( صفحه 419 )أنبياء (عليهم السلام) ، ويظهر منها عدم كونها من البيت بوجه، ولا خصوصيّة له غير ما ذكره، فالتوجّه إليه لا يجدي.
ولكنّ المحكيّ عن الذكرى أنّ ظاهر الأصحاب أنّ الحجر من الكعبة بأسره(1)، وأنّه قد دلّ النقل على أنّه كان منها في زمن إبراهيم وإسماعيل إلى أن بنت قريش الكعبة، فأعوزتهم الآلات فاختصروها بخذفه، وكذلك كان في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ونقل عنه (صلى الله عليه وآله) الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة، وبذلك احتجّ ابن الزبير حيث أدخله فيها، ثمّ أخرجه الحجّاج بعده إلى ما كان(2)، ولأنّ الطواف يجب خارجه.
وللعامّة خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه، أو بعضه، أو ليس منها، وفي الطواف خارجه(3)، وبعض الأصحاب له فيه(4) كلام أيضاً(5)، مع إجماعنا على وجوب إدخاله في الطواف(6).
ولكن حكي عن كشف اللثام أنّه قال: وما حكاه إنّما رأيناه في كتب العامّة وتخالفه أخبارنا(7).
وكيف كان، لا يبقى مجال لما ذكر مع ثبوت رواية صحيحة صريحة على
- (1) راجع المبسوط 1: 357، والمهذّب 1: 233، وشرائع الإسلام 1: 267.
- (2) صحيح مسلم 2: 790 ـ 794 ب69 ـ 70 ح1333، سنن الترمذي 3: 224 ب47 ح875 ، سنن النسائي 5: 214 ـ 216.
- (3) المغني لابن قدامة 2: 397، الشرح الكبير 2: 397، المجموع 8 : 64، بداية المجتهد 1: 355.
- (4) أي في كون الحجر من الكعبة، لا في وجوب كون الطواف خارج الحجر.
- (5) تذكرة الفقهاء 8 : 86 ـ 87 ، الحدائق الناضرة 16: 104 ـ 109.
- (6) ذكرى الشيعة 3: 169.
- (7) كشف اللثام 3: 129 ـ 130.
( صفحه 420 )خلافه، خصوصاً مع التعبير بقوله (عليه السلام) : «ولا قلامة ظفر»، كما هو ظاهر.
الثالث: ظاهر الآيات(1) الواردة في الاستقبال أنّ اللاّزم هو تولية الوجه جانب الكعبة، وهل المراد به هو خصوص الوجه، بحيث لو كان جميع مقاديم البدن متوجّهاً إلى غير القبلة، وكان الوجه وحده متوجّهاً إليها، لكفى ذلك في حصول ما هو المأمور به في تلك الآيات، أو أنّ المراد به هو جميع مقاديم البدن، كما يشهد به قوله ـ تعالى ـ : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها)(2)، حيث نسب التولية إلى المخاطب، وظاهره التولية بجميع المقاديم، أو أنّ المراد به هو الوجه وما يحاذيه من مقاديم البدن، فلا يكفي توجّه الوجه وحده، ولا يلزم توجّه ما هو أوسع من الوجه ممّا لا يحاذيه من المقاديم، كالكتف الأيمن أو الأيسر؟ وجوه واحتمالات.
ولا يبعد أن يقال برجحان الوجه الثالث; لأنّ المتفاهم عند العرف من توجّه الوجه إلى شيء، هو توجّهه بوضعه الطبيعي غير المائل إلى اليمين واليسار، ومن الواضح: أنّ توجّهه في هذه الحالة ملازم لتوجّه المقاديم التي تحاذيه، فالمستفاد من الآيات لزوم التوجّه بهذا المقدار، كما هو ظاهر.
الرابع: أنّه لا خفاء في أنّ سطح الوجه الذي اُمر بتوليته جانب الكعبة يكون له انحناء; لأنّه على التقريب يكون ربع الدائرة المحيطة بالرأس، ومن الواضح: أنّ السطح الذي يكون منحنياً ليس على نحو يخرج من جميع أجزائه خطوط متوازية; لاقتضاء الانحناء ذلك، فالخطوط الخارجة
- (1 ، 2) سورة البقرة 2: 144 و 149 ـ 150.
( صفحه 421 )من أجزاء الوجه على نحو يكون كلّما كان طوله أكثر كان الفصل بينها أزيد، كما هو الشأن في هذا النوع من الخطوط غير المتوازية. وحينئذ فالشخص المتوجّه إلى الكعبة قد يخرج من جزء من أجزاء وجهه خطّ مستقيم واقع إلى الكعبة دون الجزء الآخر.
