( صفحه 191 )
من الصلوات الليليّة، بعض الروايات الواردة في الباب.
كصحيحة بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله سائل عن وقت المغرب؟ فقال: إنّ الله ـ تعالى ـ يقول في كتابه لإبراهيم: (فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي) فهذا أوّل الوقت، وآخر ذلك غيبوبة الشفق، الحديث(1).
ويشهد له أيضاً قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(2); فإنّ وقت الإفطار وصلاة المغرب واحد كما هو ظاهر(3).
هذا تمام الكلام في ابتداء وقت المغرب.
الجهة الثانية: في آخر وقت فريضة المغرب، ونقول:
قد اختلفت الآراء في هذه الجهة، فصارت الأقوال متكثّرة. أمّا العامّة، فمحصّل أقوالهم باعتبار الاختلاف في معنى الشفق أيضاً يرجع إلى أربعة:
أحدها: القول بامتداده إلى زمان غيبوبة الشفق; وهو الحمرة، وهو مذهب من عدا أبي حنيفة من القائلين بالامتداد إلى الشفق.
ثانيها: هذا القول، ولكنّ المراد بالشفق هو البياض الغربي، اختاره أبو حنيفة.
ثالثها: ضيق وقت المغرب، قاله الشافعي، حيث ذكر أنّ وقت المغرب وقت واحد; وهو إذا غابت الشمس وتطهَّر وستر العورة وأذّن وأقام; فإنّه
- (1) تقدّمت في ص174.
- (2) سورة البقرة 2: 178.
- (3) نهاية التقرير 1: 136 ـ 138.
( صفحه 192 )
يبتدئ بالصلاة في هذا الوقت، فإن أخّر عنه فاته.
رابعها: امتداد وقت المغرب إلى طلوع الفجر الثاني، ذهب إليه مالك(1).
وأمّا أصحابنا الإماميّة، فقد ذكر في الحدائق أنّ المشهور أنّه يمتدّ إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء، وهو اختيار السيّد المرتضى في الجمل، وابن الجنيد، وابن زهرة، وابن إدريس، والمحقّق، وابن عمّه نجيب الدين، وسائر المتأخّرين(2).
وقال الشيخ في أكثر كتبه: آخره غيبوبة الشفق المغربي للمختار، وربع الليل مع الاضطرار، وبه قال ابن حمزة وأبو الصلاح(3). وقال في الخلاف: آخره غيبوبة الشفق وأطلق، وبه قال ابن البرّاج(4)،(5).
وحكى الشيخ في الخلاف القول بالامتداد إلى طلوع الفجر الثاني عن بعض أصحابنا(6)، وصرّح المحقّق في محكي المعتبر بامتداد العشاءين إلى طلوع الفجر للمضطرّ، وتبعه صاحب المدارك وشيّده، وتبعه جملة ممّن
- (1) المجموع 3: 37 ـ 38، المغني لابن قدامة 1: 390 ـ 393، الشرح الكبير 1: 438 ـ 439، أحكام القرآن للجصّاص 3: 258، الاُمّ 1: 73، بداية المجتهد 1: 97 ـ 98، تذكرة الفقهاء 2: 311 ـ 312 مسألة 31.
- (2) لم نعثر عليه في الجمل، ولكن قال به في جوابات المسائل الميافارقيات (رسائل الشريف المرتضى) 1: 274 مسألة 5. نعم، حكى عن الجمل وابن الجنيد في المعتبر 2: 40، ومختلف الشيعة 2: 44 مسألة 6. غنية النزوع: 69 ـ 70، السرائر 1: 195، المعتبر 2: 40، الجامع للشرائع: 60، مختلف الشيعة 2: 44 ـ 47 مسألة 6، الدروس الشرعيّة 1: 139، غاية المرام 1: 119، مجمع الفائدة والبرهان 2: 20.
- (3) المبسوط 1: 74 ـ 75، تهذيب الأحكام 2: 259 ذح1033، الاستبصار 1: 269 ذح972، الاقتصاد: 394، الوسيلة: 83 ، الكافي في الفقه: 137.
- (4) الخلاف 1: 261 مسألة 6، المهذّب 1: 69.
- (5) الحدائق الناضرة 6: 175 ـ 176.
- (6) الخلاف 1: 262 مسألة 6.
( صفحه 193 )
تأخّر عنه(1).
ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب، فنقول:
إنّها على خمس طوائف:
الطائفة الاُولى: ما ظاهره التضيّق.
كرواية زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت المغرب؟ فقال: إنّ جبرئيل أتى النبيّ (صلى الله عليه وآله) لكلّ صلاة بوقتين غير صلاة المغرب; فإنّ وقتها واحد، وإنّ وقتها وجوبها(2).
