( صفحه 345 )السؤال فيها هو النوم عن الغداة حتى طلعت الشمس; وهو أعمّ من الانبساط. وعليه: فالحكم قبل أن تنبسط الشمس هو الابتداء بالفريضة، وبعد الانبساط الابتداء بالنافلة، ويؤيّده كراهة النافلة المبتدئة بعد الطلوع وقبل الانبساط مطلقاً.
مدفوع بأنّ ظاهر الصحيحة أنّ لزوم البدئة بالفريضة إنّما هو لأجل كونها فريضة لا لتحقّق الانبساط. وعليه: فالموثّقة دليل على العدم، فيتحقّق بينهما التعارض، كما هو ظاهر.
ومنها: ـ وهو العمدة ـ صحيحة زرارة المتقدّمة(1) الواردة في باب القضاء، المشتملة على قوله (عليه السلام) : ولا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها.
وفيه: ـ مضافاً إلى كونها معارضة بما تقدّم في المقام الأوّل من الدليل على الجواز ـ معارضة بما رواه الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة، فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه، فقبلوا ذلك منّي، فلمّا كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليه السلام) ، فحدّثني أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرّس(2) في بعض أسفاره وقال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا.
فنام بلال وناموا حتّى طلعت الشمس، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قوموا
- (1) في ص329 ـ 330.
- (2) التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة. ويكلؤنا: يحفظنا، مجمع البحرين «عرس» و «كلأ».
( صفحه 346 )فتحوّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، وقال: يا بلال أذِّن، فأذّن، فصلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ركعتي الفجر، وأمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح، ثمّ قال: من نسي شيئاً من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها; فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)(1).
قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه، فقال: نقضت حديثك الأوّل. فقدمت على أبي جعفر (عليه السلام) فأخبرته بما قال القوم، فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان جميعاً، وأنّ ذلك كان قضاء من رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
وقد مرّ(3) أنّ توصيف الشهيد (قدس سره) الرواية بالصحّة يكفي في الاعتبار والحجّية، فلا إشكال في السند. وأمّا من جهة الدلالة، فمفادها التفصيل بين الحاضرة والفائتة، وأنّه لا يجوز التطوّع في وقت الاُولى دون الثانية.
واحتمال كون الجواز في الثانية إنّما هو لأجل انتظار الجماعة، مدفوع بأنّ أمر الجماعة في مورد الرواية كان بيد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ولو لم يكن التقديم جائزاً لقدّم الجماعة في الفائتة على التطوّع والتنفّل.
ولكنّ الذي يوهن الرواية مخالفتها لاُصول المذهب، ودلالتها على القدح في مقامه (صلى الله عليه وآله) وعصمته; فإنّه كيف يمكن أن يغلبه النوم، ويمنعه عن الإتيان بالفريضة الإلهيّة؟ والتفكيك في مفادها من جهة عدم قبولها في الدلالة على نومه (صلى الله عليه وآله) ، وقبولها في الدلالة على تقديم النافلة على الفريضة القضائيّة، واضح
- (1) سورة طه 20: 14.
- (2) ذكرى الشيعة 2: 422، وعنه وسائل الشيعة 4: 285، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب61 ح6.
- (3) في ص326.
( صفحه 347 )البطلان; لعدم اشتمالها على دلالتين، بل لها دلالة واحدة فقط; وهي وقوع ذلك العمل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فإذا لم يمكن الالتزام بنومه حتّى يجب عليه القضاء، فكيف يمكن الالتزام بتطوّعه قبل الفائتة؟ كما لا يخفى.
وعليه: فما يعارض الرواية إنّما هو ما تقدّم(1) في المقام الأوّل.
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن سائر ما استدلّ به على المنع في هذا المقام، فتدبّر جيّداً.