وحينئذ يقع الكلام والإشكال في أنّ العبرة في توجّه الوجه إلى شيء،
هل هو بأن يخرج من جزء من أجزاء وجهه خطّ مستقيم إلى ذلك الشيء ولو لم يكن ذلك الجزء وسط الوجه، بل في يمينه أو يساره، أو أنّ اللاّزم في صدق هذا العنوان هو: أن يكون الخطّ الخارج من خصوص وسط الوجه واقعاً إليه; وإن كانت الخطوط الخارجة من غيره من أجزاء الوجه واقعة إلى غيره؟
الظاهر هو الوجه الثاني; لعدم تحقّق هذا المفهوم عند العرف بمجرّد خروج خطّ من جزء من الأجزاء ولو كان في منتهى اليمين أو اليسار، فاللاّزم هو وقوع خصوص الخطّ الخارج من وسط الوجه. نعم، لا مجال لاحتمال اعتبار وقوع جميع الخطوط الخارجة من أجزاء الوجه; لما عرفت من عدم كونها متوازية، ومع فرض عدم التوازي يستحيل وقوع الجميع، إلاّ إذا كان في غاية القرب إلى الكعبة، فتدبّر.
هذا بالنسبة إلى القريب. وأمّا بالإضافة إلى البعيد، فسيأتي الكلام فيه.
الخامس: قد وقع الاختلاف ـ بعد الاتّفاق(1) على أنّ قبلة القريب هي عين الكعبة أو الحرم ـ في أنّ قبلة البعيد هل هي كالقريب عين الكعبة،
- (1) بداية المجتهد 1: 113، مفتاح الكرامة: 254 ـ 257، ويلاحظ ص412 ـ 416.
( صفحه 422 )أو الحرم، أو أنّها هي جهة الكعبة، كما هو المشهور بين الفقهاء؟(1).
وقد وقع الاختلاف في تفسير الجهة أيضاً، فالمحكيّ عن جمع من الكتب: أنّها ما يظنّ به الكعبة(2)، أو ما يظنّ أنّه الكعبة(3)، أو أنّها السمت الذي يظنّ كون الكعبة فيه(4).
وعن جامع المقاصد: أنّ جهة القبلة هي المقدار الذي شأن البعيد أن يجوز على كلّ بعض منه أن يكون هو الكعبة، بحيث يقطع بعدم خروجها عن مجموعه(5)، ومثلها في الروضة بزيادة ذكر منشأ القطع; وهي الأمارة الشرعيّة(6).
ومقتضى هذه التفاسير، باعتبار أخذ الظنّ أو الاحتمال في معنى الجهة، هو اختلاف معناها باختلاف المكلّفين من جهة هذه الحالات; لأنّه قد يعلم بوجود الكعبة في ربع الدائرة، وقد يعلم بوجودها في خمسها، وهكذا، فالجهة تختلف سعةً وضيقاً باختلاف آحاد المصلّين، مع أنّ الظاهر أنّ الشطر الذي اُمر بتولية الوجه إليه أمر واقعيّ لا ارتباط له بحال المكلّف من حيث العلم
- (1) ذكرى الشيعة 3: 159، زبدة البيان: 102، مفاتيح الشرائع 1: 112، رياض المسائل 3: 111 ـ 113، ويراجع مفتاح الكرامة 5: 265 ـ 266.
- (2) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 392.
- (3) تذكرة الفقهاء 3: 7.
- (4) ذكرى الشيعة 3: 160، الرسالة الجعفريّة (رسائل المحقّق الكركي) 1: 103.
- (5) جامع المقاصد 2: 49، وكذا في حاشية شرائع الإسلام، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 10: 122.
- (6) الروضة البهيّة 1: 190.
( صفحه 423 )والجهل، والآية(1) ناظرة إليه.
وأغرب التعاريف ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره) عن الفاضل المقداد(2)، والمحقّق الثاني في شرح الألفيّة(3) ـ وما حكي عن ابن فهد(4) ـ من أنّ جهة الكعبة التي هي القبلة للبعيد خطّ مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب، ويمرّ بسطح الكعبة، ويعتبر أن يخرج من موقف المصلّي خطّ مستقيم آخر واقع على الخطّ المذكور، على نحو يحدث بين جنبيه زاويتان قائمتان، فلو كان الخطّ الخارج من موقف المصلّي واقعاً على الخطّ المذكور، بحيث تحدث زاويتان: إحداهما: حادّة، والاُخرى: منفرجة، لايتحقّق التوجّه نحو الكعبة، ولم يكن المصلّي مستقبلا إليها(5).
وجه الأغربيّة: أنّه لو كان موقف المصلّي قريباً من المشرق فرضاً، وعلم بفعل المعصوم أو غيره أنّ الكعبة واقعة قريب المغرب، يلزم على هذا بطلان الصلاة لو توجّه نحو الكعبة; لأنّ الخطّ الذي يخرج من موقف المصلّي ويقع على الكعبة ليس بحيث يحدث بين طرفيه زاويتان قائمتان، بل تحدث من طرف اليمين زاوية منفرجة، ومن اليسار حادّة، والتالي باطل بالضرورة.
وأجود التعاريف ما ذكره المحقّق في المعتبر من أنّها السمت الذي فيه الكعبة(6).
- (1) سورة البقرة 2: 144.
- (2) التنقيح الرائع 1: 178.
- (3) شرح الألفيّة للمحقّق الكركي، المطبوع ضمن حياته وآثاره 7: 325.
- (4) المهذّب البارع 1: 313 ـ 314.
- (5) جواهر الكلام 7: 538 ـ 539.
- (6) المعتبر 2: 66.