( صفحه 308 )أيضاً; فإنّه يصدق على المتعمّد للترك إذا أراد الإتيان بالصلاة في ذلك الوقت، أنّه لا يدرك من الوقت إلاّ ركعة واحدة، كما هو ظاهر ـ : أنّ دلالة الموثّقة على اختصاص الصحّة بخصوص الصورة المذكورة ممنوعة; فإنّ التأمّل فيها يقضي ـ خصوصاً بقرينة الفقرة اللاّحقة ـ أنّ وجوب الإتمام وجواز الصلاة إنّما يكون الملاك فيه إدراك الركعة ووقوعها في الوقت الأصلي، لا كون الشروع مع الغفلة أو الاعتقاد; فإنّه لا مدخليّة فيه لا بنحو الاستقلال ولا بطريق الجزئيّة، ويؤيّد ما ذكرنا فهم الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين; فإنّ ظاهرهم الإطلاق والشمول حتّى للعامد.
الثالثة: يمكن أن يقال بأنّ مورد الروايات هي صلاة الغداة والعصر، كما في روايات الفريقين، ومرسلة المعتبر وإن كانت عامّة شاملة لجميع الصلوات، ولكنّها لم تثبت، ويحتمل قويّاً أن تكون مأخوذة من الروايات، غاية الأمر إلغاء الخصوصيّة عن موردها، وهو إنّما يجوز فيما إذا علم عدم مدخليّة الخصوصيّة في الحكم المذكور في القضيّة، ولم يعلم ذلك في المقام(1).
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ضعف احتمال كون المرسلة مأخوذة من الروايات; فإنّ ظاهر الإسناد إلى قول الإمام (عليه السلام) كونه مقولاً له، لا أنّه مأخوذ منه، وقد مرّ(2) جبران نقصها بالفتوى، بل المتسلّم بينهم ـ : أنّ إلغاء الخصوصيّة عن غيرها من الروايات ممّا يساعده العرف، الذي هو المتّبع في فهم مفاد الألفاظ ومدلولها، فالحكم عامّ لجميع الصلوات، ويؤيّده إطلاق الفتاوى،
- (1) راجع الصفحة السابقة.
- (2) في ص305.
( صفحه 309 )وعدم اختصاصها بالصلاتين.
الرابعة: الظاهر أنّ المراد بالركعة في القاعدة ليس هي الركعة بمعناها اللغوي الذي يرجع إلى ركوع واحد، بحيث كان إدراك ركوع واحد كافياً في إدراك الوقت بأجمعه، بل المراد بها هي الركعة المصطلحة التي يتوقّف تحقّقها على الإتيان بالسجدتين، بل بالذكر في السجدة الثانية أيضاً; لأنّها هي المنساقة من هذه اللفظة في باب الصلاة، المشتملة على ركعتين أو أزيد، فالمراد هو إدراك هذه الركعة.
الخامسة: الظاهر أيضاً أنّ المراد بإدراك الركعة هو إدراك الركعة مع شرائطها مخفّفة، لا إدراكها بالكيفيّة المتعارفة المشتملة على رعاية المستحبّات كلاًّ أو بعضاً في الصلاة وفي مقدّماتها، كالوضوء ونحوه، فإذا كانت الركعة المتعارفة مع تحصيل الطهارة كذلك تقع في خمس دقائق، ولكنّه يقدر على إيجادها في ثلاث دقائق مع حذف المستحبّات والتعجيل في الإتيان بالخصوصيّات، فالملاك هي الأخيرة; لصدق إدراك الركعة بذلك، كما هو ظاهر.
السادسة: أنّ الموضوع للقاعدة هل هو المدرك للركعة الاختياريّة بحسب حاله مع قطع النظر عن ضيق الوقت، أو هو أعمّ منه وممّن أدرك الركعة بملاحظة الاضطرار الناشىء عن ضيق الوقت، فإذا كانت وظيفته الصلاة مع الطهارة المائيّة، ولكنّه إذا أراد تحصيلها لا يقدر على الإتيان بالركعة في الوقت، ولكنّه إذا تيمّم مكان الوضوء أو الغسل يدرك ركعة من الوقت، فعلى الأوّل: لا تشمله القاعدة; لأنّ الموضوع هو المدرك للركعة الاختياريّة
( صفحه 310 )مع قطع النظر عن ضيق الوقت، وعلى الثاني: تشمله; لأنّه يصدق عليه إدراك الركعة ولو بملاحظة الاضطرار الناشىء عن ضيق الوقت والتيمّم بدل الوضوء أو الغسل؟ فيه وجهان.
والظاهر هو الوجه الأوّل، وذلك; لأنّ الموضوع للقاعدة هو المدرك للركعة، ومن الواضح: أنّ المراد من الركعة المدركة هي الركعة المشروعة الصحيحة، الجامعة للأجزاء والشرائط عدا الوقت الذي بلحاظه وضعت القاعدة، فلابدّ من أن تكون المشروعيّة محرزة مع قطع النظر عن القاعدة، ولا مجال لإثبات المشروعيّة بنفس القاعدة; لاستلزامه الدور.
