( صفحه 212 )
إحداهما: رواية عمر بن حنظلة أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له: زوال الشمس نعرفه بالنهار، فكيف لنا بالليل؟ فقال: لليل زوال كزوال الشمس، قال: فبأيّ شيء نعرفه؟ قال: بالنجوم إذا انحدرت(1).
نظراً إلى أنّه لابدّ من أن يراد بالنجوم النجوم التي تطلع في أوّل الليل وعند الغروب; لأنّها إذا أخذت بالانحدار بعد صعودها وارتفاعها دلّ ذلك على انتصاف الليل لا محالة.
وأمّا النجوم الطالعة قبل الغروب، فلا يكون انحدارها قرينة على الانتصاف; لانحدارها قبله، كما أنّ النجوم الطالعة بعد الغروب تنحدر بعد الانتصاف. ولابدّ من أن يراد بها أيضاً هي التي تدور في مدارات الشمس، حيث إنّ لها مدارات مختلفة.
وإذا كان النجم موافقاً مع الشمس في مداراتها، يكون انحداره كانحدارها علامة للانتصاف والزوال، بخلاف صورة الاختلاف; والوجه في كون الرواية مؤيّدة لا دليلاً هو ضعف السند بعمر بن حنظلة; لعدم توثيقه في الرجال.
ثانيتهما: رواية أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دلوك الشمس زوالها، وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار(2).
وهي أيضاً ضعيفة بأحمد بن عبد الله القروي، وجهالة طريق ابن إدريس إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب، فلا تكون الرواية إلاّ صالحة للتأييد(3).
- (1) الفقيه 1: 146 ح677، وعنه وسائل الشيعة 4: 273، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب55 ح1.
- (2) مستطرفات السرائر: 94 ح7، وعنه وسائل الشيعة 4: 273، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب55 ح2.
- (3) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 269 ـ 271.
( صفحه 213 )
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ المحكي عن الشهيد أنّه وثّق عمر بن حنظلة في شرح الدراية(1)، وروي في الكافي والتهذيب(2) حديثان دالاّن على صدقه وإن كان فيهما مناقشة ـ : أنّ الجواب عن السؤال الأوّل في الرواية الاُولى مضطرب; لأنّ مرجع السؤال إلى مفروغيّة ثبوت الزوال لليل وأنّ محطّ نظر السائل هو طريق معرفته، وأنّه بأي شيء يمكن تشخيصه. وعليه: فالجواب بثبوت الزوال لليل كثبوته للشمس ممـّا لا يكاد ينطبق عليه.
وأمّا حمل النجوم في الجواب الثاني على ما كانت فيه الخصوصيّتان المذكورتان، ـ فمضافاً إلى أنّه لا شاهد لهذا التقييد ـ أنّ تشخيص النجوم الكذائيّة في غاية الإشكال، فكيف يتيسّر تشخيص النجوم الطالعة عند الغروب الدائرة في مدارات الشمس؟
وعليه: فلابدّ إمّا من حمل الرواية على بيان الوقت التقريبي، خصوصاً مع كون منظور السائل هو تشخيص وقت صلاة الليل الداخل بالانتصاف، كما لايخفى، وإمّا من إرجاعها إلى أهله وردّه إليهم; لعدم وضوح مراده، خصوصاً مع اضطراب الجواب عن السؤال الأوّل، كما عرفت.
وأمّا رواية أبي بصير، فغاية مفادها أنّ غسق الليل إنّما هو نصفه، كما أنّ زوال الشمس نصف النهار. وأمّا كون المناط في نصف الليل هو النصف من غروب الشمس إلى طلوعها، فلا دلالة لها عليه أصلاً، كما لا يخفى.
- (1) الرعاية في علم الدراية: 91، مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، منتقى الجمان 1: 19.
- (2) الكافي 3: 275 ح1، تهذيب الأحكام 2: 20 ح56، وعنهما وسائل الشيعة 4: 133، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب5 ح6.
( صفحه 214 )
وقد ظهر من جميع ما ذكرنا أنّه لا شاهد لهذا القول الذي يرجع إلى كون نصف الليل هي الساعة الثانية عشرة بعد زوال الشمس، بل مقتضى الدليل هو ما ذهب إليه المشهور(1).
