( صفحه 161 )
العصر، اختاره المرتضى وابن الجنيد وسلاّر وابن إدريس والعلاّمة وغيرهم(1)، وعمدة منشأ الاختلاف أنّ الروايات(2) الدالّة على ثبوت الوقتين لكلّ صلاة، وكذا الروايات(3) الدالّة على ثبوت وقت مغاير لما تقدّم(4) من الروايات، الظاهرة في الامتداد إلى الغروب، هل يكون مفادها اختلاف الوقتين بلحاظ الإجزاء والفضيلة، أو بلحاظ الاختيار والاضطرار؟ وسيأتي(5) البحث في هذه الجهة مفصّلاً إن شاء الله تعالى، ويأتي(6) أنّ مقتضى التحقيق ما هو الموافق للمشهور; من أنّ الاختلاف إنّما هو بلحاظ الإجزاء والفضيلة، فانتظر.
وعليه: فلا معارض للروايات المتقدّمة الدالّة على الامتداد إلى الغروب بعد حملها على وقت الإجزاء أصلاً.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ آخر وقت العصر هو الغروب، والفرق بينها وبين الظهر إنّما هو في اختصاص مقدار أداء صلاة العصر من آخر الوقت بالعصر،
- (1) مسائل الناصريّات: 89 مسألة 72، غنية النزوع: 69، الوسيلة: 82 ، الجامع للشرائع: 60، مختلف الشيعة 2: 36 ـ 42 مسألة 4، وحكى عن ابن الجنيد أيضاً في ص36، تذكرة الفقهاء 2: 302 مسألة 26، ذكرى الشيعة 2: 330، كشف اللثام 3: 30، جواهر الكلام 7: 138.
- (2) وسائل الشيعة 4: 119 ـ 122، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب3 ح4، 11 و 13.
- (3) وسائل الشيعة 4: 152 ـ 154، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب9.
- (4) في ص134 ـ 138.
- (5 ، 6) في ص252 ـ 266.
( صفحه 162 )
وخروج وقت الظهر بذلك بالمعنى الذي تقدّم(1) للاختصاص، وعمدة الدليل عليه هي رواية داود بن فرقد المتقدّمة(2).
وقت فريضة المغرب
المقام الثاني في وقت فريضة العشاءين، ويقع الكلام فيه في أمرين:
الأمر الأوّل: في وقت فريضة المغرب، ويقع الكلام فيه من جهتين:
الجهة الاُولى: في وقتها من حيث الابتداء، ونقول:
اتّفقت الاُمّة الإسلاميّة وفقهاء المسلمين جميعاً(3) على أنّ أوّل وقت صلاة المغرب غروب الشمس، إنّما الإشكال والخلاف في أنّ الغروب هل يتحقّق باستتار القرص عن النظر، أو بذهاب الحمرة المشرقيّة وزوالها، فيه قولان: ذهب إلى الأوّل فقهاء غير الإماميّة من أهل السنّة والزيديّة وغيرهم قاطبة(4)، ونسب من أصحابنا إلى الشيخ في المبسوط والصدوق في العلل والفقيه، والسيّد المرتضى، واختاره المحقّق في الشرائع، ومال إليه صاحب المدارك(5)، وإلى الثاني مشهور الإماميّة(6)، ويظهر من المحقّق شهرة
- (1) في ص153 ـ 154.
- (2) في ص140.
- (3 ، 4) الخلاف 1: 261 مسألة 6، المعتبر 2: 40، منتهى المطلب 4: 63، تذكرة الفقهاء 2: 310 مسألة 30، بداية المجتهد 1: 97، المغني لابن قدامة 1: 390 ـ 391، الشرح الكبير 1: 438، المجموع 3: 32 ـ 33 و37، العزيز شرح الوجيز 1: 370.
- (5) المبسوط 1: 74، علل الشرائع: 350 آخر ب60، الفقيه 1: 141 ح655 و 662، كما حكى عن ظاهرهما في جواهر الكلام 7: 179، مسائل الناصريّات: 193، شرائع الإسلام 1: 61، مدارك الأحكام 3: 53.
- (6) تذكرة الفقهاء 2: 310، غاية المرام 1: 117، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 485، مجمع الفائدة والبرهان 2: 21 ـ 22، حبل المتين 2: 50، كفاية الفقه المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 77، جواهر الكلام 7: 183 ـ 184.
