( صفحه 415 )والمذهب، حتّى أنّ الإقرار به يلقّن الأموات فضلا عن الأحياء، كالإقرار بالله تعالى(1). وفي الجواهر: يعرفه الخارج عن الإسلام فضلا عن أهله(2).
ولكنّه هنا روايات تدلّ على مذهب الشيخين ومن تبعهما، بل عقد في الوسائل باباً لذلك، كمرسلة عبد الله بن محمد الحجّال، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنّ الله ـ تعالى ـ جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا(3).
ورواية بشر بن جعفر الجعفي، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: سمعته يقول: البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة للناس جميعاً(4).
ومرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا(5).
ورواية أبي غرّة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : البيت قبلة المسجد، والمسجد قبلة مكّة، ومكّة قبلة الحرم، والحرم قبلة الدنيا(6).
ولكنّها ـ مضافاً إلى ثبوت الضعف أو الإرسال في جميعها عدا مرسلة
- (1) الحاشية على مدارك الأحكام 2: 325.
- (2) جواهر الكلام 7: 518.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 44 ح139، علل الشرائع: 415 ب156 ح2، وعنهما وسائل الشيعة 4: 303، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب3 ح1.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 44 ح140، وعنه وسائل الشيعة 4: 304، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب3 ح2.
- (5) الفقيه 1: 177 ح841 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 304، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب3 ح3.
- (6) علل الشرائع: 318 ح2، وعنه وسائل الشيعة 4: 304، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب3 ح4.
( صفحه 416 )الصدوق، حيث إنّها معتبرة كما مرّ مراراً(1) ـ تكون بينها المعارضة أيضاً; لدلالة ما عدا الأخيرة على ثبوت التثليث في القبلة، وقد زيدت عليها في الأخيرة واحدة، وهي نفس بلد مكّة لمن كان خارجاً عنه وداخلا في الحرم.
وكيف كان، فالظاهر أنّه لا مجال للأخذ بهذه الروايات مع معارضتها للروايات المتكثّرة المتقدّمة، بل للآية الشريفة على ما عرفت(2)، خصوصاً مع ملاحظة ثبوت الشهرة من حيث الفتوى على خلافها، بل يمكن ادّعاء الإجماع على خلاف مضمونها; لاستبعاد أن يفتي مثل الشيخ (قدس سره) الذي عمل بمضمونها في أكثر كتبه(3) بجواز أن يصلّى في الحرم متوجّهاً إلى المسجد على نحو لا يكون مستقبلا للكعبة بوجه; كأن صلّى متوجّهاً إلى زاوية من المسجد، فاللاّزم إمّا طرحها، وإمّا حملها على كون المراد هو اتّساع جهة المحاذاة للبعيد، وثبوت الفرق بينه وبين القريب، كما سيأتي(4) إن شاء الله تعالى.
الثاني: أنّ المراد بالكعبة ليس خصوص البناء وما أحاطه من الفضاء، بل المراد به هو البيت وكلّ ما هو مسامت له من تحت الأرض إلى فوق السماء، وعن المنتهى: لا نعرف فيه خلافاً بين أهل العلم(5)، وعن
- (1) في ص70، 256 و 377.
- (2) في ص407 ـ 408 و 413.
- (3) كالمبسوط 1: 77 ـ 78، والنهاية: 62 ـ 63، والخلاف 1: 295، مسألة 41.
- (4) في ص421 وما بعدها.
- (5) منتهى المطلب 4: 168.
( صفحه 417 )كشف اللثام: أنّه إجماع من المسلمين(1)، ويشهد له مضافاً إلى ذلك روايات.
كرواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله رجل قال: صلّيت فوق أبي قبيس العصر، فهل يجزىء ذلك والكعبة تحتي؟ قال: نعم، إنّها قبلة من موضعها إلى السماء(2).
ورواية خالد بن أبي إسماعيل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يصلّي على أبي قبيس مستقبل القبلة، فقال: لا بأس(3).
ومرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا(4).
والظاهر أنّه ليس المراد ثبوت القسمين للأرض: العليا، والسفلى، وانقسام كلّ واحدة إلى السبع، بل العنوانان إنّما يلاحظان بالإضافة إلى «الأرضين السبع» التي يظهر ثبوتها من بعض الأدعية(5) والروايات(6)، بل ومن الكتاب(7).
- (1) كشف اللثام 3: 138.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 383 ح1598، وعنه وسائل الشيعة 4: 339، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب18 ح1.
- (3) الكافي 3: 391 ح19، تهذيب الأحكام 2: 376 ح1565، وعنهما وسائل الشيعة 4: 339، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب18 ح2.
- (4) الفقيه 2: 160 ح690، وعنه وسائل الشيعة 4: 339، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب18 ح3.
