( صفحه 157 )
عدم صلاحيّة أدلّة الاختصاص للمرجعيّة، بل هما متبائنان; لورودهما معاً في مقام التحديد للوقت، فإذا جمع بينهما بحمل أدلّة الاشتراك على ما يوافق الاختصاص، فإذا فرض قصور أدلّة الاختصاص عن شمول المورد كانت أدلّة الاشتراك كذلك، وكان المرجع الأصل(1).
ففيه: ما عرفت من أنّ النسبة بين دليل الاختصاص وأدلّة الاشتراك هي النسبة بين دليل المقيّد والمطلق، فإذا فرض قصور دليل التقييد عن الشمول، فلا محالة يكون دليل المطلق مرجعاً.
بقي الكلام بعد ثبوت أصل الاختصاص في مقداره، وأنّه هل المدار على مقدار أربع ركعات مطلقاً حضراً وسفراً، كما هو مقتضى الجمود على ظاهر لفظة الأربع، الواردة في رواية ابن فرقد(2) مطلقاً، أو أنّ المدار على مقدار أداء الظهر بحسب الوظيفة الفعليّة للمكلّف ولو كان ركعتين أو أقلّ منهما، كما إذا وقعت الظهر ببعض أجزائها في الوقت; نظراً إلى أنّ لفظة الأربع الواردة في الرواية واردة مورد الغالب، والمراد بها هو الإتيان بالظهر، وقد كنّي بها عنه.
ويدلّ عليه قوله (عليه السلام) في بعض الروايات: ليس بين الظهر والعصر حدّ(3)، مضافاً إلى ظهور أخبار الاشتراك(4) في جواز الإتيان بالعصر بمجرّد الفراغ عن الظهر، ولاينافي ذلك لزوم رفع اليد عنها بالإضافة إلى أصل
- (1) مستمسك العروة الوثقى 5: 36 ـ 37.
- (2) تقدّمت في ص140.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 255 ح1013، وعنه وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب4 ح4، وفيهما: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : بين الظهر والعصر حدّ معروف؟ فقال: لا».
- (4) تقدّمت في ص134 ـ 135 و 139.
( صفحه 158 )
الاختصاص; فإنّ دليل الاختصاص وإن كان من جهة الدلالة على أصله أقوى، إلاّ أنّ ظهور أخبار الاشتراك فيما ذكرنا أقوى من ظهور رواية الاختصاص في كون الأربع لها موضوعيّة، كما لا يخفى، والظاهر هو هذا الوجه.
ثمّ الظاهر أنّ الملاك هي صلاة المكلّف بحسب حاله من جهة البطء والسرعة في القراءة والحركات، ومن جهة الاشتمال على المستحبّات وعدمه، ولا محذور في اختلاف الوقت المختصّ بالإضافة إلى أفراد المكلّفين من هذه الجهة أصلاً.
نعم، يقع الكلام في أنّ المراد هل هو مقدار أداء نفس الصلاة مع قطع النظر عن الشرائط التي يفقدها المكلّف، كالطهارة عن الحدث والخبث مثلاً، أو أنّ المراد مقدار ما يلزمه أداء الفريضة الفعليّة على المكلّف بما لها من الشرائط، كما يظهر من الجواهر(1)، ونسبه إلى ظاهر النصّ(2) والفتوى(3)، مع الاعتراف بوقوع التعبير بمقدار أداء أربع ركعات في كلمات الغالب.
والظاهر هو الأوّل; لظهور دليل الاختصاص في كون العبرة على مقدار خصوص الفريضة لا تحصيل مقدّماتها أيضاً; فإنّ ظاهر قوله (عليه السلام) في رواية داوود ابن فرقد(4): «مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات» هو كون العبرة بمقدار نفس الصلاة من دون إشعار له بالمقدّمات، كما أنّ قوله (عليه السلام) : «إلاّ
- (1) جواهر الكلام 7: 152.
- (2) كالروايات المشار إليها في الصفحة السابقة.
- (3) جامع المقاصد 2: 16 و 24، الروضة البهيّة 1: 177، مدارك الأحكام 3: 35.
- (4) تقدّمت في ص140.
( صفحه 159 )
أنّ هذه قبل هذه»(1)، بناءً على دلالته على القبليّة من حيث الوقت، يكون مفاده وقوع نفس صلاة الظهر في ظرف خاصّ به.
نعم، مرسلة الصدوق الواردة في الوقت المختصّ بالمغرب لا تخلو من ظهور في كون المراد هي الصلاة مع جميع الخصوصيّات المعتبرة فيها من الأجزاء والشرائط; وهي قوله:
قال الصادق (عليه السلام) : إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة، وإذا صلّيت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل(2).
فإنّ تعليق دخول وقت العشاء على تحقّق صلاة المغرب في الخارج مشعر، بل له ظهور ما في كون المدار على صلاة المغرب بجميع شرائطها، ولكن لابدّ من حملها على كون المراد هو مقدار أداء صلاة المغرب; ضرورة دخول وقت العشاء بذلك وإن لم تتحقّق صلاة المغرب خارجاً. وعليه: فلا دلالة لها على ذلك أصلاً.