وذكر صاحب الجواهر أنّه لا ينبغي أن يستريب عارف بلسان الشرع والعرف واللغة، أنّ المنساق من إطلاق اليوم والنهار والليل في الصوم والصلاة، ومواقف الحج، والقسم بين الزوجات، وأيّام الاعتكاف، وجميع الأبواب: أنّ المراد بالأوّلين من طلوع الفجر الثاني إلى الغروب، ومنه إلى طلوعه بالثالث، كما قد نصّ عليه غير واحد من الفقهاء والمفسّرين واللغويّين فيما حكي عن بعضهم.
ثمّ شرع في نقل أقوال جمع من المفسِّرين في الموارد المختلفة، ثمّ استدلّ هو بآيات كثيرة، مثل:
قوله ـ تعالى ـ : (سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(2).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ)(3).
وقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً)(4).
وقوله ـ تعالى ـ : (أَيّام مَعْدُودات)، و(فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّام أُخَرَ)(5).
- (1) تقدّم تخريجه في ص208.
- (2) سورة القدر 97: 5.
- (3) سورة المدّثّر 74: 33 ـ 34.
- (4) سورة يونس 10: 50.
- (5) سورة البقرة 2: 184.
( صفحه 215 )
وقوله ـ تعالى ـ : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ)(1).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذا رَجَعْتُمْ)(2).
وقوله ـ تعالى ـ : (قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً)(3).
وقوله ـ تعالى ـ : (فالِقُ اْلإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً)(4).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ)(5).
وغير ذلك من الآيات التي استدلّ بها وبيّن وجه دلالتها، ثمّ ذكر أنّ المجلسي في البحار(6) قد جمع شطراً من النصوص الدالّة أو المشعرة بذلك، وربما يقرب إلى المائة من كتب متفرّقة، كالكافي والتهذيب والفقيه وفقه الرضا و...(7).
ولا يخفى أنّ بلوغ الرواية في الكثرة إلى مثل هذا الحدّ يغنينا عن ملاحظة السند وأنّه معتبر أم لا; وذلك لثبوت التواتر الإجمالي فيها، ومرجعه إلى العلم الإجمالي بصدور بعضها ولو واحداً، وهو يكفي في مقام الاستدلال، مع أنّ استناد المشهور إليها وموافقتها للآيات الظاهرة في ذلك ممّا يجبر الضعف على
- (1) سورة البقرة 2: 187.
- (2) سورة البقرة 2: 196.
- (3) سورة المزّمّل 73: 2.
- (4) سورة الأنعام 6: 96.
- (5) سورة ق 50: 39 ـ 40.
- (6) بحار الأنوار 83 : 74 ـ 145، كتاب الصلاة ب10.
- (7) جواهر الكلام 7: 355 ـ 375.
( صفحه 216 )
تقديره، فالمناقشة فيها من حيث السند لا مجال لها أصلاً.
كما أنّ احتمال كون الاستعمال في الروايات البالغة ذلك الحدّ استعمالاً مجازيّاً مبنيّاً على المسامحة ورعاية العلاقة ممّا لا يعتنى به عند العقلاء، وكيف يمكن حمل الاستعمال في مائة رواية على المجاز؟ خصوصاً مع كون الاستعمال في معناه الحقيقي ـ على هذا الفرض ـ في غاية الندرة، فالإنصاف أنّ الاستدلال بالكتاب والسنّة خال عن المناقشة، ولا بأس بإيراد بعض الروايات، فنقول:
منها: ما رواه الصدوق باسناده عن يحيى بن أكثم القاضي أنّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات النهار، وإنّما يجهر في صلاة الليل؟ فقال: لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يغلس بها فقرّبها من الليل(1).
ومنها: رواية إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر، قال: مع طلوع الفجر، إنّ الله ـ تعالى ـ يقول: (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً)(2); يعني صلاة الفجر تشهّده ملائكة الليل وملائكة النهار، فإذا صلّى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبت له مرّتين، تثبته ملائكة الليل وملائكة النهار(3).
- (1) الفقيه 1: 203 ح926، علل الشرائع: 323 ب13 ح1، وعنهما وسائل الشيعة 6: 84 ، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة ب25 ح3.
- (2) سورة الإسراء 17: 78.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 37 ح116، الاستبصار 1: 275 ح995، الكافي 3: 282 ح2، علل الشرائع: 336 ب34 ح1، ثواب الأعمال: 57 (ثواب من صلّى الفجر في أوّل الوقت) ح1، وعنها وسائل الشيعة 4: 212، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب28 ح1.