( صفحه 170 )
في سائر الأراضي المتساوية بعد إذا اختلفتا في دقائق متعدّدة.
وبالجملة: فإن كان المذكور في الرواية بيان التلازم بين ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق، وبين غروب الشمس بنحو الإطلاق الظاهر في أرض المصلّي، لكان للحمل المذكور مجال. وأمّا مع فرض كون أحد الطرفين غروب الشمس من شرق الأرض وغربها، فلا يبقى موقع لما أفاده أصلاً.
هذا، مع أنّه لو كان المدار على سقوط القرص في أرض المصلّى، لما كان لجعل الأمارة حاجة; فإنّ تشخيص ارتفاع الحمرة عن نقطة المشرق ليس بأهون وأسهل من تشخيص سقوط القرص واستتاره، وكما يمكن ابتلاؤه بحاجب من جبل وطلّ ونحوهما، يمكن ابتلاؤه به أيضاً، خصوصاً مع أنّ نقطة المشرق مجهولة عند الغروب نوعاً، وكون المشرق مطلاًّ على المغرب لا يثبت إلاّ الملازمة المذكورة، ولا دلالة له على أسهليّة تشخيص ارتفاع الحمرة عن سقوط القرص.
وبالجملة: فتفسير الرواية بالنحو المذكور لا سبيل إليه أصلاً، بل الرواية ناظرة إلى القول المشهور.
ومنها: مرسلة علي بن أحمد بن أشيم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، وتدري كيف ذلك؟ قلت: لا، قال: لأنّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا، ورفع يمينه فوق يساره، فإذا غابت هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا(1).
- (1) الكافي 3: 278 ح1، تهذيب الأحكام 2: 29 ح83 ، الاستبصار 1: 265 ح959، علل الشرائع: 349 ب60 ح1، وعنها وسائل الشيعة 4: 173، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح3.
( صفحه 171 )
ولا مجال للإيراد على الاستدلال بها بمثل ما اُورد على الرواية السابقة; فإنّها وإن كانت مشتملة على لفظ «المشرق» من دون تعرّض للجانب والناحية وأشباههما، إلاّ أنّ ظهور اللفظ في المشرق العرفي الذي هو الطرف والسمت لا ينبغي إنكاره أصلاً.
فالمراد هو خلوّ ناحية المشرق من الحمرة وذهابها عنها، والتعليل المذكور في الذيل، الراجع إلى كرويّة الأرض وإشراف المشرق على المغرب، يكون الأنسب به هو ذهاب الحمرة بالمعنى المشهور، وإلاّ فالغروب بالمعنى الذي اختاره غيرهم لايلائم مع الكرويّة; لملائمته مع غيرها، كما لا يخفى، لكنّ الرواية مرسلة كما عرفت، ولا يجوز الاعتماد عليها في نفسها.
ومنها: مرسلة ابن أبي عمير عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقّد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمـّة الرأس إلى ناحية المغرب، فقد وجب الإفطار وسقط القرص(1).
وفي سندها سهل بن زياد وقد اشتهر أنّ الأمر فيه سهل، ومع قطع النظر عنه فلايكون مجال للمناقشة فيه; لاعتبار مراسيل ابن أبي عمير.
ودعوى عدم كونها مرسلة لابن أبي عمير، وإنّما هي مرسلة الراوي الذي نقلها عن ابن أبي عمير ولم يذكر الراوي الأخير نسياناً أو لداع آخر(2).
- (1) الكافي 3: 279 ح4، وج4: 100 ح1، تهذيب الأحكام 4: 185 ح516، وعنهما وسائل الشيعة 4: 173، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح4.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 244 ـ 245، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 172.
( صفحه 172 )
مدفوعة بأنّ الملاك في اعتبار مراسيله هو: أنّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة، فكما أنّه لا يرسل إلاّ عن ثقة، كذلك لا يروي إلاّ عنه.
قال الشيخ (قدس سره) في محكيّ كتاب العُدّة: سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمد بن أبي نصر (البزنطي)، وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثَق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم(1).
وأمّا المناقشة في دلالتها; من جهة أنّ مدلولها غير مطابق لما هو المشاهد بالوجدان; لأنّ من نظر إلى المشرق عند الغروب رأى أنّ الحمرة قد ارتفعت من ناحيته، ثمّ زالت وحدثت حمرة اُخرى في ناحية المشرق، فالحمرة المشرقيّة تنعدم عند الغروب وتحدث حمرة اُخرى، مع أنّ الرواية مصرّحة بأنّ تلك الحمرة باقية سارية من المشرق إلى المغرب(2).