هذا تمام الكلام في وقت فريضة الظهرين من حيث المبدأ.
وأمّا من حيث المنتهى، فالكلام تارة: في الظهر، واُخرى: في العصر، أمّا في الظهر، فقد اختلفت الاُمّة في آخر وقتها، ويظهر من العامّة أقوال أربعة:
أحدها: أنّ آخر وقت الظهر هي صيرورة ظلّ كلّ شيء مثله.
ثانيها: أنّ آخر وقت الظهر صيرورة الظلّ مثل الشاخص مع مضيّ مقدار
- (1) تقدّم في ص134.
- (2) الفقيه 1: 142 ح662، وعنه وسائل الشيعة 4: 179، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح19 وص184 ب17 ح2.
( صفحه 160 )
أربع ركعات بعده.
ثالثها: ما ذهب إليه أبو حنيفة في الرواية المشهورة; وهو: أنّ آخر وقت الظهر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثليه.
رابعها: امتداد وقت الظهر من حين الزوال إلى غروب الشمس(1).
وأمّا الإماميّة، فالمسألة محلّ خلاف بينهم أيضاً، وأقوالهم ربما ترتقي إلى عشرة، كما حكاها في مفتاح الكرامة، ولكن المهمّ منها أربعة(2).
أحدها: ما ذهب إليه الشيخ في بعض كتبه من أنّ آخر وقت المختار إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله(3).
ثانيها: ما ذهب إليه أيضاً في بعض كتبه من أنّ آخره قدمان، وفي موضع آخر منه أربعة أقدام(4).
ثالثها: ما عن المفيد وابن أبي عقيل من صيرورة الفيء بقدر الذراع الذي هو سبعان من الشاخص(5).
رابعها: ما هو المشهور(6) من بقاء وقته إلى أن يبقى إلى الغروب مقدار
- (1) الاُمّ 1: 72، المغني لابن قدامة 1: 382 ـ 384، الشرح الكبير 1: 430 ـ 431 و434 ـ 436، المجموع 3: 24 ـ 26، أحكام القرآن للجصّاص 3: 251 ـ 256، بداية المجتهد 1: 94، الخلاف 1: 257 ـ 259 مسألة 4، المعتبر 2: 30، تذكرة الفقهاء 2: 302 ـ 305 مسألة 26.
- (2) مفتاح الكرامة 5: 58 ـ 61.
- (3) المبسوط 1: 72، الخلاف 1: 257 ـ 259 مسألة 4.
- (4) النهاية: 59، ولم نعثر على قوله «قدمان». نعم، نسبه إلى ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة 2: 37 مسألة 4.
- (5) المقنعة: 92، وحكى عن ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة 2: 37 مسألة 4.
- (6) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 484، مفاتيح الشرائع 1: 87 مفتاح 97، كشف اللثام 3: 71، الحدائق الناضرة 6: 111، مفتاح الكرامة 5: 134، رياض المسائل 3: 33 ـ 34، جواهر الكلام 7: 129، مصباح الفقيه 9: 100.
( صفحه 161 )
العصر، اختاره المرتضى وابن الجنيد وسلاّر وابن إدريس والعلاّمة وغيرهم(1)، وعمدة منشأ الاختلاف أنّ الروايات(2) الدالّة على ثبوت الوقتين لكلّ صلاة، وكذا الروايات(3) الدالّة على ثبوت وقت مغاير لما تقدّم(4) من الروايات، الظاهرة في الامتداد إلى الغروب، هل يكون مفادها اختلاف الوقتين بلحاظ الإجزاء والفضيلة، أو بلحاظ الاختيار والاضطرار؟ وسيأتي(5) البحث في هذه الجهة مفصّلاً إن شاء الله تعالى، ويأتي(6) أنّ مقتضى التحقيق ما هو الموافق للمشهور; من أنّ الاختلاف إنّما هو بلحاظ الإجزاء والفضيلة، فانتظر.
وعليه: فلا معارض للروايات المتقدّمة الدالّة على الامتداد إلى الغروب بعد حملها على وقت الإجزاء أصلاً.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ آخر وقت العصر هو الغروب، والفرق بينها وبين الظهر إنّما هو في اختصاص مقدار أداء صلاة العصر من آخر الوقت بالعصر،
- (1) مسائل الناصريّات: 89 مسألة 72، غنية النزوع: 69، الوسيلة: 82 ، الجامع للشرائع: 60، مختلف الشيعة 2: 36 ـ 42 مسألة 4، وحكى عن ابن الجنيد أيضاً في ص36، تذكرة الفقهاء 2: 302 مسألة 26، ذكرى الشيعة 2: 330، كشف اللثام 3: 30، جواهر الكلام 7: 138.
- (2) وسائل الشيعة 4: 119 ـ 122، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب3 ح4، 11 و 13.
- (3) وسائل الشيعة 4: 152 ـ 154، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب9.
- (4) في ص134 ـ 138.
- (5 ، 6) في ص252 ـ 266.