( صفحه 261 )متحقّقاً قبل الأمر الثاني دائماً ـ ممّا لا وجه له; لعدم المعقوليّة.
مع أنّه على تقدير تسليم ذلك لا دلالة للرواية على حرمة التأخير واستحقاق العقوبة بسببه. غاية الأمر أنّ التأخير يوجب تحقّق الموتوريّة، وفقدان الأهل والمال في الجنّة، وكونه كلاًّ على أهلها، وهذه منقصة يمكن أن تكون ناشئة من ترك الصلاة في وقت الفضيلة وعدم رعايته، فلا دلالة للرواية على مدّعاه، مع أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «يدعها» هو استمرار الترك الناشئ من البناء العملي على التأخير.
وقد عرفت(1) خروج مثل هذا الفرض ممّا يكون التأخير بداع الإعراض عن السنّة والتهاون بها، وعدم الاعتناء بشأنها عن محلّ الكلام، ويؤيّده توصيفه بـ «التعمّد» في بعض الروايات(2).
ومنها: صحيحة أبان بن تغلب قال: كنت صلّيت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) بالمزدلفة، فلـمّا انصرف التفت إليّ فقال: يا أبان، الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهنّ، وحافظ على مواقيتهنّ لقى الله يوم القيامة، وله عنده عهد يدخله به الجنّة، ومن لم يقم حدودهنّ ولم يحافظ على مواقيتهنّ لقي الله ولا عهد له، إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له(3).
واُجيب عن الاستدلال بها أنّها نظير ما دلّ على أنّ أوّل الوقت
- (1) في ص255.
- (2) وسائل الشيعة 4: 154، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب9 ح8 و 10.
- (3) الكافي 3: 267 ح1 و 2، تهذيب الأحكام 2: 239 ح945، ثواب الأعمال: 48 ح1، وعنها وسائل الشيعة 4: 107، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب1 ح1.
( صفحه 262 )رضوان الله، وآخره عفو الله(1)، فمفادها أنّ من صلاّها في أوقات الفضيلة فقد وعده الله أن يدخله الجنّة بذلك، ومن صلاّها في غير تلك الأوقات فليس له وعد من الله سبحانه، بل له أن يدخله الجنّة، وله أن لا يدخلها(2).
والحقّ أنّ المراد بالمواقيت في الرواية هي مواقيت الإجزاء، ومفادها أنّ عدم رعايتها وعدم المحافظة عليها يوجب استحقاق العذاب وإن كان غير تارك لأصل الصلاة. غاية الأمر أنّ تحقّق العذاب متوقّف على مشيئة الله، والشاهد لما ذكرنا جعل عدم المحافظة في عداد عدم إقامة حدود الصلوات، الظاهر في عدم الاهتمام بشرائطها وخصوصيّاتها المعتبرة فيها.
وعليه: فمراد الرواية أنّ إتيان الصلاة في الوقت مع جميع الخصوصيّات موجب لثبوت العهد المذكور، والإخلال بالوقت أو بالحدود مع عدم الترك رأساً موجب لاستحقاق العذاب. وعليه: فلا تكون الرواية نظير الرواية المذكورة في الجواب، فتدبّر.
ومنها: موثّقة معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس، فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة، فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس، فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين سقط الشفق، فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين طلع الفجر، فأمره فصلّى الصبح.
- (1) تقدّم في ص256.
- (2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 137، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 97 ـ 98.
( صفحه 263 )ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة، فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان، فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس، فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين ذهب ثلث الليل، فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح، ثمّ قال: ما بينهما وقت(1).
والاستدلال بها مبنيّ على دعوى ظهور الرواية في اختصاص الوقت بما بين الزمانين المختلفين، الذين جاء فيهما جبرئيل في يومين.
والجواب: ـ مضافاً إلى أنّ ظاهر الرواية هو ثبوت وقت بينهما، وأمّا أنّ الوقت هو الوقت الاختياري كما يقول به المستدلّ، أو وقت الفضيلة كما يقول به غيره، فلادلالة للرواية عليه. وبعبارة اُخرى: لابدّ من اشتمال الوقت المذكور على خصوصيّة، ولا دلالة للرواية على بيانها أصلاً ـ : أنّ الوقت الاختياري لو كان منحصراً بما بين الحدّين، فكيف صلّى النبيّ (صلى الله عليه وآله) الظهر في المرّة الثانية بعد الحدّ الثاني مع ظهور التحديد في لزوم وقوعها فيما بين الحدّين، وظهور عدم عروض الاضطرار فيها؟ فاللاّزم الحمل على وقت الفضيلة، كما لا يخفى.
