاف في القيام والجلوس لا يوجب أقربيّة ما يؤتى به أوّلاً، كما هو ظاهر.
والجواب عن أصل الاستدلال ـ بعد ملاحظة إطلاق محطّ السؤال، وعدم كون النظر إلى حال السفر ـ : أنّ قوله (عليه السلام) : «ولست أحسبهما من صلاة الليل» لا دلالة له على استقلال الركعتين، كما أنّ قوله (عليه السلام) : «لا» لا ينفي طرفي السؤال بحيث يصير قرينة على نفي ارتباط الركعتين بالعشاء، بل الظاهر أنّ المراد من النفي هو النفي بلحاظ كون نافلة العشاء مزيدة في النوافل لتتمّ بهما الواحدة والخمسون.
كما أنّ عدم الاحتساب من صلاة الليل، إنّما هو لدفع توهّم كون وقوعها بعد العشاء قرينة لكونها من صلاة الليل، كنافلة الصبح التي عدّت منها في بعض الروايات المتقدّمة(3).
وعلى أيّ حال فلا دلالة للرواية على عدم السقوط، بل لا ارتباط لها بالمقام لو لم نقل بكون مقتضى إطلاقها بعد التقييد بالروايات الدالّة على السقوط، هو السقوط، فتدبّر.
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 75، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 55.
- (2) في ص40 ـ 41.
- (3) مثل رواية زرارة المتقدّمة في ص23 ـ 24.
( صفحه 49 )
ومنها: الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلايبيتنّ إلاّ بوتر(1).
وتقريب الاستدلال بها من وجهين ـ بعد ظهور كون المراد بالوتر فيها هي الوتيرة ونافلة العشاء; لتفسيرها بذلك في رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر. قال: قلت: تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال: نعم، إنّهما بركعة، فمن صلاّهما ثمّ حدث به حدث مات على وتر، الحديث(2) ـ :
الأوّل: أنّ التعبير بكون الإتيان بها وعدم تركها من شؤون الإيمان بالله واليوم الآخر، لا يلائم مع الاختصاص بوقت دون وقت، ولا يجتمع مع السقوط في السفر، كما لايخفى.
الثاني: أنّ النسبة بين هذه الروايات الدالّة بإطلاقها على ثبوت الوتيرة في السفر أيضاً، وبين الروايات(3) الواردة في سقوط نافلة الصلاة المقصورة، الشاملة بإطلاقها لصلاة العشاء، هي العموم من وجه، والمرجع في مادّة الاجتماع ـ وهي الوتيرة في السفر ـ هي الروايات(4) الواردة في أصل مشروعيّة الوتيرة وفي تعداد النوافل، وأنّها أربع وثلاثون(5).
- (1) وسائل الشيعة 4: 95 ـ 96، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب29 ح1، 2، 4 و 8 .
- (2) تقدّمت بتمامها في ص22 ـ 23.
- (3) تقدّمت في ص42 ـ 44.
- (4) تقدّمت في ص19 ـ 24.
- (5) مصباح الفقيه 9: 62.
( صفحه 50 )
واُورد على الاستدلال بها ـ بعد تضعيف رواية أبي بصير الشارحة لها; لوقوع عدّة مجاهيل في سندها بالمعنى الأعمّ من المهمل ـ بأنّ الأخبار المذكورة إنـّما وردت في الوتر لا في الوتيرة; فإنّ معنى البيتوتة إنهاء الليل إلى طلوع الفجر، ومعنى الروايات أنّ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يطلع عليه الفجر إلاّ بوتر، مع أنّ نافلة العشاء لم تسمّ بالوتيرة في شيء من الروايات، وإنّما الفقهاء سمّوها بالوتيرة، فلا يمكن الاستدلال بها على أصل استحبابها، فضلاً عن عدم سقوطها في السفر(1).
والجواب عن هذا الإيراد: ما أفاده المورد نفسه في مسألة وقت نافلة العشاء ممّا حاصله: أنّ المستفاد من هذه الروايات إنّ آخر وقت الوتيرة صدق البيتوتة، والغالب فيها وقوعها قبل الانتصاف; لأنّ أغلب الناس إنّما يبدؤون بالمنام قبل الانتصاف، وهذه الروايات وإن كانت مطلقة غير مقيّدة بكونها بعده أو قبله، إلاّ انّها لا تقبل الحمل على البيتوتة بعد الانتصاف; لأنّها قليلة نادرة، فتدلّ الروايات المذكورة على أنّ آخر وقت الوتيرة هو انتصاف الليل وغسقه(2).
وأقول: ظاهر الروايات هو وقوع البيتوتة متأخّرة عن الوتر، بحيث كان شروعها بعد الإتيان بها، وهذا لا يلائم مع كون المراد بها غير نافلة العشاء; لأنّ صلاة الوتر التي هي جزء صلاة الليل يكون أفضل أوقاتها السحر،
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 76 ـ 77، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 56.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 360.
( صفحه 51 )
وأفضل منه القريب إلى الفجر.
وعليه: فمن راعى هذه الجهة وأتى بصلاة الوتر في آخر أجزاء الليل، هل يصدق عليه أنّه بات بوتر أو على وتر؟ الظاهر العدم، وهذه قرينة على أنّ المراد بالوتر في هذه الروايات هي الوتيرة، وإن قلنا بضعف رواية أبي بصير الشارحة لها والمفسِّرة إيّاها، فهذه الروايات بنفسها ظاهرة في نافلة العشاء.
وأمّا ما اُورد(1) على الاستدلال بها ثانياً; من منع المعارضة، وكون الروايات الدالّة على أنّه لا شيء قبل الركعتين ولا بعدهما ـ مؤيّدة بما دلّ على أنّ النافلة لو صلحت في السفر تمّت الفريضة ـ حاكمة على هذه الروايات; لكونها ناظرة إليها، فتتقدّم عليها.
فالجواب عنه: منع ذلك; لعدم تماميّة الحكومة، بل يمكن أن يقال بالعكس، وأنّ هذه الروايات تكون حاكمة عليها ناظرة إليها; لدلالتها على اختصاص تلك الروايات بغير نافلة العشاء، التي لا يبيت بدونها من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فتدبّر.
ومنها: ما استدلّ به بعض الأعلام من صحيحة فضيل بن يسار قال: سمعت أباعبد الله (عليه السلام) يقول في حديث... منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر، الحديث(2).
بتقريب أنّ الوتيرة لم تثبت كونها نافلة للعشاء ليقال: إنّ نافلة الصلوات
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 77، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 57.
- (2) تقدّمت في ص19 ـ 20.