( صفحه 41 )
ركعات التي يصلّيها بعد العتمة، ولا على استمرار الإتيان بها، فلعلّه كانت الأربع صلاة جعفر (عليه السلام) ونحوها.
وأمّا موثّقة سليمان بن خالد، فلا محيص عن حمل الركعتين فيها على نافلة العشاء; لعدم التعرّض لها فيها، وعدم عدّهما من الخمسين لا ينافيها; لأنّها ـ كما في بعض الروايات الاُخر(1) ـ إنّما شرّعت لتكميل العدد وجعل النافلة ضعف الفريضة، فلا وجه لحملها على غير نافلة العشاء.
وأمّا صحيحة الحجّال، فهي وإن كانت دلالتها واضحة، إلاّ أنّه يشكل الأخذ بها; لأنّها ـ مضافاً إلى دلالتها على وقوع ترك صلاة الليل من الإمام (عليه السلام) أحياناً، ولعلّه لا يكون ملائماً لشأنه ـ تدلّ على ما لم يدلّ عليه شيء من الروايات مع كثرتها واستفاضتها; لعدم دلالته على ثبوت ركعتين بعد العشاء قبل نافلتها، مع أنّهما لاتكونان معنونة بعنوان أصلاً، مع أنّه لا وجه لعدم الاحتساب بالإضافة إليها، خصوصاً بعد ثبوت الكيفيّة المخصوصة لهما، واشتمالهما على مائة آية من القرآن، واحتساب نافلة العشاء مع وقوعها في حال الجلوس، فالإنصاف أنّه لا مجال لهذا الجمع.
الجهة الثانية: في سقوط نافلة العشاء في السفر وعدمه، وقد وقع فيه الإشكال والخلاف بعد أنّه لا إشكال ولا خلاف في سقوط نافلة الظهرين في السفر، وعدم سقوط نافلة الصبح والمغرب، كعدم سقوط صلاة الليل(2).
- (1) الفقيه 1: 290 ح1320، علل الشرائع: 267، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 113، وعنهما وسائل الشيعة 4: 95، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب29 ح3.
- (2) الخلاف 1: 586 ـ 587 مسألة 348، السرائر 1: 194، مسالك الأفهام 1: 138، الروضة البهيّة 1: 171، مجمع الفائدة والبرهان 2: 7 ـ 8 ، مدارك الأحكام 3: 26، كشف اللثام 3: 15، مستند الشيعة 5: 433، جواهر الكلام 7: 78 و 81 .
( صفحه 42 )
والمشهور بين الإماميّة(1) هو الأوّل، بل ادّعى الإجماع عليه في محكيّ السرائر والغنية(2)، وقال الشيخ وجماعة بعدم السقوط(3)، ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في الباب:
أمّا ما يدلّ على السقوط فروايات كثيرة:
منها: رواية حذيفة بن منصور، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنّهما قالا: الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما ولا بعدهما شيء(4).
ومنها: رواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلاّ المغرب ثلاث(5).
ومنها: رواية أبي يحيى الحنّاط قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر؟ فقال: يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة(6).
- (1) تذكرة الفقهاء 2: 273 ذ مسألة 9، مختلف الشيعة 2: 332 مسألة 223، ذكرى الشيعة 2: 297، التنقيح الرائع 1: 163، جامع المقاصد 2: 9، الروضة البهيّة 1: 171، رياض المسائل 3: 27 ـ 28، مفتاح الكرامة 5: 33 ـ 34، جواهر الكلام 7: 81 .
- (2) السرائر 1: 194، غنية النزوع: 106.
- (3) الأمالي للصدوق: 738 و 743، المقنعة: 91، المبسوط 1: 71، النهاية: 57، الخلاف 1: 586 ـ 587 مسألة 348، ذكرى الشيعة 2: 298، المهذّب البارع 1: 283.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 14 ح34، المحاسن 2: 120 ب32 ح1331، وعنهما وسائل الشيعة 4: 81 ، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب21 ح2 و ج8 : 504، أبواب صلاة المسافر ب16 ح1.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 13 ح31، الاستبصار 1: 220 ح778، وعنهما وسائل الشيعة 4: 82 ، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب21 ح3، و ج8 : 504، أبواب صلاة المسافر ب16 ح2.
- (6) تهذيب الأحكام 2: 16 ح44، الاستبصار 1: 221 ح780، الفقيه 1: 285 ح1293، وعنها وسائل الشيعة 4: 82 ، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب21 ح4.
( صفحه 43 )
وموردها وإن كان خصوص صلاة النافلة بالنهار، إلاّ أنّ الملازمة التي يدلّ عليها الجواب ـ وهي الملازمة بين جواز النافلة، وتماميّة الفريضة ـ تقتضي سقوط نافلة العشاء أيضاً، كما هو ظاهر.
ومنها: رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلاّ المغرب; فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر ولا حضر، وليس عليك قضاء صلاة النهار، وصلِّ صلاة الليل واقضه(1).
