( صفحه 313 )مع قطع النظر عن القاعدة.
مع أنّه لو أغمض النظر عن ذلك، ووصلت النوبة إلى وقوع المزاحمة وملاحظة المرجّح نقول: إنّ دليل شرطيّة الترتيب في صلاة العصر، ولزوم رعايته فيها مع الإمكان يكون مرجّحاً للقاعدة، وموجباً لتعيّن الإتيان بالظهر قبل العصر، وفي الحقيقة الأمر دائر بين رعاية دليل وجوب التعجيل بالإضافة إلى العصر، وبين الأخذ بالقاعدة ورعاية دليل الشرطيّة، ومن الواضح: أنّ الترجيح مع الثاني، كما لايخفى.
الثالث: أنّ مورد الروايات كما عرفت(1) هي صلاة الغداة والعصر، والتعدّي عنه يتوقّف على إلغاء الخصوصيّة، وهو إنّما يجوز فيما إذا علم عدم مدخليّة الخصوصيّة في الحكم المذكور في القضيّة، وفي المقام يمكن دعوى ذلك بالنسبة إلى صلاة العشاء، ولكن لا يمكن بالإضافة إلى الظهر والمغرب; لمزاحمتهما للعصر والعشاء، فلايجوز إلغاء الخصوصيّة بالنسبة إليهما بعد افتراقهما عن مورد الروايات، ومثله ممّا لا يكون فيه مزاحمة أصلاً.
نعم، في الظهر والمغرب أيضاً إذا لم يتحقّق فيهما مزاحمة، لا مانع من جريان القاعدة بالنسبة إليهما، كما فيما إذا صلّى العصر والعشاء قبلاً بتخيّل الإتيان بالفريضة السابقة، ثمّ انكشف عدم الإتيان بها، وأنّه لا يمكن إلاّ وقوع ركعة منها في الوقت; فإنّه تجري القاعدة وتقضي بلزوم المبادرة إليها،
كما سيجيء.
وأمّا في المقام، فلا مجال لجريانها بعد ثبوت مزاحمتهما للفريضة اللاّحقة.
( صفحه 314 )وعليه: فوجه الإشكال قصور دليل القاعدة عن الشمول; لعدم جواز إلغاء الخصوصيّة، كما عرفت.
والجواب ـ مضافاً إلى ما عرفت(1) من إطلاق مرسلة المعتبر وكونها حجّة، وإلى أنّ مقتضى فهم العرف وكذا علماء الفريقين أنّه لا فرق بين الصلوات أصلاً ـ : أنّ عدم إحراز إلغاء الخصوصيّة إنّما هو لما ذكر من مزاحمتهما للعصر والعشاء، مع أنّ المزاحمة إنّما تكون على تقدير رجوع مفاد القاعدة إلى التنزيل الحكمي بالنسبة إلى الأدائيّة. وأمّا لو كان مفادها هي توسعة الوقت حقيقة بالإضافة إلى من أدرك ركعة، فلا يكون هناك مزاحمة أصلاً; فإنّ شمول القاعدة للظهر لا يزاحم العصر بعد وقوع ركعة منها في الوقت الأصلي، ودلالة القاعدة على توسعة وقتها، فلا مانع من شمولها لها أصلاً.
وقد ظهر ممّا ذكرنا وجوب الإتيان بصلاتي الظهر والعصر في مفروض المسألة مقدّماً للاُولى على الثانية، وهكذا فيما إذا بقي إلى انتصاف الليل مقدار خمس ركعات للحاضر، وأربع ركعات للمسافر; فإنّه يجب الإتيان بالصلاتين مقدّماً للمغرب على العشاء.
وإن بقي في المسألتين أقلّ ممّا ذكر، كما إذا بقي إلى الغروب مقدار أربع ركعات ونصف ركعة للحاضر، فاللاّزم الإتيان بالفريضة اللاّحقة; لعدم شمول القاعدة للفريضة السابقة بعد فرض عدم إدراك ركعة منها، واختصاص مقدار أربع ركعات بصلاة العصر.
