( صفحه 245 )ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي ركعتي الصبح وهي الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً(1).
وأورد بعض الأعلام على الاستدلال بها بقصور دلالتها على عدم جواز الإتيان بصلاة الفجر قبل اعتراض الفجر وإضاءته; لأنّه من الجائز أن يكون استمراره (صلى الله عليه وآله) على الإتيان بها عند الاعتراض مستنداً إلى سبب آخر، لا إلى عدم جواز الإتيان بها قبله(2).
ويدفعه ما عرفت(3) مراراً; من أنّه حيث يكون الحاكي لفعل الرسول (صلى الله عليه وآله) هو الإمام (عليه السلام) ، وكان غرضه من الحكاية بيان الحكم، غاية الأمر بهذه الصورة، لا يبقى مجال لمثل هذا الاحتمال أصلاً.
ومنها: رواية هشام بن الهذيل، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: سألته عن وقت صلاة الفجر فقال: حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء(4).
ومنها: مرسلة الصدوق قال: وروي أنّ وقت الغداة إذا اعترض الفجر فأضاء حسناً، وأمّا الفجر الذي يشبه ذنب السرحان فذاك الفجر الكاذب، والفجر الصادق هو المعترض كالقباطي(5).
والتشبيه بذنب السرحان وهو الذئب إنّما هو لدقّته واستطالته.
- (1) تهذيب الأحكام 2: 36 ح111، الاستبصار 1: 273 ح990، وعنهما وسائل الشيعة 4: 211، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب27 ح5.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 280.
- (3) في ص71.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 37 ح117، الاستبصار 1: 275 ح996، وعنهما وسائل الشيعة 4: 212، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب27 ح6.
- (5) الفقيه 1: 317 ح1441، وعنه وسائل الشيعة 4: 210، كتاب الطهارة، أبواب المواقيت ب27 ح3.
( صفحه 246 )الجهة الثانية: في آخر وقت فريضة الصبح، ولا خلاف بين المسلمين في امتداده إلى طلوع الشمس إجمالاً(1)، وإن وقع الخلاف بينهم في كونه آخر وقت الإجزاء، أو آخر الوقت للمضطرّ، وأنّ آخره للمختار هو طلوع الحمرة المشرقيّة، فذهب إلى الأوّل أبو حنيفة(2)، وهو المعروف بين الأصحاب(3)، وحكي الثاني عن الشيخ وجماعة(4)، بناءً على ما اختاروا من أنّ الفرق بين الوقتين الثابتين لكلّ صلاة إنّما هو بالاختياريّة والاضطراريّة، وبه قال الشافعي وأحمد(5).
والنصوص الكثيرة الواردة في المسألة مختلفة:
منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقت الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً، لكنّه وقت
لمن شغل أو نسي أو نام(6).
- (1) غنية النزوع: 70، السرائر 1: 195، جواهر الكلام 7: 164، بداية المجتهد 1: 99.
- (2) الخلاف 1: 267 مسألة 10، أحكام القرآن للجصّاص 3: 250 ـ 251، المبسوط للسرخسي 1: 288، النتف في الفتاوي: 37 ـ 38.
- (3) المقنعة: 94، الكافي في الفقه: 138، السرائر 1: 195، مختلف الشيعة 2: 52 ـ 53 مسألة 9، جواهر الكلام 7: 262، التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 189.
- وهو المشهور كما في مجمع الفائدة والبرهان 2: 24، والحدائق الناضرة 6: 201، والحاشية على مدارك الأحكام 2: 309 ـ 310، وجواهر الكلام 7: 262.
- (4) الخلاف 1: 267 مسألة 10، النهاية: 59 ـ 60، الوسيلة: 83 ، إصباح الشيعة: 60، وحكى عن ابن أبي عقيل في مختلف الشيعة 2: 52 مسألة 9.
- (5) المجموع 3: 45، الاُمّ 1: 74، بداية المجتهد 1: 99 ـ 100، الإنصاف 1: 438، الخلاف 1: 267 مسألة 10.
- (6) الكافي 3: 283 ح5، تهذيب الأحكام 2: 38 ح121، الاستبصار 1: 276 ح1001، وعنها وسائل الشيعة 4: 207، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب26 ح1.
( صفحه 247 )وربما يستدلّ(1) بها على قول الشيخ (رحمه الله) ; نظراً إلى أنّ كلمة لا ينبغي بمعنى لا يتيسّر ولا يجوز، فالرواية تدلّ على عدم جواز التأخير عن تجلّل السماء بسبب الصبح عمداً، ولكن دلالتها على أنّ الشغل أيضاً يكون موجباً لجواز التأخير لا تناسب مع تعيّن الوقت الأوّل للإجزاء; إذ مع تعيّنه يجب رفع اليد عن جميع المشاغل والإتيان بالفريضة، وليس الشغل كالنسيان والنوم أمراً اضطراريّاً.
