( صفحه 57 )
وهذه الرواية شاهدة على أنّ المراد بركعتي الفجر متى اُطلقت هي النافلة، ولايحتمل الفريضة.
ورواية أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: ركعتا الفجر من صلاة الليل هي؟ قال: نعم(1).
ورواية البزنطي أيضاً قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : ركعتي الفجر اُصلّيهما قبل الفجر، أو بعد الفجر؟ فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : احش بهما صلاة الليل، وصلّهما قبل الفجر(2).
ورواية علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) : الركعتان اللّتان قبل صلاة الفجر من صلاة الليل هي، أم من صلاة النهار، وفي أيّ وقت اُصلّيهما؟ فكتب (عليه السلام) بخطّه: احشها في صلاة الليل حشواً(3).
ومقتضى هذه الطائفة جواز الإتيان بهما قبل الفجر الكاذب; لشمول إطلاقها لما إذا اشتغل بصلاة الليل بعد الانتصاف بلا فصل، ثمّ أتى بالركعتين كذلك، بل يشمل إطلاقها ما إذا قدّم صلاة الليل لمرض أو سفر أو نحوهما، فيجوز عليه الإتيان بركعتي الفجر بعدها بلا فصل.
كما يدلّ عليه أيضاً رواية أبي جرير بن إدريس، عن أبي الحسن موسى بن
- (1) تهذيب الأحكام 2: 132 ح512، الاستبصار 1: 283 ح1030، وعنهما وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب50 ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 133 ح516، الاستبصار 1: 283 ح1034، وعنهما وسائل الشيعة 4: 265، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب50 ح6.
- (3) الكافي 3: 450 ح35، تهذيب الأحكام 2: 132 ح510، الاستبصار 1: 283 ح1028، وعنها وسائل الشيعة 4: 265، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب50 ح8 .
( صفحه 58 )
جعفر (عليهما السلام) قال: قال: صلِّ صلاة الليل في السفر من أوّل الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر(1).
وبالجملة: لا إشكال في جواز تقديم ركعتي الفجر على الفجر الأوّل، والإحشاء بهما في صلاة الليل وإن وقعت قبله، وقد أفتى بذلك حتّى من ذهب إلى أنّ أوّل وقتهما هو الفجر الأوّل، كالمحقّق(2).
إنّما الإشكال في جواز الإتيان بهما في وقت صلاة الليل قبل طلوع الفجر مع الانفراد وعدم الدسّ; بأن يقتصر على فعلهما منفردتين قبله، ولم يأت بصلاة الليل أصلاً، أو أتى بها مع الفصل بينهما بكثير، وقد صرّح بعض بالجواز(3)، ويظهر من صاحب الوسائل، حيث ذكر في عنوان الباب: «باب استحباب تقديم ركعتي الفجر على طلوعه بعد صلاة الليل بل مطلقاً»(4).
ولكنّ الظاهر عدم الجواز وإن كان يمكن توجيهه بأنّ مقتضى كون ركعتي الفجر مستحبّاً مستقلاًّ، وعنواناً في مقابل صلاة الليل ـ بضميمة ما يدلّ على جواز الإحشاء بهما في صلاة الليل ـ جواز تقديمهما على الفجر الأوّل مطلقاً، كالاقتصار على صلاتي الشفع والوتر، أو على ثمان ركعات صلاة الليل، إلاّ أنّه مع ذلك يكون القدر المتيقّن هي صورة ضمّهما إلى صلاة الليل ودسّهما فيها،
- (1) الفقيه 1: 302 ح1384، وعنه وسائل الشيعة 4: 251، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح6.
- (2) المعتبر 2: 56.
- (3) بل هو ظاهر ابن الجنيد على ما حكى عنه في مختلف الشيعة 2: 57 مسألة 13، كما في مصباح الفقيه 9: 298 ـ 299، ولاحظ التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 364، والمستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 255، ولم نعثر على من صرّح بذلك عاجلاً.
- (4) وسائل الشيعة 4: 263، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، ب50.
( صفحه 59 )
خصوصاً مع أنّ التسمية بنافلة الفجر لا تناسب الإتيان بها قبل الفجر، فلا يستفاد من روايات الإحشاء جواز التقديم في غير صورته.
الثانية: ما تدلّ على أنّ وقتها قبل الفجر:
كرواية زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : الركعتان اللّتان قبل الغداة
أين موضعهما؟ فقال: قبل طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة(1).
