( صفحه 119 )
كما لايخفى.
وكيف كان، فلابدّ من البحث في كلّ واحد من العناوين المذكورة هنا في كلامهم، أو في الروايات مستقلاًّ، فنقول:
منها: المسافر، والكلام فيه تارة: في أصل مشروعيّة التقديم فيه في الجملة في مقابل الحلّي، واُخرى: في دائرة المشروعيّة سعةً وضيقاً، وثالثة: في عنوان التقديم، وأنّه هل يكون أداءً بحيث كان الوقت بالإضافة إلى المسافر أوسع، أو لا يكون إلاّ تعجيلاً، الذي هو عنوان ثالث في مقابل عنواني الأداء والقضاء، ومرجعه إلى الإتيان بالموقّت قبل وقته.
أمّا ما يدلّ على المشروعيّة، فروايات مستفيضة:
منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل، أو كانت بك علّة، أو أصابك برد، فصلِّ وأوتر في أوّل الليل في السفر، ولولا أنّه رواها الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبي بنفس هذه الكيفيّة(1)، لكان يحتمل أن يكون قيد «في السفر» زائداً من كلام الصدوق; نظراً إلى ما اعتقده في هذا الباب من أنّ كلّما روي من الإطلاق في صلاة الليل من أوّل الليل فإنّما هو في السفر; لأنّ المفسّر من الأخبار يحكم على المجمل.
مضافاً إلى ما يظهر من دأبه، وإلى أنّ الحكم لو كان معلّقاً على السفر بحيث كان عنوانه هو الركن في موضوعه، لكان مقتضى القاعدة ذكره في أوّل الكلام قبل بيان القيد; لأنّه لا وجه لتأخير ذكر المطلق عن بيان القيد، فتدبّر.
( صفحه 120 )
ومنها: ما رواه أيضاً بإسناده عن علي بن سعيد أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة الليل والوتر في السفر من أوّل الليل؟ قال: نعم(1).
ومنها: ما رواه أيضاً بإسناده عن أبي جرير بن إدريس، عن أبي الحسن موسى ابن جعفر (عليهما السلام) قال: قال: صلِّ صلاة الليل في السفر من أوّل الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر(2).
ومنها: غير ذلك من الروايات(3) الدالّة عليه، فلا ينبغي الإشكال في أصل المشروعيّة.
وأمّا دائرة المشروعيّة، فمقتضى كثير من الروايات(4) أنّ الحكم إنّما يكون مترتّباً على عنوان السفر مطلقاً، إلاّ أنّ مقتضى بعضها الآخر ثبوت القيد; وهو الخوف من الفوت في الوقت وشبهه، كرواية الحلبي المتقدّمة، الظاهرة في أنّ مطلق السفر لا يسوّغ التقديم.
وصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران في حديث قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة بالليل في السفر في أوّل الليل؟ فقال: إذا خفت الفوت في آخره(5).
ورواية اُخرى للحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة الليل والوتر في أوّل الليل في السفر إذا تخوّفت البرد وكانت علّة؟ فقال: لا بأس، أنا أفعل
- (1) الفقيه 1: 289 ح1316، تهذيب الأحكام 2: 169 ح670، الاستبصار 1: 280 ح1018، وعنها وسائل الشيعة 4: 250، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح4.
- (2) الفقيه 1: 302 ح1384، وعنه وسائل الشيعة 4: 251، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح6.
- (3 ، 4) وسائل الشيعة 4: 249، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44.
- (5) تهذيب الأحكام 3: 233 ح606، وعنه وسائل الشيعة 4: 251، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح7.
( صفحه 121 )
إذا تخوّفت(1).
بناءً على كون المراد من قوله (عليه السلام) : «أنا أفعل إذا تخوّفت» في السفر، كما هو الظاهر بلحاظ كونه مذكوراً في السؤال، كما أنّه بناءً على التقدير الآخر أيضاً يكون مفاده عدم كون السفر تمام الموضوع، ولابدّ من وجود التخوّف بل هو الملاك، فتدبّر.
وأمّا ما يدلّ على الجهة الثالثة; فهي رواية سماعة بن مهران أنّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن وقت صلاة الليل في السفر؟ فقال: من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصبح(2).
فإنّها ـ بلحاظ كون السؤال فيها عن الوقت، الظاهر في الوقت الأدائي، وبلحاظ اشتمال الجواب على كون المنتهى هو انفجار الصبح، وهو لا يلائم مع التعجيل ـ تدلّ على أنّ التقديم للمسافر لا ينطبق عليه عنوان التعجيل، بل عمله واقع في الوقت، وأنّه بالنسبة إليه أوسع من الحاضر.
