( صفحه 184 )
وقد فاتتنا ركعة، فلمـّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا: جعلنا فداك، هذه الساعة تصلّي؟! فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت(1).
فإنّه لو كان المراد من غيبوبة الشمس هو استتارها عن جميع الأراضي المتساوية في الاُفق، لما كان وجه لاعتراضهم عليه (عليه السلام) ، ولما كان وجه لبقاء شعاع الشمس ونظرهم إليه; فإنّه مع ذهاب الحمرة المشرقيّة لا يبقى لشعاع الشمس أثر، فلا محيص عن أن يكون المراد هو استتار القرص عن أرض المصلّى ونظره.
ولا منافاة بينه، وبين بقاء الشعاع والنظر إليه; لإمكان أن يكون الشعاع خلف الجبل إلى ناحية المغرب، وقد رآه الجماعة من أعلى الجبل، كما قد حكي ذلك عن الشيخ (قدس سره) (2); وإن كان يبعّده قلّة الفاصلة بين ثبوت النظر إلى الشعاع، ودرك الصلاة معه (عليه السلام) بحيث لم تفت إلاّ ركعة واحدة فقط، فتدبّر.
وكيف كان، فالرواية آبية عن الجمع المذكور.
ثانيها: ما اُفيد من حمل أخبار الحمرة على إرادة أنّ زوال الحمرة طريق قطعيّ إلى غياب الشمس عن دائرة الاُفق، بحيث لا يبقى احتمال كونها محجوبة بحائل من جبل أو غيره، ولاسيّما وأنّ تصرّف الشارع الأقدس في الغروب وفي الليل ونحوهما ممّا جعل مبدأ الوقت لو كان ثابتاً لاشتهر النقل عنه; لتوفّر الدواعي إليه للابتلاء به في كلّ يوم، فحمل لزوم الانتظار
- (1) أمالي الصدوق: 140 ح143، وعنه وسائل الشيعة 4: 180، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح23.
- (2) الاستبصار 1: 266 ذح 962، تهذيب الأحكام 2: 29 ذح87 ، وحكى عن الشيخ في وسائل الشيعة 4: 181، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ذ ح23 وص 199 ذ ح2.
( صفحه 185 )
على كونه حكماً ظاهريّاً عند الشكّ أولى من حمله على كونه حكماً واقعيّاً لتصرّف الشارع الأقدس في مفهوم الغروب.
ويشير إليه اختلاف أخبار الذهاب في التعبير عنه تارة: بزوال الحمرة، واُخرى: بتغيّرها، وثالثة: بالتأخير قليلاً، كما في رواية يعقوب بن شعيب المتقدّمة(1)، وملاحظة التعليلات الواردة فيها(2).
ويرد عليه: عدم دلالة شيء من أخبار الحمرة بل وعدم إشعاره بكونه حكماً ظاهريّاً مجعولاً لخصوص الشاك في الاستتار، بل ظاهرها كونه حكماً واقعيّاً مجعولاً للجميع، فالتصرّف فيها بالحمل على الحكم الظاهري تصرّف بلا قرينة.
مضافاً إلى أنّ لازمه جعل الانفصال ـ أي انفصال الحمرة عن المشرق ـ أمارة للشاكّ; لملازمة سقوط القرص مع انفصالها عن نقطة المشرق، فلا وجه لجعل الأمارة زوالها عن قمـّة الرأس، المستلزم لتأخير صلاة المغرب عن أوّل وقتها بما يتجاوز عن عشر دقائق مع شدّة العناية بوقوعها في أوّل وقتها، بحيث ورد فيها التبرّي واللعن على من أخّرها طلباً لفضلها(3); وإن كان يمكن تنزيله على أمر آخر. وكيف كان، فهذا الحمل والجمع ممـّا لا سبيل إليه أصلاً.
ثالثها: حمل أخبار الحمرة على أنّ المراد بزوالها هو انفصالها عن نقطة
- (1) في ص177.
- (2) مستمسك العروة الوثقى 5: 77 ـ 81 .
- (3) وسائل الشيعة 4: 187، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب18.
( صفحه 186 )
المشرق ولو بقدر أصابع وإن لم يصل إلى قمـّة الرأس، فضلاً عن التجاوز عنها; لأنّ زوال الحمرة بهذا المعنى مقارن لاستتار القرص عن النظر(1).
ويدفعه ـ مضافاً إلى ظهور بعضها بل صراحته في اعتبار التجاوز عن قمـّة الرأس، كما عرفت(2) في مرسلة ابن أبي عمير، وظهور أكثرها في زوالها عن ناحية المشرق بالكلّية، بحيث لا يرى الناظر حمرة في تلك الناحية أصلاً ـ :
أنّه لو كان المراد من أخبار الحمرة هو ما يدلّ عليه أخبار الاستتار، ولم يكن فتوى أئمـّتنا المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ مخالفة لفتوى فقهاء سائر المسلمين، لما كان وجه لإلقاء هذه الكلمة الموهمة للخلاف بين شيعتهم، مع عدم ترتّب فائدة عليه إلاّ التعرّض للخطر والمهلكة، خصوصاً مع كون غرضهم (عليهم السلام) مراعاة الاتّحاد وعدم الاختلاف مهما أمكن، فهذا الجمع أيضاً لا سبيل إليه بوجه.
