( صفحه 296 )بكون الاعتراض إنّما هو من جهة الفرق في التعبير بالاستئناف في الاُولى، وبالقضاء في الثانية واضح الفساد، فالرواية منافية للرواية المتقدّمة المصرّحة بعدم الفرق.
ولكنّها لا يمكن الاعتماد عليها; لعدم توثيق حسن بن زياد الصيقل أوّلاً، لا بالتوثيق الخاصّ، ولا بالتوثيق العامّ، كالوقوع في سند مثل كتاب كامل الزيارات، وإنّما ورد فيه بعض المدائح غير البالغ حدّ الوثاقة، وعدم صلاحيّتها للمعارضة مع الرواية المتقدّمة ثانياً; لموافقتها لفتوى المشهور، وهو أوّل المرجّحات على ما قرّر في محلّه(1)، فلا فرق بين المسألتين في العدول عن اللاّحقة إلى السابقة، وإتمام ما بيده بنيّة السابقة ثمّ استئناف اللاّحقة.
ثمّ إنّه ذكر في الوسائل أنّ رواية الحسن محمولة على تضيّق وقت العشاء دون العصر(2). والظاهر بُعد هذا الحمل; لأنّه ـ مضافاً إلى كون الحكمين واقعين في مقام الجواب عن سؤاله، والسؤال فيهما إنّما هو بنحو واحد، وعدم إشعار الثاني بكون المفروض وقت تضيّق العشاء ـ يرد عليه أنّه على هذا التقدير لا يبقى مجال لاعتراض السائل، وعلى تقديره لابدّ وأن يكون النكتة في الفرق هو التضيّق وعدمه، لا كون صلاة العشاء بعدها صلاة دون العصر، كما لا يخفى.
الصورة الثانية: ما إذا تذكّر في الأثناء في الوقت المشترك مع تجاوز محلّ
- (1) تقدّم تخريجه في ص25.
- (2) وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب63 ذح5.
( صفحه 297 )العدول وعدم التمكّن منه، كما إذا تذكّر في ركوع الركعة الرابعة من العشاء أو بعده أنّه لم يأت بالمغرب، ومن الواضح: أنّه لا مجال فيها للبحث عن العدول بعد عدم إمكانه، ولا للبحث عن شمول أخبار العدول وعدمه، بل البحث إنّما هو في صحّتها بالنيّة التي شرع فيها وبطلانها.
والمحكيّ عن صاحب الجواهر (قدس سره) في رسالة نجاة العباد وجوب الإتمام عشاءً والإتيان بالمغرب بعدها(1)، وذهب السيّد في العروة إلى البطلان وإن احتاط بالإتمام والإعادة بعد الإتيان بالمغرب(2)، ولا مجال لدعوى الشهرة عليه، بل المسألة مختلف فيها من دون ثبوت شهرة على أحد الطرفين.
وقد استدلّ القائل بالصحّة بأنّ حديث «لا تعاد»(3) لا يختصّ جريانه بما بعد العمل، بل يجري فيما إذا كان التذكّر في أثناء العمل، كما إذا تذكّر في الأثناء أنّه لم يكن متستّراً في الركعة الاُولى، أو لم يقرأ فاتحة الكتاب فيها; فإنّ مقتضى حديث «لاتعاد» الصحّة في الفرضين.
ولا ينافيه التعبير بالإعادة; لعدم اختصاصه بما إذا فرغ من العمل، بل كثيراً ما يستعمل في لسان العرف والأخبار في أثناء العمل أيضاً. وعليه: فلا يكون الحديث قاصراً عن شمول المقام والحكم بصحّة ما وقع بعنوان العشاء; وإن كان فاقداً للترتيب المعتبر في صحّتها، كما لا يخفى(4).
- (1) نجاة العباد: 74 (في المواقيت)، و 99 (في أحكام النيّة).
- (2) العروة الوثقى 1: 369 مسألة 1182.
- (3) تقدّم في ص155، 291 و 292.
- (4) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 72، وللكاظمي 1: 138 ـ 139، وحكى عنه بهذه العبارة في التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 292، ومستمسك العروة الوثقى 5: 90، وج7: 600 ـ 602.
( صفحه 298 )ويرد عليه: أنّ الحديث وإن كان شموله بالإضافة إلى الأثناء ممّا لا ينبغي المناقشة فيه لما ذكر، إلاّ أنّ دائرة شموله لا تتجاوز عن العمل المتقدّم، والماضي الذي كان فاقداً لبعض ما اعتبر فيه نسياناً، ولا دلالة للحديث على تصحيح العمل المتأخّر مع فقدانه لما اعتبر فيه، وعدم ثبوت مانع من السهو والنسيان، فإذا التفت في أثناء الصلاة إلى عدم اشتمالها من حين الشروع على ستر العورة، فالحديث لا يقتضي إلاّ تصحيح الأجزاء المأتيّ بها، الفاقدة للشرط مع الغفلة وعدم الالتفات، ولا يوجب سلب شرطيّة الستر بالإضافة إلى الأجزاء اللاّحقة; وإن لم يكن غير قادر على تحصيله في الأثناء بوجه.
