( صفحه 109 )
توقيت نافلة الظهرين بالأوقات الثلاثة التي وقع الاختلاف فيها بين الأصحاب، والقدر المتيقّن منها أنّ نافلة الظهرين قبل الذراع والذراعين واقعة في وقتها ومزاحمة للفريضة، وليس المراد من وقوعها قبلهما إلاّ وقوع ركعة منها كذلك، لا وقوعها بأجمعها; بشهادة موثّقة عمّار المتقدّمة(1) في جملة أدلّة المشهور.
كما أنّه لا شبهة في مشروعيّة الإتيان بها بعد الفريضة بعد الذراع والذراعين; لدلالة جملة من الروايات المتقدّمة(2) عليها، ودلالة ما دلّ على ثبوت المشروعيّة لقضاء نوافل النهار بالليل، وكذا العكس(3).
فأصل المشروعيّة ممّا لا إشكال فيه، إنّما الإشكال في أنّه هل هو بنحو الأداء أو القضاء؟ والإنصاف بعد عدم تماميّة أدلّة التوقيت بأحد الأوقات الثلاثة، أنّه لايستفاد من الروايات أحد العنوانين، حتّى ما وقع(4) فيه التصريح بجواز الإتيان بها في أوّل النهار أو وسطه أو آخره; فإنّ اشتمال بعضه على استثناء الإتيان بها في مواقيتها، وأنّه أفضل ـ بضميمة ظهور كون المواقيت مواقيت الأداء لا الفضيلة، ولاينافيه التعبير بالأفضليّة ـ يمنع عن استفادة عنوان الأداء في جميع أجزاء النهار، فمقتضى الاحتياط الإتيان بها بعد الفريضة لا بنيّة الأداء أو القضاء; لعدم الطريق إلى خصوص أحد العنوانين.
- (1) في ص103 ـ 104.
- (2) في ص98 ـ 104.
- (3) وسائل الشيعة 4: 84 و 92، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب22 و 26.
- (4) وسائل الشيعة 4: 136، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب7.
( صفحه 110 )
وكذا الإشكال في مشروعيّة الإتيان بالنافلة قبل الفريضة بعد الذراع والذراعين; فإنّ ظاهر صحيحة زرارة المتقدّمة(1) التي هي عمدة دليل المشهور بلحاظ اشتمالها على قوله (عليه السلام) : «فإذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة...» هو وجوب البدأة بالفريضة وترك النافلة بعد الذراع أو الذراعين، فلا يشرع الإتيان بها قبلها بعدهما، إلاّ أنّ مقتضى إطلاق بعض الروايات المتقدّمة(2) جواز الإتيان بها كذلك أيضاً.
والحقّ أنّه يكون من مصاديق «التطوّع لمن عليه فريضة»، فإن قلنا بعدم جوازه وعدم مشروعيّته، فالمقام أيضاً يصير كذلك، وإن قلنا بالجواز، فلازمه المشروعيّة هنا.
ويظهر من المتن مع قطع النظر عن تفريع الذيل ثبوت المبدأ والمنتهى لنافلة الظهرين، ولازمه صيرورتها قضاءً بعد المنتهى، إلاّ أنّ تفريع الذيل ربما يقرب أنّ المراد من الوقت هو الوقت الذي تكون النافلة فيه مزاحمة للفريضة ومقدّمة عليها، فلا يستفاد منه عنوان القضاء بعده. نعم، ظاهره وجوب تقديم الفريضة بعد الذراع والذراعين، فتدبّر.
( صفحه 111 )
[ جواز تقديم النافلة على الزوال في يوم الجمعة ]
مسألة 5: لا إشكال في جواز تقديم نافلتي الظهر والعصر على الزوال في يوم الجمعة، بل يزاد على عددهما أربع ركعات، فتصير عشرين ركعة. وأمّا في غير يوم الجمعة، فعدم الجواز لا يخلو من قوّة، ومع العلم بعدم التمكّن من إتيانهما في وقتهما، فالأحوط الإتيان بهما رجاءً. ويجوز تقديم نافلة الليل على النصف للمسافر والشابّ الذي يخاف فوتها في وقتها، بل وكلّ ذي عذر كالشيخ وخائف البرد أو الاحتلام، وينبغي لهم نيّة التعجيل
لا الأداء 1 .
1ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: تقديم نافلة الظهرين على الزوال في يوم الجمعة، ويظهر من الروايات الكثيرة جوازه، ويظهر أيضاً أنّه يزاد على عددها أربع ركعات، أو ستّ ركعات، فتصير عشرين، أو ثنتين وعشرين، وإليك بعضها:
كرواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن التطوّع يوم الجمعة؟ قال: ستّ ركعات في صدر النهار، وستّ ركعات قبل الزوال، وركعتان إذا زالت، وستّ ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة(1).