ومن المعلوم أنّه لا دليل على مشروعيّة الركعة مع التيمّم في الصورة المفروضة، وأدلّة ضيق الوقت ـ الدالّة على كونه من مسوّغات التيمّم ـ موردها ما إذا كان الانتقال إلى البدل يوجب وقوع جميع الصلاة في الوقت، ولذا فيما إذا دار الأمر بين الإتيان بجميع ركعات الصلاة مع التيمّم، والإتيان ببعضها مع الوضوء، لامحيص عن الأوّل; لدلالة تلك الأدلّة على صحّتها ومشروعيّتها، ولا دليل على مشروعيّة الثاني في هذه الصورة، فلابدّ في جريان القاعدة من إحراز المشروعيّة مع قطع النظر عنها، كما لا يخفى.
فظهر ممّا ذكرنا أنّه لا يجري القاعدة في الصورة المفروضة، وأنّ الحكم فيها قضاء الصلاة خارج الوقت.
السابعة: إذا بقي إلى الغروب مقدار خمس ركعات للحاضر، أو ثلاث ركعات للمسافر، فقد نفي الإشكال عن أنّه يجب عليه الإتيان بالصلاتين; نظراً إلى جريان القاعدة بالإضافة إلى كلتيهما، فشمولها للظهر باعتبار إدراك
( صفحه 311 )ركعة من وقتها يقتضي صحّتها ووقوعها بأجمعها أداءً، وكذا شمولها للعصر بهذا الاعتبار; لأنّ المفروض وقوع ركعة منها في وقتها يقتضي صحّتها أيضاً ووقوعها في الوقت جميعاً، فهو قادر على الإتيان بهما في وقتهما الذي ثبتت توسعته بالقاعدة مع رعاية الترتيب المعتبر بينهما.
وكذلك إذا بقى إلى انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاضر، أو أربع ركعات للمسافر; فإنّه يجب عليه أيضاً الجمع بين الصلاتين والإتيان بهما معاً بلا إشكال ولاخلاف بين الأصحاب، كما ادّعاه الشيخ (قدس سره) في محكيّ الخلاف(1).
ولكن يظهر من المحقّق الحائري (قدس سره) في كتابه في الصلاة الاستشكال في المسألة(2)، ويمكن تقرير الإشكال بوجوه ثلاثة:
الأوّل: أن يقال: إنّ معنى اختصاص الوقت بالعصر مثلاً هو عدم صحّة وقوع شريكتها فيه أصلاً، لا أداءً ولا قضاءً، لا كلاًّ ولا بعضاً(3)، وحينئذ فلا مجال للإتيان بصلاة الظهر إلاّ إذا بقي إلى الغروب مقدار ثمان ركعات، وحيث إنّ في مفروض المسألة تقع ثلاث ركعات من الظهر في الوقت المختصّ بالعصر، فلا تصحّ.
والجواب: أنّه لم يرد في آية ولا رواية لفظ الاختصاص حتّى نتمسّك بإطلاقه، ويكون مقتضاه حينئذ عدم صحّة الشريكة مطلقاً، لا أداءً ولا قضاءً، لا كلاًّ ولا بعضاً، غاية ما تدلّ عليه رواية ابن فرقد المتقدّمة(4)
- (1) الخلاف 1: 273 مسألة 14.
- (2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 16 ـ 18.
- (3) كما تقدّم عن صاحب الجواهر في ص154 ـ 155.
- (4) في ص140.
( صفحه 312 )أنّ مقدار أربع ركعات من أوّل الزوال مختصّ بالظهر، وتكون نسبته إلى العصر كنسبة قبل الزوال إلى الظهر، وهكذا يكون مقدار أربع ركعات من آخر الوقت مختصّاً بالعصر، ونسبته إلى الظهر كنسبة ما بعد الغروب إلى العصر، ولا دلالة فيها على عدم صحّة وقوع الشريكة فيه ولو بعضاً.
الثاني: أنّ مفاد «قاعدة من أدرك» ليس توسعة الوقت، بحيث كان تأخير الصلاة عمداً إلى أن يبقى من الوقت مقدار ركعة جائزاً; لوضوح عدم جواز التأخير عمداً ووقوعه عصياناً، بل مفادها ليس إلاّ مجرّد التنزيل الحكمي من جهة الأدائيّة، وثبوت وجوب التعجيل بحاله، وحينئذ فإطلاق «من أدرك» بالنسبة إلى الظهر يعارض دليل وجوب التعجيل الثابت بالنسبة إلى العصر; فإنّ إدراك الظهر بأجمعها يوجب وقوع ثلاث ركعات من العصر خارج الوقت، وحينئذ يقع التزاحم بينهما، ولا مرجّح للأوّل على الثاني أصلاً.
والجواب: أنّ الظاهر أنّ «قاعدة من أدرك» تكون حاكمة على الأدلّة الأوّليّة الواردة في الأوقات، الظاهرة في توقّف تحقّق عنوان الأداء ـ واتّصاف الصلاة به ـ على وقوع جميع أجزائها في الوقت المقرّر لها، ومفادها: أنّ تحقّق هذا الاتّصاف لا يتوقّف على ما ذكر، بل يصدق بوقوع ركعة منها في ذلك الوقت المقرّر له; لأنّ الوقت بالإضافة إلى مدرك الركعة يكون متّسعاً، فإذا قيل بشمول القاعدة للعامد، كما هو المفروض، يكون مقتضاها توسعة الوقت حقيقة في حقّه أيضاً.
وعليه: فلا موجب للزوم التعجيل عليه وعدم جواز التأخير; لصيرورة المسألة حينئذ نظير ما إذا كان مدركاً لثمان ركعات من الوقت الأصلي