( صفحه 163 )
كلا القولين، غاية الأمر أنّ الثاني أشهر(1). ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في الباب.
أمّا ما يدلّ على القول الأوّل فكثيرة جدّاً، ولا بأس بإيراد جملة منها:
كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا زالت الشمس دخل
الوقتان: الظهر والعصر، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان: المغرب والعشاء الآخرة(2).
فإنّ الظاهر أنّ المراد بغيبوبة الشمس هو ما يقابل طلوعها، ومن الظاهر أنّ المراد بطلوع الشمس هو طلوع قرصها الذي هي عبارة عن الدائرة النورانيّة المرئيّة، فالمراد بغروبها هو استتار تلك الدائرة وخفاؤها عن الاُفق، غاية الأمر أنّ الطلوع يتحقّق بكون جزء من القرص مرئيّاً، والغروب لا يتحقّق إلاّ باختفاء جميع أجزائه.
وبالجملة: لو لم يكن في الباب أخبار الاعتبار بذهاب الحمرة لم يكن ريب في كون المراد بالغروب والغيبوبة وما يشابههما من العبارات هو اختفاء القرص، فلايكون في مثل الرواية إجمال، ولا مجال لأن يقال: إنّ معنى غيبوبة الشمس غير معلوم، كما لا يخفى.
ومرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصادق (عليه السلام) : إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء
- (1) شرائع الإسلام 1: 61.
- (2) الفقيه 1: 140 ح648، تهذيب الأحكام 2: 19 ح54، وعنهما وسائل الشيعة 4: 183، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب17 ح1.
( صفحه 164 )
الآخرة إلى انتصاف الليل(1).
ورواية داود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل(2).
ورواية إسماعيل بن مهران قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام) : ذكر أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة، إلاّ أنّ هذه قبل هذه في السفر والحضر، وأنّ وقت المغرب إلى ربع الليل. فكتب: كذلك الوقت، غير أنّ وقت المغرب ضيق، الحديث(3).
ورواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها(4).
ورواية زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة، ومضى صومك، وتكفّ عن
- (1) تقدّمت في ص159.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 28 ح82 ، الاستبصار 1: 263 ح945، وعنهما وسائل الشيعة 4: 184، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب17 ح4.
- (3) الكافي 3: 281 ح16، تهذيب الأحكام 2: 260 ح1037، وعنهما وسائل الشيعة 4: 186، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب17 ح14.
- (4) الكافي 3: 279 ح7، تهذيب الأحكام 2: 28 ح81 ، الاستبصار 1: 263 ح944، وعنها وسائل الشيعة 4: 178، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح16.
( صفحه 165 )
الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً(1).
ومرسلة اُخرى للصدوق قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص(2).
ورواية علي بن الحكم، عمّن حدّثه، عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه سئل عن وقت المغرب؟ فقال: إذا غاب كرسيّها، قلت: وما كرسيّها؟ قال: قرصها، فقلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره(3).
ورواية اُخرى لعبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم(4).
ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي المغرب حين تغيب الشمس حيث يغيب حاجبها(5).
والمراد من قوله (عليه السلام) : «حيث يغيب حاجبها» أنّه حيث إنّ الشمس في آخر اللحظات من الغروب تظهر كالحاجب، فإذا غاب حاجبها فقد سقط القرص
- (1) الكافي 3: 279 ح5، تهذيب الأحكام 4: 271 ح818 ، وج2: 261 ح1039، الاستبصار 2: 115 ح376، وعنها وسائل الشيعة 4: 178، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح17.
- (2) الفقيه 1: 141 ح655، وعنه وسائل الشيعة 4: 179، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح18.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 27 ح79، الاستبصار 1: 262 ح942، أمالي الصدوق: 139 ح137، علل الشرائع: 350 ب60 ح4، وعنها وسائل الشيعة 4: 181، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح25، وفي بحار الأنوار 83 : 56 ح13 وص65 ح30 عن الأمالي والعلل.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 257 ح1023، الاستبصار 1: 263 ح948، وعنهما وسائل الشيعة 4: 182، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح26.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 258 ح1025، الاستبصار 1: 263 ح946، وعنهما وسائل الشيعة 4: 182، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح27.