وأمّا ما يدلّ أو استدلّ به على عدم السقوط فروايات أيضاً:
منها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الصلاة تطوّعاً في السفر؟ قال: لا تصلّ قبل الركعتين ولا بعدهما شيئاً نهاراً(2).
فإنّ تخصيص النهي في الجواب بخصوص النوافل النهاريّة مع كون السؤال عن مطلق الصلاة تطوّعاً في السفر لا يلائم مع سقوط نافلة العشاء، خصوصاً مع انحصار القصر في الليل بها، كما لايخفى.
ومنها: رواية رجاء بن أبي الضحّاك، عن الرضا (عليه السلام) أنّه كان في السفر يصلّي فرائضه ركعتين ركعتين إلاّ المغرب; فإنّه كان يصلّيها ثلاثاً، ولا يدع نافلتها، ولا يدع صلاة الليل والشفع والوتر وركعتي الفجر في سفر ولا حضر،
- (1) الكافي 3: 439 ح3، تهذيب الأحكام 2: 14 ح36، وعنهما وسائل الشيعة 4: 83 ، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب21 ح7.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 14 ح32، وعنه وسائل الشيعة 4: 81 ، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب21 ح1.
( صفحه 44 )
وكان لا يصلّي من نوافل النهار في السفر شيئاً(1).
ومنها: ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال: وإنّما صارت العتمة مقصورة، وليس تترك ركعتيها (ركعتاها خ ل); لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين، وإنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع(2).
والرواية من حيث الدلالة تامّة; لأنّها تدلّ على مفروغيّة عدم ترك النافلة، كمفروغيّة قصر الفريضة في العتمة، إلاّ أنّ الإشكال إنّما هو في سندها; لأنّ في طريق الصدوق إلى فضل بن شاذان علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري المعروف بالقتيبي، وعبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطّار النيسابوري، وهما لم تثبت وثاقتهما(3); فإنّ غاية ما ذكر في وثاقة الأوّل ما ذكره في الحدائق في مقام الجواب عن صاحب المدارك(4) ـ القائل بعدم إمكان الاعتماد على روايته لعدم توثيقه ـ من أنّه لا حاجة إلى التوثيق الصريح بعد كونه من المشايخ ومورداً لاعتماد مثل الكشّي(5); لأنّ اعتماد المشايخ
- (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 182 ح5، وعنه وسائل الشيعة 4: 83 ، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب21 ح8 .
- (2) الفقيه 1: 290 ح1320، علل الشرائع: 267، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 113، وعنها وسائل الشيعة 4: 95، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب29 ح3.
- (3) أمّا القتيبي، فراجع رجال النجاشي: 259، الرقم 678، وجامع الرواة 1: 106، ومعجم رجال الحديث 12: 160، الرقم 8461 .
- وأمّا عبد الواحد، فراجع جامع الرواة 1: 522، ومعجم رجال الحديث 11: 37، الرقم 7357.
- (4) مدارك الأحكام 3: 27.
- (5) كما حكاه النجاشي في رجاله: 259، الرقم 678.
( صفحه 45 )
المتقدّمين على النقل، وأخذ الأخبار منهم، والتلمّذ عليهم يزيد على قولهم في كتب الرجال: فلان ثقة.
وقد نقل في الحدائق عن العلاّمة في المختلف أنّه عندما ذكر حديث الإفطار على محرّم، وأنّ الواجب فيه كفّارة واحدة أو ثلاث، لم يذكر التوقّف في صحّة الحديث إلاّ من حيث عبد الواحد بن عبدوس، وقال: إنّه كان ثقة والحديث صحيح(1). وهذا يدلّ على توثيقه لعلي بن محمد بن قتيبة. وقد حكى عن العلاّمة أيضاً أنّه صحّح حديثه في ترجمة يونس بن عبد الرحمن(2)،(3).
ولكن شيء من ذلك لا يثبت وثاقته; فإنّ اعتماد الكشّي لا دليل على وثاقته، فقد اعتمد على نصر الغالي(4) أيضاً، لكن قد يقال بأنّه يمكن استفادة وثاقته من قول الكشّي في إبراهيم بن عبدة: حكى بعض الثقات بنيسابور أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمّد (عليه السلام) توقيع...(5) بأن يكون هو مراده من بعض الثقات.
ويدفعه ـ مضافاً إلى أنّه ليس في نسخة الكشّي المطبوعة عندي كلمة بنيسابور ـ أنّه على تقديره لا دليل على كونه هو المراد من بعض الثقات.
وأمّا كونه من المشايخ وأخذ المتقدّمين الروايات عنه، فهو لا دلالة له أيضاً على التوثيق، فقد حكي أنّ من مشايخ الصدوق من هو ناصب زنديق، بحيث
- (1) مختلف الشيعة 3: 314 مسألة 60.
- (2) خلاصة الأقوال: 296، الرقم 1103.
- (3) الحدائق الناضرة 6: 47 ـ 48.
- (4) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 322، الرقم 584.
- (5) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 575 و 578 ـ 579، الرقم 1088.