( صفحه 467 )ليس إلاّ العجز عنها وعدم القدرة عليها، والمفروض ثبوت القدرة بالإضافة إلى صلاة الظهر بالإتيان بجميع المحتملات، وكون صرف القدرة في الصلاة المتقدّمة موجباً لسلبها بالإضافة إلى اللاّحقة المتأخّرة لا يسوّغ صرفها فيها ولا التخيير بين الأمرين; فإنّ التكليف الفعلي بالصلاة إلى القبلة الواقعيّة بالنسبة إلى الظهر لا يكون له مانع، فلا مجال لعدم رعايتها فيها، وليس ذلك لأجل ترتّب الثانية على الاُولى، واشتراط وقوعها في صحّتها، بل لأجل ثبوت التكليف الفعلي بالإضافة إلى الاُولى.
ألا ترى أنّه لو كان الشخص غير قادر على مراعاة القبلة مثلا في إحدى الصلاتين، كالظهر والمغرب; بمعنى أنّه لا يقدر على مراعاتها في كلتيهما، بل يتمكّن من حفظها في خصوص إحداهما، فهل يجوز له أن يراعي القبلة في الصلاة اللاّحقة دون السابقة؟ مع أنّ المغرب لا تكون مترتّبة على الظهر.
غاية الأمر أنّ الترتّب في المقام اقتضى تكليف الصلاة السابقة ولزوم رعايته أوّلا، فالتكليف الفعلي الثابت مع فرض القدرة يجب أن يراعى بجميع الخصوصيّات، ولا يسوغ ترك البعض رعايته في تكليف آخر، كما لايخفى.
هذا، ويمكن أن يقال في وجه تخيير العروة: إنّه حيث لم يثبت من الأدلّة أنّ الوقت الاختصاصي للعصر هل هو مقدار صلاة الفريضة بنفسها، أو مقدارها بمقدّماتها العلميّة، فاللاّزم هو الحكم بالتخيير; لدوران الأمر بين تعيّن النقص على الاُولى، وبين تعيّنه على الثانية، فلا مجال لغير التخيير مع عدم ثبوت الرجحان لشيء من الأمرين.
ويدفعه: أنّه مع عدم الاستفادة من الدليل يكون مقتضى الاستصحاب هو
( صفحه 468 )بقاء الوقت الاشتراكي إلى أن يبقى مقدار صلاة الفريضة بنفسها، فيتعيّن حينئذ إيراد النقص على الثانية، فتدبّر.
ومنها: ما إذا كان المكلّف المتحيّر متمكّناً من الصلاة إلى الجوانب الأربعة ولم يأت بها حتّى زال تمكّنه وبقي متمكّناً من إحداها، فالكلام يقع تارة: فيما هو وظيفته فعلا، واُخرى: في وجوب القضاء بعد الوقت، وثالثة: في تحقّق العصيان وعدمه.
أمّا من الجهة الاُولى: فلا ينبغي الإشكال في أنّ وظيفته الفعليّة هو الإتيان بما يتمكّن منه من الصلاة إلى إحدى الجهات، ومرجعه إلى سقوط شرطيّة القبلة في هذا الحال; لما مرّ(1) من عدم مزاحمة شرطيّة القبلة مع الوقت، كما يعلم بالاستقراء والتتبّع في موارد مزاحمة الوقت مع سائر الشروط، بل بعض الأجزاء كسقوط السورة عند ضيق الوقت; فإنّ المستفاد منها أنّ الشارع قد اهتمّ بالوقت، ولم يسقط شرطيّته في صورة المزاحمة مع الشروط الاُخر.
وفي المقام مقتضى ذلك سقوط شرطيّة القبلة مع عدم التمكّن إلاّ من الواحدة; لأنّ الجمع بين وقوع الصلاة في الوقت، واعتبار الاستقبال فيها ممتنع، وأهمّية الوقت توجب الحكم بسقوط شرطيّة القبلة، فلا ينبغي الإشكال حينئذ في أنّ وظيفته الفعليّة هي صلاة واحدة، والقبلة ساقطة عن الشرطيّة.
وأمّا من الجهة الثانية: فالظاهر عدم وجوب القضاء عليه; لأنّه معلّق على الفوت، وهو غير متحقّق; لأنّك عرفت أنّ ضيق الوقت أوجب سقوط
( صفحه 469 )شرطيّة القبلة، فالصلاة الواقعة كانت واجدة لجميع الشروط المعتبرة فيها والخصوصيّات الدخيلة في صحّتها، فلم يتحقّق فوت الواجب حتّى يجب قضاؤه، وليس الحكم بوجوب الواحدة في الوقت لأجل أنّها أحد المحتملات حتى يلزم الإتيان ببقيّة المحتملات خارج الوقت، ويكون الإتيان بالمجموع موجباً للعلم بوقوع الصلاة إلى القبلة، بل لما عرفت من أنّه إنّما هو لأجل سقوط شرطيّة القبلة مع المزاحمة مع شرطيّة الوقت، ومع السقوط لا يبقى مجال للقضاء والإتيان ببقيّة المحتملات أصلا.
وأمّا من الجهة الثالثة: فالظاهر ثبوت العصيان وتحقّق المخالفة العمديّة وإن كان ربما يقال بعدم تحقّق العصيان; نظراً إلى أنّ الأمر قد تعلّق بطبيعة الصلاة، والتخيير بين أفرادها في أجزاء الوقت عقليّ.