- (5) وسائل الشيعة 2: 459، كتاب الطهارة، أبواب الاحتضار ب38، وج7: 134، كتاب الصلاة، أبواب الدّعاء ب56، بحار الأنوار 81 : 225 ح35، وص233 ح9، وص240 ح26، وج95: 173 ح22، وص199 ح32، وص234 ح29، وص353 ح7، وغيرها.
- (6) وسائل الشيعة 27: 251 ـ 255، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب12 ح5، 12 و 15.
- (7) سورة الطلاق 65: 12.
( صفحه 418 )وعليه: فالمراد بالأرض السابعة العليا هي التي نمشي على مناكبها ونستقرّ فيها، والرواية حينئذ تكون ناظرة إلى أساس البيت وامتداده من التخوم إلى ما نحن فيه، ولا تعرّض لها لامتداده إلى عنان السماء، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرنا لزوم التوجّه إلى نفس الكعبة وما هو مسامت له من الفوق أو التحت، فالصلاة في قعر الأرض أو قعر البحار ممّا لا مانع منه، كما أنّ الصلاة في الطائرات وإن بعدت عن الأرض كثيراً لا مانع عنها أيضاً مع مراعاة الاستقبال. نعم، لو خرج عن كرة الأرض ودخل في كرة اُخرى، كالقمر ونحوه، فالاستقبال إنّما يتحقّق بالتوجّه إلى كرة الأرض، ولا يقدح فيه الاختلاف باعتبار اختلاف جهة كرة الأرض; لأنّ الملاك هو التوجّه إلى الكعبة، وهو لا يتحقّق إلاّ بذلك، كما لايخفى.
ثمّ الظاهر خروج حجر إسماعيل (عليه السلام) من الكعبة، وأنّه لا يكفي التوجّه نحوه وإن وجب إدخاله في الطواف، لكنّه لا ملازمة بين المقام وبين الطواف; وجه الخروج دلالة رواية صحيحة صريحة على ذلك.
وهي رواية معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحجر أمن البيت هو، أم فيه شيء من البيت؟ فقال: لا، ولا قلامة ظفر، ولكن إسماعيل دفن اُمّه فيه، فكره أن يوطأ، فجعل عليه حجراً، وفيه قبور أنبياء (عليهم السلام) (1).
ويظهر من الروايات الكثيرة الاُخر ـ التي جمعها في الوسائل في الباب الثلاثين من أبواب الطواف ـ أنّ خصوصيّة الحجر إنّما هي لأنّ فيه قبر اُمّ إسماعيل، وكذا قبر نفسه، وكذا قبور عذارى بنات إسماعيل، وقبور
- (1) الكافي 4: 210 ح15، وعنه وسائل الشيعة 13: 353، كتاب الحجّ، أبواب الطواف ب30 ح1.
( صفحه 419 )أنبياء (عليهم السلام) ، ويظهر منها عدم كونها من البيت بوجه، ولا خصوصيّة له غير ما ذكره، فالتوجّه إليه لا يجدي.
ولكنّ المحكيّ عن الذكرى أنّ ظاهر الأصحاب أنّ الحجر من الكعبة بأسره(1)، وأنّه قد دلّ النقل على أنّه كان منها في زمن إبراهيم وإسماعيل إلى أن بنت قريش الكعبة، فأعوزتهم الآلات فاختصروها بخذفه، وكذلك كان في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ونقل عنه (صلى الله عليه وآله) الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة، وبذلك احتجّ ابن الزبير حيث أدخله فيها، ثمّ أخرجه الحجّاج بعده إلى ما كان(2)، ولأنّ الطواف يجب خارجه.
وللعامّة خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه، أو بعضه، أو ليس منها، وفي الطواف خارجه(3)، وبعض الأصحاب له فيه(4) كلام أيضاً(5)، مع إجماعنا على وجوب إدخاله في الطواف(6).
ولكن حكي عن كشف اللثام أنّه قال: وما حكاه إنّما رأيناه في كتب العامّة وتخالفه أخبارنا(7).
وكيف كان، لا يبقى مجال لما ذكر مع ثبوت رواية صحيحة صريحة على
- (1) راجع المبسوط 1: 357، والمهذّب 1: 233، وشرائع الإسلام 1: 267.
- (2) صحيح مسلم 2: 790 ـ 794 ب69 ـ 70 ح1333، سنن الترمذي 3: 224 ب47 ح875 ، سنن النسائي 5: 214 ـ 216.
- (3) المغني لابن قدامة 2: 397، الشرح الكبير 2: 397، المجموع 8 : 64، بداية المجتهد 1: 355.
- (4) أي في كون الحجر من الكعبة، لا في وجوب كون الطواف خارج الحجر.
- (5) تذكرة الفقهاء 8 : 86 ـ 87 ، الحدائق الناضرة 16: 104 ـ 109.
- (6) ذكرى الشيعة 3: 169.
- (7) كشف اللثام 3: 129 ـ 130.