( صفحه 225 )بالفضيلة والإجزاء.
ثانيها: حمل هذه الطائفة على بيان الوقت للمختار، والطائفة الاُولى على بيانه للمضطرّ، بناءً على أنّ اختلاف الوقتين المذكورين إنّما هو بذلك; أي بالاختياريّة والاضطراريّة.
ثالثها: ما قوّاه سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) من حمل هذه الطائفة على التقيّة; لاتّفاق العامّة على عدم جواز الإتيان بالعشاء قبل زوال الشفق، كما عرفت(1)، واستبعد الوجهين الأوّلين; نظراً إلى الروايات الدالّة على أنّ لكلّ صلاة وقتين(2); سواء كان المراد بهما الاختياري والاضطراري، أو الفضيلة والإجزاء; لأنّ مقتضاها أنّ هذا شأن جميع الصلوات بلا فرق بينهما، مع أنّ لازم هذين الوجهين كون العشاء له أوقات ثلاثة.
وأيّد الأخير بما رواه الفريقان عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) من أنّه قال: لولا أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل أو نصفه(3) على الاختلاف; فإنّ المستفاد منه أنّ الإتيان بالعشاء في آخر وقته أفضل، فلا يجوز جعل زوال الحمرة وقت الفضيلة(4).
أقول: ويمكن الإيراد عليه بأنّ الجمع بأحد الوجهين الأوّلين يخرج
- (1) في ص219 ـ 220.
- (2) الكافي 3: 274 ح3 و 4، تهذيب الأحكام 2: 39 ـ 40 ح124 و 125، الاستبصار 1: 244 ح870 و 871 ، وعنها وسائل الشيعة 4: 121 و122، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب3 ح11 و 13.
- (3) سنن ابن ماجة 1: 375 ح691، سنن الترمذي 1: 211 ح167، سنن النسائي 1: 301 ح530، صحيح البخاري 1: 161 ح571، صحيح مسلم 1: 371 ب39 ح225، الكافي 3: 281 ح13، وعنه وسائل الشيعة 4: 186، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب17 ح12 و 13.
- (4) نهاية التقرير 1: 159 ـ 160.
( صفحه 226 )الطائفتين عن عنوان المتعارضين; لأنّ الجمع الدلالي مرجعه إلى إمكان الجمع وثبوت التوافق، فلا يبقى موضوع التعارض، وهذا بخلاف الحمل على التقيّة; فإنّه من أحكام التعارض ومتفرّع على عدم إمكان الجمع.
وبعبارة اُخرى: لا يبقى مجال بعد إمكان الجمع الدلالي بأحد الأوّلين للحمل على التقيّة، الذي مورده ثبوت التعارض وعدم إمكان الجمع. وعليه: فلا وجه لترجيح الوجه الثالث عليهما، بل المتعيّن الالتزام بأحد الأوّلين، فتدبّر.
ويمكن دفع الإيراد بأنّ التأمّل في الطائفة الثانية يقضي بعدم إمكان حملها على بيان وقت الفضيلة; فإنّه كيف يمكن حمل السؤال في رواية عمران بن عليّ الحلبي بقوله: «متى تجب العتمة؟» ـ الظاهر في وقت ثبوت التكليف بالعشاء ـ على كون المراد وقت الفضيلة؟ إذ ليس المذكور هي كلمة «الوقت» حتّى تحمل على كون المراد وقت الفضيلة، بل السؤال إنّما هو عن زمان مجيء التكليف بهذه الفريضة الإلهيّة.
كما أنّ السؤال في رواية بكر بلحاظ كونه مسبوقاً بالسؤال عن وقت صلاة المغرب، والجواب بأنّه «إذا غاب القرص» لا يمكن حمله على وقت الفضيلة، بل الجواب عن السؤال الأوّل بـ «غيبوبة القرص» ربما يشهد على صدوره تقيّة، كما أنّ صحيحة بكر قرائن التقيّة فيها واضحة، وحملها على وقت الفضيلة لا يجتمع مع كونه مسبوقاً بالسؤال عن وقت المغرب والجواب عنه.
نعم، نفس ذلك الجواب بلحاظ الاستشهاد بقوله تعالى، وعدم بيان
( صفحه 227 )ابتداء الوقت بنحو الوضوح، ظاهرة في الصدور تقيّة; وإن كان يبعّد الحمل على التقيّة تعرّض الإمام (عليه السلام) لبيان وقت العشاء الآخرة أوّلاً وآخراً، مع كون مورد السؤال هو وقت المغرب فقط، إلاّ أن يقال: إنّ خصوصيّة الموقعيّة لعلّها كانت مقتضية لشدّة التقيّة، والتعرّض لبيان ما لم يكن مورداً للسؤال أيضاً.
وكيف كان، فالظاهر أنّ حمل هذه الطائفة على بيان وقت الفضيلة لا يجتمع مع تعبيراتها والخصوصيّات الواقعة فيها، كما أنّ حمل الطائفة الاُولى على بيان وقت المضطرّ ممّا لا وجه له مع كثرتها وملاحظة سياقها، كما لايخفى.
وعليه: فيتعيّن الوجه الأخير الذي قوّاه الاُستاذ (قدس سره) ، ومرجعه إلى أنّ أوّل الوقت مطلقاً هو غروب الشمس ومضيّ مقدار صلاة المغرب. وأمّا وقت الفضيلة، فسيأتي(1) التعرّض له إن شاء الله تعالى.