ورواية أديم بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ جبرئيل أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصلوات كلّها، فجعل لكلّ صلاة وقتين إلاّ المغرب; فإنّه جعل لها وقتاً واحداً(3).
ولكن هذه الطائفة ـ مضافاً إلى معارضتها لبعض الروايات الدالّة على ثبوت الوقتين لصلاة المغرب أيضاً، وسيأتي(4) التعرّض له ولما هو المقصود من ثبوت الوقتين لكلّ صلاة إن شاء الله تعالى ـ لا دلالة لها على التضيّق بمثل ما قال به الشافعي; لبعض الروايات الآتية، الواردة في أنّ آخر الوقت سقوط الشفق، المصرّحة بثبوت الوقت الواحد للمغرب، وبأنّ وقت فوتها سقوط
- (1) المعتبر 2: 40 و 43 ـ 44، مدارك الأحكام 3: 54، مفاتيح الشرائع 1: 88 ، مفتاح 97، الحدائق الناضرة 6: 176.
- (2) الكافي 3: 280 ح8 ، تهذيب الأحكام 2: 260 ح1036، الاستبصار 1: 245 ح873 ، وص270 ح975، وعنها وسائل الشيعة 4: 187، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب18 ح1.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 260 ح1035، الاستبصار 1: 245 ح872 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 189، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب18 ح11.
- (4) في ص197 ـ 204 و 252 ـ 266.
( صفحه 194 )
الشفق أيضاً، فيعلم من ذلك أنّ ثبوت الوقت الواحد لا يستلزم التضيّق بوجه.
ويؤيّده أيضاً التعبير بالضيق في وقت المغرب، مع التصريح بأنّ آخر وقتها ذهاب الحمرة في رواية إسماعيل بن مهران الآتية، فهذه الطائفة لا تدلّ على الضيق الاصطلاحي أصلاً، مع أنّه لا قائل به بين الإماميّة، كما عرفت.
الطائفة الثانية: ما تدلّ على أنّ آخر وقتها زوال الشفق، أو الحمرة:
كصحيحة زرارة والفضيل قالا: قال أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ لكلّ صلاة وقتين غير المغرب; فإنّ وقتها واحد، ووقتها وجوبها، ووقت فوتها سقوط الشفق(1).
ورواية إسماعيل بن مهران قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام) : ذكر أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة، إلاّ أنّ هذه قبل هذه في السفر والحضر، وأنّ وقت المغرب إلى ربع الليل. فكتب: كذلك الوقت، غير أنّ وقت المغرب ضيّق، وآخر وقتها ذهاب الحمرة، ومصيرها إلى البياض في اُفق المغرب(2).
ورواية إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن وقت المغرب؟ قال: ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق(3).
- (1) الكافي 3: 280 ح9، وذيله، وعنه وسائل الشيعة 4: 187، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب18 ح2.
- (2) الكافي 3: 281 ح16، تهذيب الأحكام 2: 260 ح1037، الاستبصار 1: 270 ح976، وعنها وسائل الشيعة 4: 130، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب4 ح20، وص186 ب17 ح14، وص188 ب18 ح4.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 258 ح1029، الاستبصار 1: 263 ح950، وعنهما وسائل الشيعة 4: 190، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب18 ح14.
( صفحه 195 )
وصحيحة بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) المتقدّمة(1)، المصرّحة بأنّ آخر ذلك غيبوبة الشفق.
الطائفة الثالثة: ما تدلّ على الامتداد إلى ربع الليل، والظاهر أنّها لا تكون إلاّ رواية واحدة رواها عمر بن يزيد، غاية الأمر أنّها رويت بصور متعدّدة، وقد جعلها في الوسائل روايات متعدّدة، مع أنّ الظاهر عدم كونها إلاّ رواية واحدة، فروى في الباب التاسع عشر من أبواب المواقيت:
الحديث الأوّل هكذا: عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل(2).
والحديث الثاني: عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل(3).
والحديث الثالث: قال الكليني: وروي أيضاً إلى نصف الليل(4).
وظاهره أنّه رويت هذه الرواية أيضاً إلى نصفه.
والحديث الخامس: عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل(5). ثمّ قال: ورواه الكليني كما مرّ.
والحديث الثامن: عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن وقت المغرب؟ فقال: إذا كان أرفق بك، وأمكن لك في صلاتك، وكنت في حوائجك،
- (1) في ص174.
- (2) الكافي 3: 431 ح5، وعنه وسائل الشيعة 4: 194، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب19 ح1.
- (3) الكافي 3: 281 ح14، وعنه وسائل الشيعة 4: 194، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب19 ح2.
- (4) الكافي 3: 432 ذ ح5، وعنه وسائل الشيعة 4: 194، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب19 ح3.
- (5) تهذيب الأحكام 3: 233 ح610، وعنه وسائل الشيعة 4: 194، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب19 ح5.