( صفحه 315 )والمفروض أنّ الإتيان بصلاة الظهر يوجب عدم وقوع ركعة من العصر في وقتها أيضاً، فلا محيص من تقديم العصر بمقتضى اختصاص الوقت، وسقوط شرطيّة الترتيب في الوقت الاختصاصي، وهكذا بالنسبة إلى المغرب والعشاء.
ثمّ إنّه بعد الإتيان بالفريضة اللاّحقة لو لم يبق من الوقت مقدار ركعة، كما كان اعتقاده كذلك، لا يجب عليه الإتيان بالسابقة، بل اللاّزم الإتيان بها قضاءً بعد خروج الوقت.
وأمّا لو انكشف بقاء مقدار ركعة على خلاف ما اعتقده حين الشروع في اللاّحقة، فاللاّزم المبادرة إلى الإتيان بالسابقة وإن فات الترتيب; لأنّك عرفت(1) أنّ الترتيب إنّما يكون معتبراً في اللاّحقة، والمفروض سقوط اعتباره بسبب اعتقاد عدم بقاء الوقت بحيث يدرك ركعة من السابقة، فهي واقعة صحيحة وإن كانت فاقدة للترتيب، فلم يبق إلاّ بقاء مقدار ركعة من الوقت موجب لإمكان إدراك الجميع بمقتضى القاعدة، واختصاص آخر الوقت بالعصر إنّما يؤثّر في البطلان مع عدم الإتيان بها صحيحة،
والمفروض كذلك.
واعتقاد عدم بقاء الوقت بمقدار ركعة من السابقة مع كون الواقع كذلك لايوجب الخلل في صحّة اللاّحقة، فهو في هذا الظرف قد أتى بها صحيحة والوقت باق بمقدار ركعة، فلابدّ من صرفه في السابقة بمقتضى القاعدة، فهو كمن صلّى العصر بتخيّل أنّه صلّى الظهر في أواسط الوقت مثلاً، ثمّ انكشف له
- (1) في ص143 ـ 144 و 298 ـ 301.
( صفحه 316 )عدم الإتيان بها وقد بقي من الوقت مقدار ركعة; فإنّه لا محيص عن المبادرة إلى الإتيان بالظهر.
والظاهر بمقتضى ما ذكرنا نيّة الأداء; لأنّ مفاد القاعدة في موارد جريانها توسعة الوقت، وكون الصلاة متّصفة بوصف الأداء حقيقة. نعم، الأحوط عدم نيّة الأداء والقضاء، كما في المتن.
( صفحه 317 ) [ عدم جواز العدول من السابقة إلى اللاّحقة ]
مسألة 10: يجوز العدول من اللاّحقة إلى السابقة بخلاف العكس، فلو دخل في الظهر أو المغرب، فتبيّن في الأثناء أنّه صلاّهما لا يجوز له العدول إلى اللاّحقة، بخلاف ما إذا دخل في الثانية بتخيّل أنّه صلّى الاُولى، فتبيّن في الأثناء خلافه; فإنّه يعدل إلى الاُولى إن بقي محلّ العدول 1 .
1ـ أمّا جواز العدول من اللاّحقة إلى السابقة، فقد تقدّم وجهه في المسألة الثامنة مفصّلاً، فراجع.
وأمّا عدم جواز العدول من السابقة إلى اللاّحقة، كما في المثالين المذكورين في المتن; فلأنّ العدول إنّما هو على خلاف القاعدة; لأنّ مرجعه إلى جعل الأجزاء المأتيّ بها بنيّة المعدول عنه أجزاءً للمعدول إليه، وكيف يمكن أن يؤثّر الشيء الحادث فيما يكون ثابتاً قبل حدوثه؟ فجواز العدول يحتاج إلى تعبّد خاصّ، ولو لم يكن أخبار العدول لما قلنا به في مورد أصلاً.
ومن المعلوم أنّ مورد أخبار العدول(1) هو العدول من اللاّحقة إلى السابقة، ولابدّ في الحكم المخالف للقاعدة من الاقتصار على خصوص مورده الذي هو القدر المتيقّن، ولا وجه للتعميم والتسرية إلى غيره، كما لا يخفى.
- (1) وسائل الشيعة 4: 290 ـ 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب63.