الجهة الثانية: في آخر وقت العشاء، وأقوال علماء العامّة فيه أربعة:
ربع الليل مطلقاً، واختاره إبراهيم النخعي(2).
والتفصيل بين النصف للمختار وطلوع الفجر لغيره، واختاره أبو حنيفة وجماعة(3).
والامتداد إلى الفجر مطلقاً على ما حكي عن ابن عبّاس وعطا وطاووس
- (1) في ص281 ـ 285.
- (2) الشرح الكبير 1: 440، عمدة القاري 4: 88 ، الخلاف 1: 265 مسألة 8 .
- (3) المغني لابن قدامة 1: 393 ـ 394، الشرح الكبير 1: 440، عمدة القاري 4: 88 ، المجموع 3: 41 ـ 42، مغني المحتاج 1: 124، الخلاف 1: 265 مسألة 8 .
( صفحه 228 )ومالك وعكرمة(1).
والامتداد إلى الثلث للمختار والفجر للمضطرّ، ذهب إليه الشافعي في الجديد(2).
وأمّا علماؤنا الإماميّة رضوان الله عليهم أجمعين، فأقوالهم خمسة ظاهراً:
الامتداد إلى النصف مطلقاً، واختاره السيّد وابن إدريس والحلبي وجماعة(3).
وإلى الثلث كذلك على ما حكي عن المفيد والشيخ في أكثر كتبه(4).
وإلى الثلث للمختار والنصف للمضطرّ على ما صرّح به جماعة(5).
وإلى الربع مطلقاً على ما حكي عن ابن أبي عقيل(6).
وإلى الفجر لخصوص المضطرّ على ما اختاره المحقّق في المعتبر(7)، ويظهر
- (1) المغني لابن قدامة 1: 391، الشرح الكبير 1: 440، أحكام القرآن للجصّاص 3: 258، المجموع 3: 37، الخلاف 1: 264 مسألة 8 .
- (2) المغني لابن قدامة 1: 393 ـ 394، الشرح الكبير 1: 440، المجموع 3: 40 ـ 41، عمدة القاري 4: 88 ، مغني المحتاج 1: 124، الخلاف 1: 265 مسألة 8 .
- (3) جوابات المسائل الميافارقيات (رسائل الشريف المرتضى) 1: 274، السرائر 1: 195، الكافي في الفقه: 137، الوسيلة: 83 ، شرائع الإسلام 1: 61، مختلف الشيعة 2: 49 ـ 50 مسألة 8 ، الدروس الشرعيّة 1: 139 ـ 140، وفي ذكرى الشيعة 2: 347 ـ 348، ومسالك الأفهام 1: 139، والحدائق الناضرة 6: 193 ومفتاح الكرامة 5: 97 ـ 98، أنّه المشهور.
- (4) المقنعة: 93، النهاية: 59، الجمل والعقود، المطبوع ضمن الرسائل العشر: 174، الخلاف 1: 265 مسألة 8 ، الاقتصاد: 256.
- (5) تهذيب الأحكام 2: 33 ذح102، الاستبصار 1: 270 ذح976، المبسوط 1: 75، الوسيلة: 83 ، الجامع للشرائع: 60، وفي الكافي في الفقه: 137 «وقت الإجزاء ربع الليل، وآخر وقت المضطرّ نصف الليل».
- (6) حكى عنه في مختلف الشيعة 2: 50 مسألة 8 .
- (7) المعتبر 2: 40 و 43 ـ 44.
( صفحه 229 )من الفقيه(1)، وحكاه الشيخ عن بعض أصحابنا(2).
ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب، ولكنّه لابدّ قبل ملاحظتها من النظر إلى الآية الشريفة ومقدار مفادها; وهي قوله ـ تعالى ـ : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(3)، بعد كون المراد من الغسق هو الانتصاف، بلحاظ كونه زمان شدّة ظلمة الليل، كما عرفت(4).
فنقول: الآية ظاهرة بل صريحة في امتداد وقت العشاء ـ لكونها آخر الصلوات الأربعة التي تكون الآية بصدد بيان أوقاتها، كما دلّت عليه الرواية المعتبرة(5) ـ إلى نصف الليل.
وعليه: فلو كان هناك رواية دالّة على امتداد وقتها إلى الفجر مطلقاً لا يجوز الأخذ بها; لكونها مخالفة للقرآن، ولا يمكن الجمع بينهما بوجه يكون إطلاقها محفوظاً، كما أنّه لو كان هناك رواية دالّة على الامتداد إلى الثلث مطلقاً، أو إلى الربع كذلك، لا يجوز الأخذ بها; لما ذكرنا من عدم إمكان التوفيق بينها، وبين الآية.
كما أنّه لو كان مفاد الرواية الامتداد إلى أحدهما لخصوص المختار لا يسعنا أيضاً الأخذ بها; لعدم إمكان حمل الآية الواردة لإفادة أمر عامّ كلّي على كون موردها للمضطرّ، ومنه يظهر أنّه لا يمكن الجمع بين مثل الرواية والآية،
- (1) الفقيه 1: 233 ذح1030.
- (2) المبسوط 1: 75.
- (3) سورة الإسراء 17: 78.
- (4) في ص206 ـ 208.
- (5) تقدّمت في ص221.