( صفحه 348 ) [وقوع الصلاة قبل الوقت [ وقوع الصلاة قبل الوقت
مسألة 14: لو تيقّن بدخول الوقت فصلّى، أو عوّل على أمارة معتبرة كشهادة العدلين، فإن وقع تمام الصلاة قبل الوقت بطلت، وإن وقع بعضها فيه ـ ولو قليلاً منها ـ صحّت 1 .
1ـ أمّا البطلان في الفرض الأوّل; وهو وقوع تمام الصلاة قبل الوقت، فللإخلال بما هو شرط الصلاة على ما تقتضيه أدلّة شرطيّة الوقت، ولا مجال لتوهّم اقتضاء الأمر القطعي الذي انكشف خلافه للإجزاء; لعدم كون المأتيّ به مأموراً به، وعدم كون المأمور به متحقّقاً في الخارج، وكذا الأمر الظنّي الذي هو مقتضى اعتبار الأمارة وحجّيتها; لما قد تحقّق في محلّه(1) من أنّ حجّية الأمارات إنّما هي على نحو الطريقيّة، وهي على هذا النحو لا تقتضي الإجزاء بوجه.
هذا، مضافاً إلى أنّ مقتضى «قاعدة لا تعاد»(2) وجوب الإعادة في الفرض; لكون الوقت من جملة الاُمور الخمسة المستثناة فيه من عدم الإعادة، مع دلالة بعض النصوص على البطلان ووجوب الإعادة:
كصحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة، الحديث(3).
- (1) سيرى كامل در اصول فقه 10: 69 ـ 72، دراسات في الاُصول 2: 385.
- (2) تقدّم في ص155، 291، 292 و 297.
- (3) الفقيه 2: 75 ح327، تهذيب الأحكام 2: 261 ح1039، الاستبصار 2: 115 ح376، وعنها وسائل الشيعة 4: 167، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب13 ح4.
( صفحه 349 )واشتمال الرواية على أنّ الملاك في الغروب هي غيبوبة القرص ـ مع أنّه كما عرفت(1) هو ذهاب الحمرة المشرقيّة وتجاوزها عن قـمّة الرأس ـ لا يقدح في الاستدلال بذيلها، الدالّ على بطلان الصلاة الواقعة بتمامها قبل الوقت; لأنّه حكم مستقلّ لا يكون متفرّعاً على الصدر، ولذا يستفاد من الرواية حكم جميع الصلوات من غير أن يختصّ بصلاة المغرب.
وصحيحة اُخرى لزرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، في رجل صلّى الغداة بليل، غرّه من ذلك القمر، ونام حتّى طلعت الشمس فأخبر أنّه صلّى بليل، قال: يعيد صلاته(2). فالبطلان في هذا الفرض واضح.
وامّا الصحّة في الفرض الثاني، ففيها خلاف، فالأشهر بل المشهور كما في الجواهر الصحّة(3)، وعن المرتضى والإسكافي والعمّـاني وجمع من المتأخّرين، كالعلاّمة في أوّل كلامه في المختلف، وابن فهد، والصيمري، والأردبيلي البطلان، بل نسبه المرتضى إلى محقّقي أصحابنا ومحصّليهم(4).
والدليل الوحيد على الصحّة ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن رباح،
- (1) في ص162 ـ 191.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 254 ح1008، وص140 ح548، الكافي 3: 258 ح4، وعنهما وسائل الشيعة 4: 167، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب13 ح5.
- (3) جواهر الكلام 7: 443، وفي التنقيح الرائع 1: 171، وجامع المقاصد 2: 29، ومسالك الأفهام 1: 148، أنّه المشهور.
- (4) جوابات المسائل الرسيّة الاُولى (رسائل الشريف المرتضى) 2: 350، وحكى عن الإسكافي والعمّاني في مختلف الشيعة 2: 68 مسألة 18، ثمّ قال: وهو الأقوى، المقتصر: 68، غاية المراد 1: 122، مجمع الفائدة والبرهان 2: 53 ـ 54، وكذا في مدارك الأحكام 3: 101، ومفاتيح الشرائع 1: 95 مفتاح 106.