فمدفوعة ـ مضافاً إلى منع كون الحمرة المغربيّة حمرة اُخرى حادثة بعد انعدام الحمرة المشرقيّة، بعد كون الحمرة مطلقاً أثراً تابعاً للشمس تذهب تدريجاً وتنتفي عقيب سقوطها كذلك ـ بعدم دلالة الرواية إلاّ على تجاوز الحمرة المشرقيّة من قمـّة الرأس إلى ناحية المغرب، ولا يستفاد منها بوجه أنّه بعد التجاوز منها هل تكون هي الباقية الظاهرة في ناحية المغرب، أو أنّها
- (1) عُدّة الاُصول 1: 154.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 245، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 172 ـ 173.
( صفحه 173 )
تنعدم وتحدث حمرة اُخرى، كما لا يخفى.
كما أنّ المناقشة في دلالتها أيضاً بأنّه إن اُريد بالسقوط في قوله (عليه السلام) : «سقط القرص» سقوطه عن الأنظار ودخولها تحت الاُفق الحسّي، فلا ترتّب بين الأمرين أبداً; لأنّ سقوطه إنّما يتحقّق قبل ذهاب الحمرة المشرقيّة بعشر دقائق، أو اثنتا عشر دقيقة، وإن اُريد به معنى آخر كسقوطه عن الاُفق الحقيقي، فهو أمر مبهم لا طريق لنا إلى مشاهدته، ولم يدلّنا عليه شيء من الكتاب والسنّة(1).
مدفوعة بأنّ السقوط عن الاُفق الحسّي لم يكن يحتاج إلى البيان، وقد عرفت أنّه لا حاجة إلى جعل ذهاب الحمرة من نقطة المشرق أمارة عليه، بل المراد هو السقوط بالمعنى الآخر المحتاج إلى البيان، وقد دلّتنا عليه السنّة التي منها هذه الرواية، فهي من حيث الدلالة تامّة.
ومنها: رواية أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أيّ ساعة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوتر؟ فقال: على مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب(2).
والمناقشة في سندها باعتبار إسماعيل بن أبي سارة، مدفوعة بأنّه قد روى عنه ابن أبي عمير كما في محكيّ الوافي(3)، وقد مرّ أنّه لا يروي إلاّ عن ثقة، كما أنّ الإيراد على دلالتها بأنّه لو كان الوقت مذكوراً قبل صلاة المغرب، بحيث كانت هكذا «إلى وقت صلاة المغرب» لدلّت الرواية على وجود فصل زمانيّ
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 245 ـ 246، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 173.
- (2) الكافي 3: 448 ح24، وعنه وسائل الشيعة 4: 174، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح5.
- (3) الوافي 7: 314 ح5989.
( صفحه 174 )
بين غروب الشمس، وبين وقت صلاة المغرب، ولكنّ الوقت غير مذكور قبلها، فغاية مفادها حينئذ أنّ نفس صلاة المغرب والإتيان بها كان متأخّراً عن الاستتار، وأنّه (صلى الله عليه وآله) لم يكن يأتي بها عنده، بل يفصل عادة للجماعة والأذان والإقامة(1).
قابل للدفع بأنّه كما لم يكن الوقت مذكوراً في الرواية، كذلك لا تعرّض لها لفصل النبيّ (صلى الله عليه وآله) بين الغروب، وبين صلاة المغرب، بل المذكور فيها هو الفصل بينه، وبينها مطلقاً، وهو لا يتمّ إلاّ بعد ثبوته بينهما بالإضافة إلى كلّ أحد ولو من أراد الصلاة منفرداً، وقد حصل المقدّمات قبل الوقت، كما هو ظاهر، فهذه الرواية سليمة من حيث السند والدلالة.
ومنها: صحيحة بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله سائل عن وقت المغرب؟ فقال: إنّ الله ـ تعالى ـ يقول في كتابه لإبراهيم: (فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي)(2)، فهذا أوّل الوقت، وآخر ذلك غيبوبة الشفق، وأوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، وآخر وقتها إلى غسق الليل; يعني نصف اللّيل(3).
وقد اُورد على الاستدلال بها بأنّ الأنجم قد ترى قبل ذهاب الحمرة
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 246 ـ 247، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 173.
- (2) سورة الأنعام 6: 76.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 30 ح88 ، الاستبصار 1: 264 ح953، الفقيه 1: 141 ح657، وعنها وسائل الشيعة 4: 174، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح6.