ومنها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا صلّيت في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها فلا يضرّك(2).
وتقريب الاستدلال بها أنّ الضرورة قاضية بعدم جواز الإتيان بالفرائض
- (1) تقدّمت في ص232 ـ 233، وقطعتين منها في ص251.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 141 ح551، وج3: 235 ح616، الاستبصار 1: 244 ح869 ، الفقيه 1: 358 ح1574، وعنها وسائل الشيعة 4: 115، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب1 ح27، وص168 ب13 ح9.
( صفحه 264 )في غير أوقاتها المعيّنة، بلا فرق في ذلك بين السفر والحضر، فلابدّ من أن يكون المراد بالوقت فيها هو الوقت الاختياري الذي لا يجوز التأخير عنه إلاّ عند الاضطرار، والسفر أيضاً من جملة الأعذار، ففي الحقيقة تكون الرواية مسوقة لبيان ذلك، وأنّ السفر أيضاً مجوِّز للتأخير عن الوقت الاختياري، فلا يتحقّق الضرر فيه، ومفهومه أنّ التأخير يضرّ في غير السفر.
وأجاب عنها بعض الأعلام أوّلاً: بأنّ قوله (عليه السلام) «شيئاً من الصلوات» نكرة في سياق الإثبات، وهي لا تدلّ على العموم، بل يلائم مع البعض، فالرواية تدلّ على أنّ بعض الصلوات كذلك، وليكن هو النوافل; لجواز الإتيان ببعضها في غير أوقاتها في خصوص السفر.
وثانياً: بأنّ الصلاة في غير وقتها أعمّ من تأخيرها عن وقتها; لشموله لتقديمها على وقتها أيضاً، ومن الواضح: عدم انطباق ذلك إلاّ على النوافل; لوضوح أنّ الفرائض لا يجوز تقديمها على أوقاتها في شيء من الموارد، بخلاف النوافل كصلاة الليل، حيث يجوز تقديمها على الانتصاف للمسافر اختياراً.
وثالثاً: بأنّه لو سلّم ما ذكر لا يكون للرواية مفهوم أصلاً; لأنّ مفهومها: إذالم تصلِّ في السفر شيئاً من الصلوات في غير وقتها فلا يضرّك، وهو من السالبة بانتفاء الموضوع; لأنّه مع عدم الإتيان بالصلاة لا موضوع حتّى يؤتى به في وقته أو في غير وقته. نعم، تقييد الموضوع بقيد في الكلام يدلّ على أنّ الحكم غير مترتّب على المطلق، بل على حصّة خاصّة منه، وإلاّ تلزم لغويّة التقييد.
وعليه: فلابدّ من القول بأنّ السفر له خصوصيّة في الحكم بعدم الضرر،
( صفحه 265 )وهذا لا يكفي في دلالة الرواية على المدّعى; لأنّه يكفي في تلك الخصوصيّة وجود الحزازة في التأخير عن وقت الفضيلة في الحضر، وانتفاؤها في السفر(1).
ويرد على الجواب الأوّل: وضوح ثبوت الإطلاق لكلمة «شيئاً»، وأنّ الاختيار إنّما هو بيد المصلّي، والغرض نفي الإتيان بجميع الصلوات في غير أوقاتها. وعليه: فمقتضى الإطلاق الشمول للنوافل كإطلاق الرجل في قوله: «أكرم رجلاً» الشامل لغير العالم أيضاً.
وعلى الجواب الثاني: أنّ إطلاق قوله (عليه السلام) : «في غير وقتها» وإن كان شاملاً للتقديم على الوقت أيضاً، إلاّ أنّ عموم قوله (عليه السلام) : «الصلوات» شامل للصلوات المفروضات أيضاً، ولا ترجيح للإطلاق على العموم لو لم نقل بالعكس من جهة توقّف الإطلاق على عدم البيان، والعامّ يصلح لأن يكون بياناً.
وإن شئت قلت: إنّ هنا إطلاقين: أحدهما: الإطلاق المذكور. والثاني: إطلاق قوله (عليه السلام) : «شيئاً»، ولا ترجيح للأوّل على الثاني، كما لايخفى.
وأمّا الجواب الثالث: فهو صحيح بعد أنّه لا مفهوم للقضيّة الشرطيّة أصلاً، كما قد قرّر في محلّه(2).
ومنها: رواية أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: إنّ الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها; وهي بيضاء مشرقة تقول: حفظتني حفظك الله، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها;
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 140 ـ 141، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 99 ـ 100.
- (2) معتمد الاُصول 1: 236 ـ 256، دراسات في الاُصول 2: 112 ـ 121، كفاية الاُصول: 231 ـ 237.