وروايته الاُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضاً قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال: قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان، أكنت تطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟ فابدأ بالفريضة(2).
ورواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أوّل وقت ركعتي الفجر؟ فقال: سدس الليل الباقي(3).
ورواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : متى اُصلّي ركعتي الفجر؟ قال: فقال لي: بعد طلوع الفجر. قلت له: إنّ أبا جعفر (عليه السلام) أمرني أن اُصلّيهما قبل طلوع الفجر، فقال: يا أبا محمّد إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم
- (1) الكافي 3: 448 ح25، تهذيب الأحكام 2: 132 ح509، وص336 ح1389، الاستبصار 1: 282 ح1027، وعنها وسائل الشيعة 4: 265، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب50 ح7.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 133 ح513، الاستبصار 1: 283 ح1031، وعنهما وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب50 ح3.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 133 ح515، الاستبصار 1: 283 ح1033، وعنهما وسائل الشيعة 4: 265، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب50 ح5.
( صفحه 60 )
بمرّ الحقّ، وأتوني شكاكاً فأفتيتهم بالتقيّة(1).
الثالثة: ما تدلّ على أنّ وقتها بعد طلوع الفجر:
كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : صلّهما بعدما يطلع الفجر(2).
وصحيحة يعقوب بن سالم البزّاز قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : صلّهما بعد الفجر، واقرأ فيهما في الاُولى (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ)، وفي الثانية (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(3).
ومرسلة إسحاق بن عمّار، عمّن أخبره، عنه (عليه السلام) قال: صلِّ الركعتين ما بينك، وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك، فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر(4).
بناءً على أن يكون المراد بكون الضوء حذاء الرأس هو الإسفار، ولكنّه ممنوع; فإنّ المراد من ذلك هو الفجر الكاذب; لأنّه يطلع على شكل عموديّ لا أفقيّ، كما في الفجر الصادق.
الرابعة: ما تدلّ على التخيير في ركعتي الفجر بين الإتيان بهما قبل الفجر، أو عنده، أو بعده; وهي روايات كثيرة جمعها في الوسائل في الباب الثاني
- (1) تهذيب الأحكام 2: 135 ح526، الاستبصار 1: 285 ح1043، وعنهما وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب50 ح2.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 134 ح523، الاستبصار 1: 284 ح1040، وعنهما وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب51 ح5.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 134 ح521، الاستبصار 1: 284 ح1038، وعنهما وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب51 ح6.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 134 ح524، الاستبصار 1: 284 ح1041، وعنهما وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب51 ح7.
( صفحه 61 )
والخمسين من أبواب المواقيت.
منها: صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ركعتي الفجر؟ قال: صلّهما قبل الفجر، ومع الفجر، وبعد الفجر(1).
وهذه الطائفة الأخيرة شاهدة للجمع بين الطائفتين اللّتين قبلها بالحمل على التخيير; لكونها نصّاً في ثبوت التخيير، وهما ظاهرتان في تعيّن مفادهما من وجوب التقديم، أو التأخير.
هذا، مضافاً إلى أنّ الأمر في الطائفة الدالّة على التقديم غير ظاهر في الوجوب; لوروده في مقام توهّم الحظر; لأنّ بناء العامّة(2) كان على الإتيان بهما بعد الفجر، وحينئذ ربما يتوهّم من هذا البناء لزوم التأخير عنه، فصارت هذه الطائفة بصدد دفع هذا التوهّم، فلا دلالة لها على هذا التقدير على أزيد من مجرّد الجواز.
مع أنّ رواية أبي بصير تدلّ على أنّ الإفتاء بالإتيان بهما بعد الفجر ـ الظاهر في تعيّنه ـ إنّما كان للتقيّة، فالحكم الواقعي حينئذ عدم التعيّن وجواز الإتيان قبله أيضاً.
وربما يقال(3) في وجه الجمع; بأنّ المراد من الفجر في الطائفة الدالّة على وجوب التقديم هو الفجر الصادق، وفي الطائفة الدالّة على وجوب التأخير هو الفجر الكاذب.
- (1) تهذيب الأحكام 2: 134 ح522، الاستبصار 1: 284 ح1039، وعنهما وسائل الشيعة 4: 268، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب52 ح3.
- (2) تذكرة الفقهاء 2: 319 ـ 320، مسألة 40، المجموع 4: 14، المغني لابن قدامة 1: 765.
- (3) راجع نهاية التقرير 1: 204.