( صفحه 139 )
منه اشتراك الظهرين في دخول وقتهما بمجرّد الزوال، وامتداده إلى الغروب، ويكون كلّ جزء من أجزاء هذه القطعة صالحاً لكلّ واحدة من الصلاتين، غاية الأمر لزوم الترتيب بينهما.
وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا صلّى العصر بعد الزوال بلا فصل نسياناً، فعلى المشهور تجب عليه الإعادة لوقوعها في غير وقتها; لأنّ المفروض وقوعها في الوقت الذي يختصّ بالظهر، وعلى قول الصدوق تصحّ ولا تجب عليه الإعادة; لوقوعها في وقتها، والإخلال بالترتيب غير قادح; لأنّ شرطيّته تختصّ بحال الذكر، كما إذا صلّى العصر في الوقت المشترك قبل الظهر نسياناً; فإنّها صحيحة بلا إشكال.
والأخبار الواردة في هذه المسألة على قسمين: قسم ظاهر في الاشتراك، وقسم دالّ على الاختصاص.
أمّا ما هو ظاهر في الاشتراك، فكثيرة جدّاً، وقد مرّت جملة منها في بيان الروايات الدالّة على دخول الظهر بمجرّد الزوال، كصحيحة زرارة، ورواية عبيد بن زرارة، والروايات الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، فراجع(1).
وأمّا ما يدلّ على الاختصاص، فبالإضافة إلى أوّل الوقت لا يكون إلاّ رواية واحدة; وهي ما روي بسند صحيح عن الحسن بن علي بن فضّال،
( صفحه 140 )
عن داود بن أبي يزيد ـ وهو داود بن فرقد ـ عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس(1).
وبالإضافة إلى آخر الوقت يكون هنا رواية اُخرى أيضاً; وهي رواية الحلبي في حديث قال: سألته عن رجل نسي الاُولى والعصر جميعاً ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس؟ فقال: إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلِّ الظهر ثمّ ليصلّ العصر، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً، ولكن يصلّي العصر فيما قد بقى من وقتها، ثمّ ليصلِّ الاُولى بعد ذلك على أثرها(2).
ويدلّ عليه بعض الروايات الاُخر أيضاً، كما سيأتي(3).
وقد اُورد على الاستدلال برواية داود بن فرقد بأنّها ضعيفة السند لإرسالها، فلا يمكن الاعتماد عليها بوجه(4).
واُجيب عن هذا الإيراد بوجهين:
- (1) تهذيب الأحكام 2: 25 ح70، الاستبصار 1: 261 ح936، وعنهما وسائل الشيعة 4: 127، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب4 ح7.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 269 ح1074، الاستبصار 1: 287 ح1052، وعنهما وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب4 ح18.
- (3) في ص150 ـ 151.
- (4) ذخيرة المعاد: 191 ـ 192.
( صفحه 141 )
الأوّل: أنّها وإن كانت مرسلة، إلاّ أنّ ضعفها ينجبر بعمل الأصحاب، واستنادهم إليها في الفتوى بالاختصاص(1)، وقد قرّر في محلّه(2) أنّ الشهرة الفتوائيّة جابرة لضعف سند الرواية مع الاستناد إليها، وهو محقّق في المقام; لأنّه لا يكون دليل على الاختصاص بالإضافة إلى الظهر غير هذه الرواية، فيعلم كونها هي الدليل للمشهور، كما لا يخفى.
الثاني: ما حكى عن الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في أوائل كتاب الصلاة; من أنّ الرواية وإن كانت مرسلة، إلاّ أنّ في سندها حسن بن علي بن فضّال، وقد اُمرنا بالأخذ بروايات بني فضّال; لما ورد من قوله (عليه السلام) : خذوا ما رووا وذروا ما رأوا(3). فيجب الأخذ برواياته التي منها هذه الرواية وإن كانت مرسلة(4).
وأورد على هذا الجواب بعض الأعلام في شرح العروة بما حاصله: أنّ بني فضّال ليسوا بأعظم مقاماً من أعاظم الرواة وأجلاّئهم، كزرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما، ومن المعلوم عدم حجّية رواياتهم إذا كانت ضعيفة ولو بالإرسال.
