( صفحه 165 )
الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً(1).
ومرسلة اُخرى للصدوق قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص(2).
ورواية علي بن الحكم، عمّن حدّثه، عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه سئل عن وقت المغرب؟ فقال: إذا غاب كرسيّها، قلت: وما كرسيّها؟ قال: قرصها، فقلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره(3).
ورواية اُخرى لعبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم(4).
ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي المغرب حين تغيب الشمس حيث يغيب حاجبها(5).
والمراد من قوله (عليه السلام) : «حيث يغيب حاجبها» أنّه حيث إنّ الشمس في آخر اللحظات من الغروب تظهر كالحاجب، فإذا غاب حاجبها فقد سقط القرص
- (1) الكافي 3: 279 ح5، تهذيب الأحكام 4: 271 ح818 ، وج2: 261 ح1039، الاستبصار 2: 115 ح376، وعنها وسائل الشيعة 4: 178، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح17.
- (2) الفقيه 1: 141 ح655، وعنه وسائل الشيعة 4: 179، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح18.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 27 ح79، الاستبصار 1: 262 ح942، أمالي الصدوق: 139 ح137، علل الشرائع: 350 ب60 ح4، وعنها وسائل الشيعة 4: 181، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح25، وفي بحار الأنوار 83 : 56 ح13 وص65 ح30 عن الأمالي والعلل.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 257 ح1023، الاستبصار 1: 263 ح948، وعنهما وسائل الشيعة 4: 182، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح26.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 258 ح1025، الاستبصار 1: 263 ح946، وعنهما وسائل الشيعة 4: 182، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح27.
( صفحه 166 )
ودخل وقت صلاة المغرب.
ورواية أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقت المغرب حين تغيب الشمس(1).
ورواية عمرو بن أبي نصر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في المغرب: إذا توارى القرص كان وقت الصلاة، وأفطر(2).
ورواية سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في المغرب: إنّا ربما صلّينا ونحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل، أو قد سترنا منها الجبل؟ قال: فقال: ليس عليك صعود الجبل(3).
ودلالتها على أنّ الاعتبار إنّما هو بالاستتار واضحة; ضرورة أنّ الشكّ في أنّها غربت أم لم تغرب إنّما يتصوّر فيما إذا كان المغرب بمعنى استتار القرص; لأنّه في هذه الحالة إذا غابت عن الحسّ والنظر، وكان في البين جبل ونحوه، يحتمل أنّها استترت خلف الجبل.
وأمّا إذا كان المغرب بمعنى تجاوز الحمرة عن قمـّة الرأس إلى المغرب، فبعد تحقّقه لا معنى للشكّ واحتمال أن تكون الشمس خلف الجبل; لأنّه على هذا التقدير يعلم بأنّه على فرض الصعود إلى الجبل لا يرى أثر من الشمس،
- (1) تهذيب الأحكام 2: 258 ح1026، الاستبصار 1: 263 ح947، وعنهما وسائل الشيعة 4: 182، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح28.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 27 ح77، الاستبصار 1: 262 ح940، وعنهما وسائل الشيعة 4: 183، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح30.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 29 ح87 ، وص264 ح1054، الاستبصار 1: 266 ح962، الفقيه 1: 141 ح656، أمالي الصدوق: 140 ح140، وعنها وسائل الشيعة 4: 198، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب20 ح1.
( صفحه 167 )
ولا يحتمل رؤية قرصه أصلاً، فلا مجال لنفي إيجاب صعود الجبل عليه، كما هو ظاهر.
وغير ذلك من الروايات(1) الظاهرة في أنّ الاعتبار إنّما هو بالاستتار وغيبوبة القرص.
وأمّا ما يدلّ على القول الثاني فكثيرة أيضاً، ولابدّ من إيرادها ليعلم أنّها هل تدلّ على هذا القول أوّلاً، أم لا؟ وعلى تقدير دلالتها وتماميّة سندها، هل تكون قابلة للجمع بينها، وبين الطائفة الاُولى؟ وماذا طريق الجمع ثانياً؟ وعلى تقدير عدم إمكان الجمع، هل اللاّزم الأخذ بها، أو بالطائفة الاُولى ثالثاً؟ فنقول:
منها: رواية بريد بن معاوية ـ التي رواها عنه قاسم بن عروة ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب; يعني من المشرق، فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها(2). وقد رواها في الوسائل في ثلاثة مواضع من باب واحد(3)، وظاهره كونها روايات متعدّدة، مع أنّه ليست إلاّ رواية واحدة رواها بريد، وروى عن بريد قاسم المذكور.