ومن المعلوم أنّ الشرائط تختلف باختلاف حالات المكلّف في أجزاء الوقت، ففي حالة وجدان الماء تكون الصلاة مع الطهارة المائيّة مصداقاً لطبيعة الصلاة التي هي المأمور بها، وفي حالة فقدان الماء تكون الصلاة مع الطهارة الترابيّة مصداقاً لها، وفي حالة تمكّن المكلّف من الصلاة إلى القبلة الواقعيّة تكون الصلاة إليها مصداقاً لها، وفي حالة عدم التمكّن تسقط شرطيّة القبلة وتكون الصلاة إلى أيّة جهة مصداقاً لها.
ولكنّ الظاهر ثبوت العصيان; لأنّ العنوانين المتقابلين إذا كانا عرضيّين، كعنواني المسافر والحاضر، فالحكم كما ذكر من أنّه لا يجب على المكلّف حفظ أحد العنوانين بعدم الخروج منه إلى الآخر، بل يجوز التبديل دائماً; سواء كان قبل تحقّق التكليف وتنجّزه أو بعده; لعدم اقتضاء التكليف حفظ موضوعه.
( صفحه 470 )وأمّا إذا لم يكن العنوانان كذلك، بل كانا طوليّين، فلا يجوز الانتقال من العنوان الأوّل إلى الآخر، وذلك كما في مسألة وجدان الماء وفقدانه; فإنّ المستفاد من دليل التيمّم أنّ الانتقال إليه إنّما هو في صورة الاضطرار واللابدّية، ومرجعه إلى عدم كون الصلاة معه وافية بتمام المصلحة المتحقّقة في الصلاة مع الطهارة المائيّة، وكما في المقام; فإنّ سقوط شرطيّة القبلة في مفروض المسألة إنّما هو للعجز وعدم القدرة على رعاية القبلة الواقعيّة، ومن المعلوم أنّه لا يجوز التعجيز اختياراً، لا يسوغ الانتقال إلى العنوان الاضطراري، ولذا حكموا(1) بعدم جواز إراقة ماء الوضوء، وكذا إبطاله وإيجاد حالة العجز، فالعصيان متحقّق في مثل المقام.
ومنها: ما إذا علم المتحيّر ـ بعد الإتيان بمحتملات ما يجب عليه تكراره واعتقاد رعاية الجميع ـ بأنّه لم يأت بجميعها، بل ترك واحداً منها إجمالا أو تفصيلا، كما إذا علم بترك الصلاة إلى جهة الأيسر مثلا، فهل يجب عليه الإتيان بما علم أنّه لم يأت به في الوقت أو بعده، أو لا يجب؟ وجهان:
من جريان قاعدة الفراغ، أو الشكّ بعد الوقت بالنسبة إليه; لأنّه وإن كان عالماً بترك بعض المحتملات، إلاّ أنّه بالإضافة إلى المأمور به الواقعي ـ الذي هي الصلاة إلى القبلة الواقعيّة ـ يكون شاكّاً.
وبعبارة اُخرى: هو شاكّ بعد الفراغ في أنّه هل كان المأتيّ به واجداً للقبلة المعتبرة فيه أم لا؟ فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ، وكذلك يكون شاكّاً بعد
- (1) الحدائق الناضرة 4: 256، مفتاح الكرامة 4: 348، جواهر الكلام 5: 153، العروة الوثقى 1: 331 مسألة 13، مستمسك العروة الوثقى 4: 317 ـ 320.
( صفحه 471 )الوقت في أنّه هل تحقّق منه الصلاة إلى القبلة الواقعيّة أم لا؟ فلا مانع من جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت.
ومن أنّه ليس الفرق بين المقام، وبين ما إذا اقتصر على ثلاثة محتملات عالماً ملتفتاً إلاّ مجرّد تخيّل الإتيان بالجميع واعتقاده في زمان، وهل يكون ذلك فارقاً؟ فإنّه كيف يوجب الاعتقاد به سقوط شرطيّة القبلة على تقدير عدم تحقّقها فيما أتى به من المحتملات؟ ومع عدم السقوط يكون حكم العقل بلزوم إحراز القبلة بالإتيان بالجميع بحاله، من دون أن يحدث فيه فتور أو قصور، ومورد جريان قاعدة الفراغ هو ما إذا شكّ في اشتمال العمل على جميع أجزائه وشرائطه، ومرجعها إلى رفع اليد عن الجزء والشرط المشكوك على تقدير الإخلال به.
وأمّا المقام، فليس فيه إلاّ مجرّد التخيّل والاعتقاد في زمان مع انكشاف خلافه بعده، وكيف يكون ذلك موجباً لسقوط شرطيّة القبلة؟ ومع عدمه لا محيص عن الإتيان بالمحتمل الفائت في الوقت وفي خارجه. غاية الأمر أنّه لو كان معلوماً بالتفصيل لكان اللاّزم الإتيان به بالجهة التي علم بعدم الإتيان بالصلاة إليها، ولو كان معلوماً بالإجمال لكان اللاّزم الإتيان بها إلى أربع جهات; لعدم إحراز تحقّق الاستقبال بدونه.
وعليه: فقد تحقّق منه سبع صلوات لإحراز وقوع صلاة واحدة إلى القبلة.
وفي حكم فوات بعض المحتملات ما إذا علم ببطلان أحد المحتملات من جهة نقصانه لأجل ترك الركن فيه سهواً; فإنّه يجب عليه إعادته في الوقت وبعده; سواء كان ذلك المحتمل معلوماً بالتفصيل، أو معلوماً بالإجمال، غاية