والوجه في جعل المبدأ حين تصلّي العتمة ليس إخراج أوّل الليل عن الوقت، بل هو: أنّ القاعدة العمليّة تقتضي التأخير عن صلاة العشاء الآخرة; لأنّه لا داعي إلى تقديمها عليها، ويحتمل أن يكون لأجل عدم تحقّق التطوّع في وقت الفريضة.
وبالجملة: لا إشكال في دلالتها على توسعة الوقت بالإضافة إلى المسافر.
- (1) الاستبصار 1: 280 ح1017، تهذيب الأحكام 2: 168 ح664، وج3: 228 ح580، الكافي 3: 441 ح10، وعنها وسائل الشيعة 4: 251، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح8 .
- (2) تقدّمت في ص72.
( صفحه 122 )
هذا كلّه في عنوان المسافر.
ومن العناوين: الليالي القصار، ويستفاد من الوسائل أنّ الروايات الدالّة على هذا العنوان ثلاث، مع أنّ الظاهر كونها اثنتين; لأنّه نقل الرواية الاُولى من الباب الرابع والأربعين من المواقيت بهذه الكيفيّة:
محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبد الله بن مسكان، عن ليث المرادي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار، صلاة الليل في أوّل الليل؟ فقال: نعم، نعم ما رأيت، ونعم ما صنعت; يعني في السفر. قال: وسألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد، فيعجّل صلاة الليل والوتر في أوّل الليل؟ فقال: نعم، ثمّ قال: ورواه الشيخ أيضاً بإسناده عن عبد الله بن مسكان مثله إلى قوله: «صنعت»(1).
ونقل الرواية السادسة عشر من الباب المذكور هكذا: محمد بن الحسن بإسناده عن صفوان، عن ابن مسكان عن ليث قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار، صلاة الليل في أوّل الليل؟ فقال: نعم، نعم ما رأيت، ونعم ما صنعت، ثمّ قال: ورواه الصدوق بإسناده عن عبد الله بن مسكان مثله(2).
ومن المعلوم اتّحاد الروايتين وعدم كونهما متعدّداً. وعليه: يتّضح أنّ قوله: «يعني في السفر» في النقل الاُولى إنّما هو من إضافة الصدوق وتفسيره،
- (1) الفقيه 1: 302 ح1382 و 1383، تهذيب الأحكام 2: 118 ح446، الاستبصار 1: 279 ح1014، وعنها وسائل الشيعة 4: 249، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 168 ح668، الفقيه 1: 302 ح1382، وعنهما وسائل الشيعة 4: 253، أبواب المواقيت ب44 ح16، وفي التهذيب: اُصلّي بدل «صلاة الليل».
( صفحه 123 )
ومنشؤه ما مرّ(1) منه من أنّ كلّما روي من الإطلاق في صلاة الليل أوّل الليل فإنّما هو في السفر; والدليل عليه خلوّ نقل الشيخ من هذه الزيادة، وكذا خلوّ نقل الصدوق أيضاً عنها، على ما حكاه في الوسائل بعد نقل الرواية الثانية عن الشيخ.
وعلى ما ذكر فالرواية تدلّ على أنّ التقديم في الليالي القصار ممّا لا مانع منه، ولا وجه لتفسيره بالسفر، كما صنعه الصدوق.
ويدلّ عليه أيضاً ما رواه يعقوب الأحمر قال: سألته عن صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار في أوّل الليل؟ قال: نعم، نعم ما رأيت، ونعم ما صنعت، ثمّ قال: إنّ الشابّ يكثر النوم، فأنا آمرك به(2).
وربما يستفاد من ذيل الرواية الأخيرة أنّ الملاك في جواز التقديم في الليالي القصار هي غلبة النوم وكثرته، وتؤيّده مناسبة الحكم والموضوع، فمجرّد قصر الليل من حيث هو لا يجدي في جواز التقديم، بل بلحاظ كثرة النوم وصعوبة القيام لأجل صلاة الليل، فلو فرض عدم الصعوبة للعادة أو غيرها لا يجوز التقديم.
كما أنّ الظاهر من الروايات الثلاثة أو الروايتين: أنّ جواز التقديم ليس من باب جواز التعجيل، وعدم كونها في أوّل الليل أداءً، بل اشتراكها من هذه الجهة مع الصلاة الواقعة بعد الانتصاف وإن لم يكن ظهورها في هذه الجهة
- (1) في ص119.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 168 ح669، وعنه وسائل الشيعة 4: 254، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح17.