غاية الأمر ثبوت اختلاف يسير في المتن، حيث أسقط قوله (عليه السلام) : «من هذا الجانب» يعني في إحداها، وذكر بدل قوله (عليه السلام) : «من المشرق» «ناحية المشرق» في الاُخرى، كما أنّها رويت عن أبي جعفر (عليه السلام) في الاثنتين، وعن
- (1) وسائل الشيعة 4: 172، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16.
- (2) الكافي 3: 278 ح2، وج4: 100 ح2، تهذيب الأحكام 2: 29 ح84 ، الاستبصار 1: 265 ح956، وعنها وسائل الشيعة 4: 172، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح1.
- (3) وسائل الشيعة 4: 175 ـ 176، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح7 و 11.
( صفحه 168 )
أحدهما (عليهما السلام) في الثالثة، ولكن هذه الاختلافات لا تؤيّد تعدّد الرواية بوجه، بل الظاهر كونها رواية واحدة مروية كذلك.
وقد أورد بعض الأعلام(1) على الاستدلال بها للقول المشهور ـ مضافاً إلى ضعف السند بالقاسم بن عروة; لعدم توثيقه ـ بضعف الدلالة; نظراً إلى أنّ المراد بالمشرق هي النقطة التي تطلع منها الشمس، لا ناحية المشرق في مقابل المغرب، الذي هي النقطة التي تدخل فيها الشمس تحت الاُفق، ويؤيّده التعبير عن المشرق بمطلع الشمس في بعض الروايات(2).
وحيث إنّ المشرق مطلّ على المغرب; لأنّه مقتضى كرويّة الأرض، وقد وقع التصريح به في بعض الروايات الآتية(3)، فيدلّ ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق على دخول الشمس تحت الاُفق، فلا دلالة للرواية على أنّ ذهاب الحمرة عن قمـّة الرأس، أو عن تمام ناحية المشرق كاشف عن الغروب، وإنّما تدلّ على أنّ ارتفاع الحمرة من خصوص النقطة التي خرجت منها الشمس عند الطلوع دليل على غيبوبتها تحت الاُفق.
والوجه في جعل ذلك أمارة كاشفة ـ مع أنّ المدار في الأحكام المترتّبة على الغروب هو دخول القرص تحت الاُفق ـ هو: أنّ مشاهدته غير متيسّرة للمكلّفين; لعدم خلوّ الأرض من الحواجب من الجبال والأطلال ونحوهما.
ويدفع هذا الإيراد ـ مضافاً إلى منع ضعف السند; لرواية ابن أبي عمير،
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 241 ـ 242.
- (2) يأتي في ص176.
- (3) في ص170.
( صفحه 169 )
عن القاسم المذكور في إحداها، وإلى منع كون المراد بالمشرق هو خصوص النقطة التي تطلع منها الشمس; فإنّ الظاهر منه عرفاً هو جانب المشرق وناحيته، كما وقع تفسيراً للجانب في المتن المذكور، وفسّر بالناحية في غيرها(1)، والتعبير عنه بـ «مطلع الشمس» لا يؤيّد ذلك; لأنّ المراد به أيضاً جانب المشرق في مقابل المغرب، كما يظهر لمن راجع الرواية التي عبّر فيها بذلك، وعلى تقديره لا يرتبط بالمقام.
ومضافاً إلى أنّ كلمة الغيبوبة التي هي في مقابل الظهور لا يلائم إلاّ مع انتفاء الحمرة رأساً، بحيث لم يكن مرئيّة للناظر في المشرق. وأمّا انفصالها عن نقطة المشرق، فلا يناسب التعبير عنه بالغيبوبة، بل المناسب هو التعبير بالانفصال والانقطاع والارتفاع وأشباه ذلك، كما لايخفى ـ :
أنّ حمل الرواية على المعنى المذكور موجب لكذبها; لأنّ انفصال الحمرة عن نقطة المشرق لا يوجب غروب الشمس عن شرق الأرض وغربها; فإنّ المراد من شرق الأرض وغربها وإن كان هو مجموع الأراضي المتساوية مع أرض المصلّي من حيث الاُفق; ضرورة أنّه ليس المراد منهما هو مجموع الأرض ونقاطها ونواحيها; لوضوح اختلافها من جهة الاُفق، بل في الليليّة والنهاريّة.
فلابدّ من أن يكون المراد مجموع الأراضي المتساوية في الاُفق، إلاّ أنّ ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق في أرض المصلّى لا دلالة له على غروب الشمس في جميع تلك الأراضي; ضرورة أنّ ارتفاع الحمرة عنها ملازم لغيبوبة القرص في خصوص أرض المصلّي، ومن البيّن عدم تحقّق الغيبوبة
- (1) كما في مرسلة ابن أبي عمير الآتية في ص171.