وعليه: فيصير ذلك قرينة ظاهرة على أنّه ليس المراد بكلمة «لا ينبغي» عدم الجواز لو سلّم ظهورها في نفسها فيه، كما أنّه يصير قرينة على أنّ امتداد وقت الفجر إلى زمان التجلّل إنّما هو بلحاظ الفضيلة دون الإجزاء، فالرواية من أدلّة القول المشهور.
ومنها: رواية يزيد بن خليفة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقت الفجر حين يبدو حتّى يضيء(2).
ودلالتها على قول الشيخ (رحمه الله) وإن كانت ظاهرة، إلاّ أنّها ضعيفة السند لأجل يزيد بن خليفة.
ومنها: صحيحة بن سنان، يعني عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لكلّ صلاة وقتان، وأوّل الوقتين أفضلهما، ووقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً، ولكنّه وقت
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 190.
- (2) الكافي 3: 283 ح4، تهذيب الأحكام 2: 36 ح112، الاستبصار 1: 274 ح991، وعنها وسائل الشيعة 4: 207، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب26 ح3.
( صفحه 248 )من شغل، أو نسي، أو سها أو نام، ووقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلاّ من عذر أو علّة(1).
وهذه الرواية أيضاً يمكن الاستدلال بها لكلّ من الفريقين; نظراً إلى ظهورها في عدم جواز التأخير عمداً; لما مرّ من أنّ كلمة «لا ينبغي» بمعنى أنّه لا يجوز ولا يتيسّر، ويدلّ عليه ذيل الرواية، الظاهر في أنّه لا يجوز لأحد من غير عذر أ علّة أن يجعل آخر الوقتين وقتاً، ويؤخِّر صلاته إلى آخر الوقت عمداً.
وبذلك يظهر أنّ المراد من ثبوت الوقتين لكلّ صلاة كما هو ظاهر صدر الرواية إنّما هو ثبوت الوقت الاختياري والوقت الاضطراري، فاختلاف الوقتين وافتراقهما إنّما هو بذلك، لا بالإجزاء والفضيلة.
هذا، ولكنّ الظاهر دلالة الرواية على خلاف قول الشيخ (قدس سره) ; من جهة ظهور صدرها في أنّ اختلاف الوقتين إنّما هو بالفضيلة والإجزاء; لقوله (عليه السلام) : «وأوّل الوقتين أفضلهما»، ومن جهة تجويز التأخير لمن له شغل، وهو لا يكون اضطراريّاً، ولا يناسب تجويز التأخير معه مع تعيّن الوقت الأوّل للإجزاء، كما عرفت في صحيحة الحلبي.
نعم، يبقى ذيل الرواية الظاهر في غيره، ولكنّه ـ مضافاً إلى اشتماله على كلمة «العذر»، الشاملة للشغل قطعاً ـ لا دلالة له على الخلاف; لأنّ مفادها أنّ
- (1) تهذيب الأحكام 2: 39 ح123، الاستبصار 1: 276 ح1003، وعنهما وسائل الشيعة 4: 208، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب26 ح5، وفي ص119 ب3 ح4 مختصراً.
( صفحه 249 )
جعل آخر الوقت وقتاً استمراريّاً للصلاة; بحيث لا يرى لها وقت غير ذلك لا يجوز، وهذا لا يلازم عدم جواز التأخير اختياراً أحياناً مع رؤية وقتين لها.
وبعبارة اُخرى: لو كان التعبير في الذيل هكذا: «لا يجوز لأحد أن يؤخِّر صلاته إلى آخر الوقت إلاّ من عذر أو علّة» لكانت دلالته على ما ذكر غير بعيدة، وأمّا التعبير الوارد في الرواية فمغاير للتعبير الذي ذكرنا، ومرجعه إلى فرض الوقت الأوّل كالعدم، وعدم رؤية وقتين للصلاة ولو عملاً بوجه، فتدبّر، فالرواية من أدلّة المشهور.
ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس(1). ودلالتها على مذهب المشهور ظاهرة، إلاّ أنّها ضعيفة السند بموسى بن بكر; لعدم توثيقه.
ومنها: موثقة عمّار بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمر أن يصلّي المكتوبة من الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس، وذلك في المكتوبة خاصّة، الحديث(2).
وهي باعتبار دلالتها على الامتداد إلى طلوع الشمس بالإضافة إلى الرجل الذي عاقه أمر تدلّ على مذهب المشهور; لأنّه ليس المراد بالأمر إلاّ أمراً من الاُمور العادية الاختياريّة، فهو عبارة اُخرى عن «الشغل» المذكور في الروايتين المتقدّمتين، وقد عرفت أنّ تجويز التأخير معه لا يناسب
- (1) تهذيب الأحكام 2: 36 ح114، الاستبصار 1: 275 ح998، وعنهما وسائل الشيعة 4: 208، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب26 ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 38 ح120، وص262 ح1044، الاستبصار 1: 276 ح1000، وعنها وسائل الشيعة 4: 208، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، ب26 ح7.