( صفحه 310 )مع قطع النظر عن ضيق الوقت، وعلى الثاني: تشمله; لأنّه يصدق عليه إدراك الركعة ولو بملاحظة الاضطرار الناشىء عن ضيق الوقت والتيمّم بدل الوضوء أو الغسل؟ فيه وجهان.
والظاهر هو الوجه الأوّل، وذلك; لأنّ الموضوع للقاعدة هو المدرك للركعة، ومن الواضح: أنّ المراد من الركعة المدركة هي الركعة المشروعة الصحيحة، الجامعة للأجزاء والشرائط عدا الوقت الذي بلحاظه وضعت القاعدة، فلابدّ من أن تكون المشروعيّة محرزة مع قطع النظر عن القاعدة، ولا مجال لإثبات المشروعيّة بنفس القاعدة; لاستلزامه الدور.
ومن المعلوم أنّه لا دليل على مشروعيّة الركعة مع التيمّم في الصورة المفروضة، وأدلّة ضيق الوقت ـ الدالّة على كونه من مسوّغات التيمّم ـ موردها ما إذا كان الانتقال إلى البدل يوجب وقوع جميع الصلاة في الوقت، ولذا فيما إذا دار الأمر بين الإتيان بجميع ركعات الصلاة مع التيمّم، والإتيان ببعضها مع الوضوء، لامحيص عن الأوّل; لدلالة تلك الأدلّة على صحّتها ومشروعيّتها، ولا دليل على مشروعيّة الثاني في هذه الصورة، فلابدّ في جريان القاعدة من إحراز المشروعيّة مع قطع النظر عنها، كما لا يخفى.
فظهر ممّا ذكرنا أنّه لا يجري القاعدة في الصورة المفروضة، وأنّ الحكم فيها قضاء الصلاة خارج الوقت.
السابعة: إذا بقي إلى الغروب مقدار خمس ركعات للحاضر، أو ثلاث ركعات للمسافر، فقد نفي الإشكال عن أنّه يجب عليه الإتيان بالصلاتين; نظراً إلى جريان القاعدة بالإضافة إلى كلتيهما، فشمولها للظهر باعتبار إدراك
( صفحه 311 )ركعة من وقتها يقتضي صحّتها ووقوعها بأجمعها أداءً، وكذا شمولها للعصر بهذا الاعتبار; لأنّ المفروض وقوع ركعة منها في وقتها يقتضي صحّتها أيضاً ووقوعها في الوقت جميعاً، فهو قادر على الإتيان بهما في وقتهما الذي ثبتت توسعته بالقاعدة مع رعاية الترتيب المعتبر بينهما.
وكذلك إذا بقى إلى انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاضر، أو أربع ركعات للمسافر; فإنّه يجب عليه أيضاً الجمع بين الصلاتين والإتيان بهما معاً بلا إشكال ولاخلاف بين الأصحاب، كما ادّعاه الشيخ (قدس سره) في محكيّ الخلاف(1).
ولكن يظهر من المحقّق الحائري (قدس سره) في كتابه في الصلاة الاستشكال في المسألة(2)، ويمكن تقرير الإشكال بوجوه ثلاثة:
الأوّل: أن يقال: إنّ معنى اختصاص الوقت بالعصر مثلاً هو عدم صحّة وقوع شريكتها فيه أصلاً، لا أداءً ولا قضاءً، لا كلاًّ ولا بعضاً(3)، وحينئذ فلا مجال للإتيان بصلاة الظهر إلاّ إذا بقي إلى الغروب مقدار ثمان ركعات، وحيث إنّ في مفروض المسألة تقع ثلاث ركعات من الظهر في الوقت المختصّ بالعصر، فلا تصحّ.
والجواب: أنّه لم يرد في آية ولا رواية لفظ الاختصاص حتّى نتمسّك بإطلاقه، ويكون مقتضاه حينئذ عدم صحّة الشريكة مطلقاً، لا أداءً ولا قضاءً، لا كلاًّ ولا بعضاً، غاية ما تدلّ عليه رواية ابن فرقد المتقدّمة(4)
- (1) الخلاف 1: 273 مسألة 14.
- (2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 16 ـ 18.
- (3) كما تقدّم عن صاحب الجواهر في ص154 ـ 155.
- (4) في ص140.
( صفحه 312 )أنّ مقدار أربع ركعات من أوّل الزوال مختصّ بالظهر، وتكون نسبته إلى العصر كنسبة قبل الزوال إلى الظهر، وهكذا يكون مقدار أربع ركعات من آخر الوقت مختصّاً بالعصر، ونسبته إلى الظهر كنسبة ما بعد الغروب إلى العصر، ولا دلالة فيها على عدم صحّة وقوع الشريكة فيه ولو بعضاً.
الثاني: أنّ مفاد «قاعدة من أدرك» ليس توسعة الوقت، بحيث كان تأخير الصلاة عمداً إلى أن يبقى من الوقت مقدار ركعة جائزاً; لوضوح عدم جواز التأخير عمداً ووقوعه عصياناً، بل مفادها ليس إلاّ مجرّد التنزيل الحكمي من جهة الأدائيّة، وثبوت وجوب التعجيل بحاله، وحينئذ فإطلاق «من أدرك» بالنسبة إلى الظهر يعارض دليل وجوب التعجيل الثابت بالنسبة إلى العصر; فإنّ إدراك الظهر بأجمعها يوجب وقوع ثلاث ركعات من العصر خارج الوقت، وحينئذ يقع التزاحم بينهما، ولا مرجّح للأوّل على الثاني أصلاً.