ورواية سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الصلاة يوم الجمعة، كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال: ستّ ركعات بكرة،
- (1) تهذيب الأحكام 3: 246 ح668، الاستبصار 1: 410 ح1569، وعنهما وسائل الشيعة 7: 323، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب11 ح6.
( صفحه 112 )
وستّ بعد ذلك، اثنتا عشرة ركعة، وستّ ركعات بعد ذلك، ثماني عشرة ركعة، وركعتان بعد الزوال، فهذه عشرون ركعة، وركعتان بعد العصر، فهذه ثنتان وعشرون ركعة(1).
ورواية عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صلاة التطوّع
يوم الجمعة إن شئت من أوّل النهار، وما تريد أن تصلّيه يوم الجمعة، فإن شئت عجّلته فصلّيته من أوّل النهار، أيّ النهار شئت، قبل أن تزول الشمس(2).
ورواية يعقوب بن يقطين، عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: سألته عن التطوّع في يوم الجمعة؟ قال: إذا أردت أن تتطوّع في يوم الجمعة في غير سفر صلّيت ستّ ركعات ارتفاع النهار، وستّ ركعات قبل نصف النهار، وركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة، وستّ ركعات بعد الجمعة(3).
وغير ذلك من الروايات(4) الدالّة على جواز التقديم على الزوال، وأنّه يزاد على سائر الأيّام بأربع ركعات كما هو المشهور(5)، أو بستّ ركعات كما عن
- (1) تهذيب الأحكام 3: 246 ح669، الاستبصار 1: 411 ح1571، مصباح المتهجّد: 347، وعنها وسائل الشيعة 7: 323، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب11 ح5.
- (2) تهذيب الأحكام 3: 245 ح666، الاستبصار 1: 413 ح1579، وعنهما وسائل الشيعة 7: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب11 ح8 .
- (3) تهذيب الأحكام 3: 11 ح36، الاستبصار 1: 410 ح1567، وعنهما وسائل الشيعة 7: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب11 ح10.
- (4) وسائل الشيعة 7: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب11.
- (5) مختلف الشيعة 2: 260 مسألة 151، ذكرى الشيعة 2: 362، جامع المقاصد 2: 434، مجمع الفائدة والبرهان 2: 31، ذخيرة المعاد 317 س35.
( صفحه 113 )
الإسكافي(1)، فلا وجه لما عن الصدوقين من أنّه كسائر الأيّام(2)، ولا بأس بالالتزام بما عن الإسكافي لو لم يكن دليله الوحيد ـ وهي رواية سعد بن سعد الأشعري ـ معرضاً عنه بالحمل على مراتب الفضيلة.
كما أنّ الاختلاف في الوقت يحمل على التخيير، خصوصاً بملاحظة التصريح في رواية ابن حنظلة بجواز الإتيان بها في أيّ جزء من النهار شاء.
الفرع الثاني: تقديم النافلتين على الزوال في غير يوم الجمعة، والمشهور(3)عدم جوازه وإن علم بعدم التمكّن من الإتيان بهما بعد الزوال، وعن جماعة جوازه مطلقاً، كالشهيد في الذكرى، والأردبيلي، والسيّد صاحب المدارك(4)، وذهب الشيخ في محكيّ التهذيب إلى جواز تقديمهما لمن علم من حاله أنّه سيشتغل بما يمنعه عن الإتيان بهما بعده(5)، ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب، فيظهر من طائفة الجواز مطلقاً:
كرواية محمد بن عذافر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : صلاة التطوّع بمنزلة الهديّة، متى ما اُتي بها قبلت، فقدّم منها ما شئت، وأخّر منها ما شئت(6).
ورواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: نوافلكم
- (1) حكى عنه في مختلف الشيعة 2: 259 مسألة 151.
- (2) المقنع: 146، الفقيه 1: 267 ـ 268، وحكى عنهما في مختلف الشيعة 2: 259 مسألة 151.
- (3) الحدائق الناضرة 6: 217، العروة الوثقى 1: 372 مسألة 1192، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 244، التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 349.
- (4) ذكرى الشيعة 2: 361، مجمع الفائدة والبرهان 2: 16، مدارك الأحكام 3: 73.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 267 ذح1066، الاستبصار 1: 278 ذح1010.
- (6) تهذيب الأحكام 2: 267 ح1066، الاستبصار 1: 278 ح1010، وعنهما وسائل الشيعة 4: 233، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب37 ح8 .