( صفحه 45 )
المتقدّمين على النقل، وأخذ الأخبار منهم، والتلمّذ عليهم يزيد على قولهم في كتب الرجال: فلان ثقة.
وقد نقل في الحدائق عن العلاّمة في المختلف أنّه عندما ذكر حديث الإفطار على محرّم، وأنّ الواجب فيه كفّارة واحدة أو ثلاث، لم يذكر التوقّف في صحّة الحديث إلاّ من حيث عبد الواحد بن عبدوس، وقال: إنّه كان ثقة والحديث صحيح(1). وهذا يدلّ على توثيقه لعلي بن محمد بن قتيبة. وقد حكى عن العلاّمة أيضاً أنّه صحّح حديثه في ترجمة يونس بن عبد الرحمن(2)،(3).
ولكن شيء من ذلك لا يثبت وثاقته; فإنّ اعتماد الكشّي لا دليل على وثاقته، فقد اعتمد على نصر الغالي(4) أيضاً، لكن قد يقال بأنّه يمكن استفادة وثاقته من قول الكشّي في إبراهيم بن عبدة: حكى بعض الثقات بنيسابور أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمّد (عليه السلام) توقيع...(5) بأن يكون هو مراده من بعض الثقات.
ويدفعه ـ مضافاً إلى أنّه ليس في نسخة الكشّي المطبوعة عندي كلمة بنيسابور ـ أنّه على تقديره لا دليل على كونه هو المراد من بعض الثقات.
وأمّا كونه من المشايخ وأخذ المتقدّمين الروايات عنه، فهو لا دلالة له أيضاً على التوثيق، فقد حكي أنّ من مشايخ الصدوق من هو ناصب زنديق، بحيث
- (1) مختلف الشيعة 3: 314 مسألة 60.
- (2) خلاصة الأقوال: 296، الرقم 1103.
- (3) الحدائق الناضرة 6: 47 ـ 48.
- (4) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 322، الرقم 584.
- (5) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 575 و 578 ـ 579، الرقم 1088.
( صفحه 46 )
لم ير أنصب منه وأبلغ من نصبه; لأنّه كان يقول: اللّهمّ صلِّ على محمّد فرداً، ويمتنع من الصلاة على آله(1).
وأمّا تصحيح العلاّمة، فقد نوقش فيه من وجهين:
الأوّل: أنّه يظهر من التتبّع في كلماته أنّه (قدس سره) يصحّح رواية كلّ إماميّ لم يرد فيه قدح، ولا يعتمد على رواية غير الشيعي وإن كان موثّقاً، فتصحيحه أعمّ من التوثيق، بل غايته تصديق تشيّعه، وأنّه لم يرد فيه قدح.
الثاني: أنّ توثيقه وتوثيقات مثله من معاصريه أو المتأخّرين عنه حيث لايكون إلاّ شهادة حدسيّة، منشؤها ملاحظة القرائن والأمارات، من دون أن يكون متّصلاً سنداً إلى من يشهد بوثاقته بشهادة حسيّة لا ينبغي الاعتماد عليه; لطول الفصل ومضيّ الأزمنة والقرون، ووضوح عدم اعتبار الشهادة عن غير حسّ(2).
وأمّا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، فقد ذكر المامقاني في رجاله أنّ في الرجل أقوالاً:
أحدها: أنّه ثقة، وهو خيرة التحرير والمسالك وبعض آخر(3).
ثانيها: أنّه حسن، وهو المحكيّ عن المجلسي الثاني في غير الوجيزة(4).
- (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 279 ـ 280 ب69 ح3.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 71 ـ 73، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 52 ـ 54.
- (3) تحرير الأحكام 4: 372، الرقم 5964، مسالك الأفهام 2: 23 وج10: 16، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 127 ذ ح2، حاوي الأقوال في معرفة الرجال 3: 21 ـ 22، الرقم 774.
- (4) ملاذ الأخيار 6: 546 ذح 12.
( صفحه 47 )
ثالثها: أنّه مجهول، وهو الذي بنى عليه المحقّق، حيث ترك العمل بروايته(1); لأنّه مجهول الحال، ومثله العلاّمة في المختلف(2)،(3).
ومع هذا الوصف كيف يمكن الاعتماد على روايته والأخذ بحديثه؟
ومنها: رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) : هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شيء؟ قال: لا، غير أنّي اُصلّي بعدها ركعتين، ولست أحسبهما من صلاة الليل(4).
نظراً إلى أنّ المستفاد منها أنّها نافلة مستقلّة، ولها نحو ارتباط بنافلة الليل، ولذا أجاب الإمام (عليه السلام) بـ «لا»، ومع استقلالها لا يشملها الأخبار الدالّة على سقوط نافلة الصلاة المقصورة.