والجواب: أنّ الظاهر أنّ «قاعدة من أدرك» تكون حاكمة على الأدلّة الأوّليّة الواردة في الأوقات، الظاهرة في توقّف تحقّق عنوان الأداء ـ واتّصاف الصلاة به ـ على وقوع جميع أجزائها في الوقت المقرّر لها، ومفادها: أنّ تحقّق هذا الاتّصاف لا يتوقّف على ما ذكر، بل يصدق بوقوع ركعة منها في ذلك الوقت المقرّر له; لأنّ الوقت بالإضافة إلى مدرك الركعة يكون متّسعاً، فإذا قيل بشمول القاعدة للعامد، كما هو المفروض، يكون مقتضاها توسعة الوقت حقيقة في حقّه أيضاً.
وعليه: فلا موجب للزوم التعجيل عليه وعدم جواز التأخير; لصيرورة المسألة حينئذ نظير ما إذا كان مدركاً لثمان ركعات من الوقت الأصلي
( صفحه 313 )مع قطع النظر عن القاعدة.
مع أنّه لو أغمض النظر عن ذلك، ووصلت النوبة إلى وقوع المزاحمة وملاحظة المرجّح نقول: إنّ دليل شرطيّة الترتيب في صلاة العصر، ولزوم رعايته فيها مع الإمكان يكون مرجّحاً للقاعدة، وموجباً لتعيّن الإتيان بالظهر قبل العصر، وفي الحقيقة الأمر دائر بين رعاية دليل وجوب التعجيل بالإضافة إلى العصر، وبين الأخذ بالقاعدة ورعاية دليل الشرطيّة، ومن الواضح: أنّ الترجيح مع الثاني، كما لايخفى.
الثالث: أنّ مورد الروايات كما عرفت(1) هي صلاة الغداة والعصر، والتعدّي عنه يتوقّف على إلغاء الخصوصيّة، وهو إنّما يجوز فيما إذا علم عدم مدخليّة الخصوصيّة في الحكم المذكور في القضيّة، وفي المقام يمكن دعوى ذلك بالنسبة إلى صلاة العشاء، ولكن لا يمكن بالإضافة إلى الظهر والمغرب; لمزاحمتهما للعصر والعشاء، فلايجوز إلغاء الخصوصيّة بالنسبة إليهما بعد افتراقهما عن مورد الروايات، ومثله ممّا لا يكون فيه مزاحمة أصلاً.
نعم، في الظهر والمغرب أيضاً إذا لم يتحقّق فيهما مزاحمة، لا مانع من جريان القاعدة بالنسبة إليهما، كما فيما إذا صلّى العصر والعشاء قبلاً بتخيّل الإتيان بالفريضة السابقة، ثمّ انكشف عدم الإتيان بها، وأنّه لا يمكن إلاّ وقوع ركعة منها في الوقت; فإنّه تجري القاعدة وتقضي بلزوم المبادرة إليها،
كما سيجيء.
وأمّا في المقام، فلا مجال لجريانها بعد ثبوت مزاحمتهما للفريضة اللاّحقة.
( صفحه 314 )وعليه: فوجه الإشكال قصور دليل القاعدة عن الشمول; لعدم جواز إلغاء الخصوصيّة، كما عرفت.
والجواب ـ مضافاً إلى ما عرفت(1) من إطلاق مرسلة المعتبر وكونها حجّة، وإلى أنّ مقتضى فهم العرف وكذا علماء الفريقين أنّه لا فرق بين الصلوات أصلاً ـ : أنّ عدم إحراز إلغاء الخصوصيّة إنّما هو لما ذكر من مزاحمتهما للعصر والعشاء، مع أنّ المزاحمة إنّما تكون على تقدير رجوع مفاد القاعدة إلى التنزيل الحكمي بالنسبة إلى الأدائيّة. وأمّا لو كان مفادها هي توسعة الوقت حقيقة بالإضافة إلى من أدرك ركعة، فلا يكون هناك مزاحمة أصلاً; فإنّ شمول القاعدة للظهر لا يزاحم العصر بعد وقوع ركعة منها في الوقت الأصلي، ودلالة القاعدة على توسعة وقتها، فلا مانع من شمولها لها أصلاً.
وقد ظهر ممّا ذكرنا وجوب الإتيان بصلاتي الظهر والعصر في مفروض المسألة مقدّماً للاُولى على الثانية، وهكذا فيما إذا بقي إلى انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاضر، وأربع ركعات للمسافر; فإنّه يجب الإتيان بالصلاتين مقدّماً للمغرب على العشاء.
وإن بقي في المسألتين أقلّ ممّا ذكر، كما إذا بقي إلى الغروب مقدار أربع ركعات ونصف ركعة للحاضر، فاللاّزم الإتيان بالفريضة اللاّحقة; لعدم شمول القاعدة للفريضة السابقة بعد فرض عدم إدراك ركعة منها، واختصاص مقدار أربع ركعات بصلاة العصر.