وفي المقام مقتضى شمول الحديث صحّة الأجزاء السابقة وإن كانت فاقدة للترتيب، ولا دلالة له على نفي اعتباره بالإضافة إلى الأجزاء اللاّحقة مع زوال السهو وارتفاع النسيان، فاللاّزم ـ مراعاةً للشرط ـ الإتيان بالمغرب ثمّ استئناف العشاء.
اللّهمّ إلاّ أن يقال بأنّ الترتيب لا يكون كسائر الشرائط معتبراً في كلّ جزء من أجزاء الصلاة، بل الترتيب إنّما يعتبر في المجموع من حيث المجموع من الصلاة اللاّحقة، فإذا اقتضى الحديث رفع الشرطيّة والحكم بصحّة الأجزاء السابقة بعنوان العشاء، فلا يبقى مجال لبطلانها، بل يتمّها كذلك.
ولكنّ الظاهر عدم صحّة هذا القول، بل الترتيب إنّما هو كسائر الشرائط معتبر في كلّ جزء من أجزاء الصلاة اللاّحقة، ويؤيّده بل يدلّ عليه
( صفحه 299 )أخبار(1) العدول، الدالّة على العدول مع التمكّن منه وعدم تجاوزه; فإنّ مقتضاها اعتبار الترتيب في كلّ جزء مستقلاًّ، وإلاّ لم يكن وجه للعدول بعد سقوط شرطيّة الترتيب بالغفلة وعدم الالتفات، كما هو المفروض.
فالإنصاف أنّ مقتضى القواعد الحكم بالبطلان وإن كان الاحتياط بالإتمام ثمّ الإتيان بها بعد المغرب ممّا لا ينبغي تركه. ويؤيّد البطلان ما يمكن أن يقال من أنّ الأدلّة الدالّة على شرطيّة الترتيب مطلقة، والقدر المتيقّن من التقييد الذي يدلّ عليه حديث «لا تعاد» إنّما هو فيما إذا تذكّر بعد الفراغ. وأمّا لو علم في الأثناء فلم يعلم من الحديث تقييدها به أيضاً، فاللاّزم الرجوع إليها، فتدبّر.
الصورة الثالثة: ما إذا تذكّر في الأثناء في الوقت المختصّ بالسابقة، كما إذا شرع في العصر في الآن الأوّل بعد الزوال، والتفت بعدما صلّى ركعتين منها أنّه لم يصلِّ الظهر بعد، فبناءً على انتفاء الوقت المختصّ، وثبوت الاشتراك في جميع الوقت من أوّله إلى آخره، كما يقول به الصدوقان ومن تبعهما(2)، فلا إشكال في أنّ حكمه حكم ما إذا تذكّر في الأثناء في الوقت المشترك من العدول إلى السابقة.
وأمّا بناءً على المشهور(3) من اختصاص أوّل الوقت بالسابقة، وكون نسبته إلى اللاّحقة كنسبة ما قبل الزوال مثلاً إلى الظهر، فقد وقع الإشكال
- (1) وسائل الشيعة 4: 290 ـ 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب63.
- (2) تقدّم تخريجها في ص138 ـ 139.
- (3) تقدّم تخريجهم في ص138.
( صفحه 300 )في جواز العدول في هذه الصورة، ومنشؤه عدم دلالة أخبار العدول عليه فيها، وتقريب عدم الدلالة أحد اُمور:
الأوّل: أنّ مورد أكثر أخبار العدول هو الوقت المشترك; لورودها في رجل أمَّ قوماً في العصر،، فذكر وهو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الاُولى(1)، أو في رجل دخل مع قوم ولم يكن صلّى هو الظهر، والقوم يصلّون العصر يصلّي معهم(2)، أو في رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اُخرى(3).
نعم، ظاهر صحيحة زرارة، ورواية حسن بن زياد الصيقل المتقدّمتين(4)الإطلاق، ولكنّه حيث يكون الفرض من الفروض النادرة، خصوصاً مع كون المعروف بين المسلمين في وقت صلاة العصر هو الإتيان بها في أواسط الوقت، يكون التمسّك بالإطلاق في غاية الضعف.
الثاني: أنّ مقتضى الأخبار أنّ العدول إلى اللاّحقة إنّما يصحّح خصوصيّة الترتيب المعتبر في صحّة الصلاة اللاّحقة، ومدلولها أنّه مع التذكّر في الأثناء يمكن مراعاة هذا الشرط بجعلها الصلاة السابقة ثمّ الإتيان باللاّحقة، فالعدول إنّما يؤثّر في تحقّق هذا القيد فقط، وأمّا لو فرض كون الصلاة اللاّحقة فاقدة
- (1) الكافي 3: 294 ح7، تهذيب الأحكام 2: 269 ح1072، وص 197 ح777، وعنهما وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب63 ح3.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 271 ح1078، وعنه وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب63 ح6.
- (3) الكافي 3: 293 ح5، تهذيب الأحكام 2: 269 ح1071، وعنهما وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب63 ح2.
- (4) في ص293ـ294.