وأورد على هذا الاستدلال بعض الأعلام بأنّ الظاهر أنّ المراد من الركعتين فيها هما الركعتان اللّتان تؤتى بها عن قيام، وهما مستحبّان مستقلّتان زائدة على النوافل المرتّبة، وذلك بقرينة قوله (عليه السلام) : «ولست أحسبهما من صلاة الليل»; فإنّ ما يمكن أن يتوهّم كونه من صلاة الليل إنّما هو تلك الصلاة التي يؤتى بها قائماً، دون الوتيرة التي تصلّى جالساً; فإنّه لم يتوهّم أحد كونها من صلاة الليل بوجه، خصوصاً مع كون الراوي هو الحلبي الذي
- (1) المعتبر 2: 668، شرائع الإسلام 1: 191.
- (2) مختلف الشيعة 3: 314 مسألة 60.
- (3) تنقيح المقال 2: 233 (ط .ق).
- (4) الكافي 3: 443 ح6، تهذيب الأحكام 2: 10 ح19، وعنهما وسائل الشيعة 4: 93، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب27 ح1.
( صفحه 48 )
لا يخفى عليه مثل ذلك(1).
ويدفعه ـ مضافاً إلى ما عرفت(2) من عدم معهوديّة صلاة فيما بين العشاء ونافلتها ـ : أنّه بناءً على ما أفاده تكون نافلة العشاء أقرب إلى صلاة الليل من تلك الصلاة التي يؤتى بها قبلها، ومجرّد الاختلاف في القيام والجلوس لا يوجب أقربيّة ما يؤتى به أوّلاً، كما هو ظاهر.
والجواب عن أصل الاستدلال ـ بعد ملاحظة إطلاق محطّ السؤال، وعدم كون النظر إلى حال السفر ـ : أنّ قوله (عليه السلام) : «ولست أحسبهما من صلاة الليل» لا دلالة له على استقلال الركعتين، كما أنّ قوله (عليه السلام) : «لا» لا ينفي طرفي السؤال بحيث يصير قرينة على نفي ارتباط الركعتين بالعشاء، بل الظاهر أنّ المراد من النفي هو النفي بلحاظ كون نافلة العشاء مزيدة في النوافل لتتمّ بهما الواحدة والخمسون.
كما أنّ عدم الاحتساب من صلاة الليل، إنّما هو لدفع توهّم كون وقوعها بعد العشاء قرينة لكونها من صلاة الليل، كنافلة الصبح التي عدّت منها في بعض الروايات المتقدّمة(3).
وعلى أيّ حال فلا دلالة للرواية على عدم السقوط، بل لا ارتباط لها بالمقام لو لم نقل بكون مقتضى إطلاقها بعد التقييد بالروايات الدالّة على السقوط، هو السقوط، فتدبّر.
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 75، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 55.
- (2) في ص40 ـ 41.
- (3) مثل رواية زرارة المتقدّمة في ص23 ـ 24.
( صفحه 49 )
ومنها: الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلايبيتنّ إلاّ بوتر(1).
وتقريب الاستدلال بها من وجهين ـ بعد ظهور كون المراد بالوتر فيها هي الوتيرة ونافلة العشاء; لتفسيرها بذلك في رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر. قال: قلت: تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال: نعم، إنّهما بركعة، فمن صلاّهما ثمّ حدث به حدث مات على وتر، الحديث(2) ـ :
الأوّل: أنّ التعبير بكون الإتيان بها وعدم تركها من شؤون الإيمان بالله واليوم الآخر، لا يلائم مع الاختصاص بوقت دون وقت، ولا يجتمع مع السقوط في السفر، كما لايخفى.
الثاني: أنّ النسبة بين هذه الروايات الدالّة بإطلاقها على ثبوت الوتيرة في السفر أيضاً، وبين الروايات(3) الواردة في سقوط نافلة الصلاة المقصورة، الشاملة بإطلاقها لصلاة العشاء، هي العموم من وجه، والمرجع في مادّة الاجتماع ـ وهي الوتيرة في السفر ـ هي الروايات(4) الواردة في أصل مشروعيّة الوتيرة وفي تعداد النوافل، وأنّها أربع وثلاثون(5).
- (1) وسائل الشيعة 4: 95 ـ 96، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب29 ح1، 2، 4 و 8 .
- (2) تقدّمت بتمامها في ص22 ـ 23.
- (3) تقدّمت في ص42 ـ 44.
- (4) تقدّمت في ص19 ـ 24.
- (5) مصباح الفقيه 9: 62.