مع أنّ بني فضّال قبل انحرافهم عن الصواب لا تقبل رواياتهم إذا كانت مرسلة مثلاً، فكيف بما بعد انحرافهم; إذ لا مجال لاحتمال أن يكونوا بعد
- (1) كتاب الصلاة (تراث الشيخ الأعظم) 1: 36، كتاب الصلاة للمحقق الحائري (قدس سره) : 7، نهاية التقرير 1: 97 .
- (2) تقدّم تخريجه في ص25.
- (3) الغيبة للطوسي: 389 ـ 390 ح355، وعنه وسائل الشيعة 27: 102، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب8 ح79، وبحار الأنوار 52: 252 ح72 وج51: 358، وعوالم العلوم والمعارف والأحوال 3: 573 ح73.
- (4) كتاب الصلاة (تراث الشيخ الأعظم) 1: 36.
( صفحه 142 )
الانحراف بأعظم مقاماً عن أنفسهم قبله.
وعليه: فمعنى الأمر بأخذ رواياتهم عدم كون انحرافهم مضرّاً بوثاقتهم، مانعاً عن قبول رواياتهم، مع أنّ الرواية الدالّة على وجوب الأخذ بما رووا ضعيفة بأبي الحسين بن تمام، وعبد الله الكوفي، فلا يمكن الاعتماد عليها أصلاً(1).
وكيف كان، فالجواب الأوّل عن الإيراد يكفي في اعتبار الرواية وحجّيتها وإن كانت مرسلة، فالمناقشة في دليل الاختصاص من هذه الجهة في غير محلّها، كما أنّه لا مجال للمناقشة في أخبار الاشتراك من حيث الصدور مع كثرتها ووجود الصحاح فيها.
قال المحقّق في محكي المعتبر: واعترض بعض المتأخّرين على قول أصحابنا: «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين»، وزعم أنّ الحذّاق وأصحاب البحث ينكرون هذا اللفظ; من حيث إنّ الظهر يختصّ بمقدار أربع ركعات، فلا يشترك الوقتان إلاّ بعد قدر إيقاع الظهر; لأنّه ما درى أنّه نصّ من الأئمـّة (عليهم السلام) ، أو درى وأقدم.
وقد رواه زرارة، وعبيد، والصباح بن سيّابة، ومالك الجهني، ويونس من العبد الصالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، ومع تحقّق كلامهم يجب الإعشاء بالتأويل، لا الإقدام بالطعن(2).
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 150 ـ 151، والمستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 107.
- (2) المعتبر 2: 34 ـ 35.
( صفحه 143 )
ويظهر من ذلك أيضاً أنّ فتوى المشهور(1) بالاختصاص لا تكون للاعراض عن أخبار الاشتراك حتّى يكون إعراضهم قادحاً في حجّيتها وصدورها، بل إمّا للتصرّف فيها وتوجيهها بما لا ينافي الاختصاص، وإمّا لما سيجيء من كون محطّ النظر فيها أمراً آخر، ولا تعرّض لها لنفي الاختصاص بوجه.
إذا ظهر لك اعتبار كلتا الطائفتين وحجّية كلا الخبرين، فلابدّ من أن يكون هناك جمع دلاليّ في البين.
وما قيل في مقام الجمع، أو يمكن أن يقال بنحو يقع التصرّف في دليل الاشتراك اُمور:
أحدها: أنّ رواية داود بن فرقد أظهر في الدالّة على الاختصاص من دلالة أخبار الاشتراك على الاشتراك المطلق، بل ليس لها في ذلك إلاّ ظهور بدويّ يرفع اليد عنه بسببها; لأنّ قوله (عليه السلام) : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً، إلاّ أنّ هذه قبل هذه(2) إنّما يدلّ على دخول وقت مجموع الصلاتين من حيث المجموع، لا وقت كلّ واحدة منهما.
ولو سلّم ظهوره في ذلك، فالاستثناء يوجب رفع اليد عن ظهور الصدر; لأنّ الظاهر أنّ المراد بالقبليّة، القبليّة بحسب الوقت; لأنّ الترتيب بين الصلاتين ممّا لم يكن محتاجاً إلى البيان بعد كونه ضروريّاً عند المسلمين جميعاً، و حينئذ فقوله (عليه السلام) : «إلاّ أنّ هذه قبل هذه» لم يكن مسوقاً لبيان اعتبار
- (1) تقدّم تخريجه في ص138.
- (2) تقدّمت في ص134.