رابعها: حمل أخبار الحمرة على الاستحباب والفضيلة(3).
ويدفعه: أنّ هذا تصرّف في ظواهر تلك الأخبار من غير دلالة، مع أنّه لا يناسب فضيلة أوّل الوقت وشدّة العناية بالإتيان بجميع الصلوات في أوّل أوقاتها، خصوصاً صلاة المغرب على ما عرفت، ومع وقوع أكثرها في مورد السؤال عن أوّل وقت المغرب، وعدم وقوعها بلسان الأمر الذي يسهّل حمله على الاستحباب، بل بلسان آخر لا يلائم مع هذا الحمل أصلاً، فراجع.
- (1) اُنظر نهاية التقرير 1: 133 ـ 134.
- (2) في ص171.
- (3) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري (قدس سره) : 14، وقد حكاه عنه في نهاية التقرير 1: 134.
( صفحه 187 )
ثمّ إنّه لو لم يمكن الجمع بين الأخبار بحيث يخرجها عن موضوع المتعارضين، ووصلت النوبة إلى إعمال قواعد التعارض، فنقول:
موافقة أخبار الحمرة مع الشهرة الفتوائيّة المحقّقة(1) ترجّحها(2) على أخبار الاستتار، والظاهر عدم ثبوت الشهرة للفتوى بالاستتار; وإن عرفت(3) أنّ تعبير المحقّق (قدس سره) يشعر بثبوتها; وذلك لعدم ثبوت الشهرة بمجرّد فتوى جماعة قليلة خصوصاً مع دعوى الإجماع(4) على خلافها كثيراً، ومع كونه شعاراً للشيعة ومزيّة لهم يعرفها المخالف والمؤالف.
ولو أبيت إلاّ عن وجود الشهرة في كلا الطرفين، غاية الأمر أشهريّة أحد القولين، فنقول:
مخالفة أخبار الحمرة للعامّة، وموافقة أخبار الاستتار لهم توجب الأخذ بالاُولى وطرح الثانية، خصوصاً في مثل هذه المسألة التي كانت ضروريّة عند سائر الفرق، وكان اعتقادهم أنّ ذلك مأثوراً من النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وأنّ عمله كان كذلك دائماً. وعليه: فلامجال إلاّ لحمل أخبار الاستتار على التقيّة.
ثمّ إنّه حكي عن المحقّق الوحيد البهبهاني (قدس سره) أنّه استدلّ على عدم اشتراط ذهاب الحمرة، وأنّ الاعتبار إنّما هو بالاستتار بأنّه لو اعتبرت الحمرة المشرقيّة من حيث دلالتها على تحقّق الغروب، لاعتبرت الحمرة المغربيّة من حيث دلالتها على الطلوع بالنسبة إلى صلاة الصبح، وحينئذ يلزم أن يكون
- (1) تقدّم تخريجها في ص162.
- (2) تقدّم تخريجه في ص25.
- (3) في ص162.
- (4) السرائر 1: 195 ـ 196، المعتبر 2: 51، ولاحظ أيضاً جواهر الكلام 7: 183 ـ 184.
( صفحه 188 )
الإتيان بصلاة الصبح بعد ظهور الحمرة في ناحية المغرب، وقبل ظهور القرص من ناحية المشرق إتياناً بها في غير وقتها، مع أنّ المعلوم خلاف ذلك; للاتّفاق على وقوعها في وقتها لو أتى بها كذلك(1).
وأجاب عنه في الجواهر بوجوه أربعة:
الأوّل: أنّه قد التزم بذلك في ناحية الطلوع بعض الأصحاب، كالشهيد الثاني (قدس سره) في المقاصد العلّية(2)، وصاحب كشف اللثام(3).
ويدلّ عليه رواية دعائم الإسلام عن الصادق (عليه السلام) : أنّ آخر الوقت أن يحمرّ اُفق المغرب(4).
وكذلك عبارة فقه الرضا (عليه السلام) ، حيث قال: آخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في اُفق المغرب(5).
الثاني: إمكان الفرق بين الحمرتين، خصوصاً بعد قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة(6): «إنّ المشرق مطلّ على المغرب»; أي مشرف عليه; فإنّ ظاهره إشراف المشرق وارتفاعه بالنسبة إليه، وحينئذ فظهور الحمرة في جانب المغرب لا يدلّ على طلوع الشمس، بخلاف زوالها في ناحية المشرق; فإنّه يدلّ على الغروب.
- (1) الحاشية على مدارك الأحكام 2: 305.
- (2) المقاصد العليّة: 178 ـ 179.
- (3) كشف اللثام 3: 51.
- (4) دعائم الإسلام 1: 139، وعنه مستدرك الوسائل 3: 138، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب20 ح3205.
- (5) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام) : 104، وعنه مستدرك الوسائل 3: 137، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب20 ح3204.
- (6) في ص170.