( صفحه 35 )
ومقتضى بعض الروايات أنّ صلاة الوتر مركّبة من صلاتين: إحداهما: معنونة بعنوان الشفع، والاُخرى: بعنوان الوتر.
كرواية الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون، المشتملة على أنّ الشفع والوتر ثلاث ركعات(1).
ورواية رجاء بن أبي الضحّاك، الحاكية لفعل الرضا (عليه السلام) ، المشتملة على قوله: ثمّ يقوم فيصلّي ركعتي الشفع... فإذا سلّم قام وصلّى ركعة الوتر(2).
ورواية الأعمش، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدِّين، المشتملة على قوله (عليه السلام) : والشفع ركعتان، والوتر ركعة(3).
فانقدح ممّا ذكرنا أنّه لا إشكال في جواز الاقتصار على نافلة الفجر; لأنّها نافلة مستقلّة متعلّقة لأمر كذلك، كما أنّه لا إشكال في جواز الاقتصار على الثمان صلاة الليل; لأنّها معنونة بعنوان واحد متعلّق لأمر كذلك، وكذا العكس; فإنّه يجوز الاقتصار على صلاتي الشفع والوتر وترك صلاة الليل.
وأمّا الاقتصار على خصوص الوتر الذي هي ركعة واحدة، فإن كان في ضيق الوقت فلا إشكال فيه، وإن لم يكن فيه، فيمكن استفادة الجواز من رواية معاوية بن وهب قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر
- (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 123 ب35 ح1، تحف العقول: 417، وعنهما وسائل الشيعة 4: 54، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح23.
- (2) وسائل الشيعة 4: 56، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 قطعة من ح24.
- (3) الخصال: 603 ح9، وعنه وسائل الشيعة 4: 57، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح25.
( صفحه 36 )
ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل(1).
وأمّا التبعيض في الثمان صلاة الليل، فالظاهر عدم جوازه; لأنّ ظاهر الأدلّة كون المجموع عملاً واحداً، وعبادة واحدة متعلّقة لأمر واحد، فلا يجوز التبعيض فيه وإن كان يستفاد من الجواهر(2) أنّه لا مانع منه فيه، كسائر النوافل المركّبة من صلوات متعدّدة، هذا تمام الكلام في المسألة الاُولى.
نافلة العشاء ووقتها
المسألة الثانية: في نافلة العشاء المسمّـاة بالوتيرة; لكونها بدلاً عن الوتر كما عرفت(3)، والكلام فيه من جهات:
الجهة الاُولى: في أنّه هل يتعيّن الجلوس فيها، أم يجوز القيام أيضاً؟
فنقول: أمّا بالنظر إلى فتاوى الأصحاب، فقد ذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي في بحثه الشريف ـ على ما قرّرته ـ أنّ الظاهر تسالم الفقهاء(4)إلى زمن الشهيد الأوّل على ثبوت الجلوس في نافلة العشاء، ولم يفت أحد منهم بجواز القيام فيها، وأنّ أوّل من أفتى به هو الشهيد في الدروس واللمعة(5)، وتبعه الشهيد والمحقّق الثانيان(6)، وقد اشتهر الفتوى بذلك بعدهم(7).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 337 ح1391، وص341 ح1411، وعنه وسائل الشيعة 4: 258، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب46 ح3.
- (2) جواهر الكلام 7: 55.
- (3) في ص22.
- (4) الهداية: 132، المقنعة: 91، المبسوط 1: 71، النهاية: 19، المهذّب 1: 68، غنية النزوع: 106، الوسيلة: 81، السرائر 1: 193، الجامع للشرائع: 58.
- (5) الدروس الشرعيّة 1: 136، اللمعة الدمشقيّة: 9.
- (6) الروضة البهيّة 1: 169، مسالك الأفهام 1: 137، جامع المقاصد 2: 9.
- (7) نهاية التقرير 1: 67 ـ 70.
( صفحه 37 )
وأمّا بالنظر إلى الروايات الواردة في الباب، فكثير منها ظاهر في تعيّن الجلوس، وأنّ الركعتين تعدّان بركعة.
كخبري فضيل بن يسار المتقدّمين(1).
ورواية البزنطي المتقدّمة(2) أيضاً.
ورواية الفضل بن شاذان كذلك(3).
ورواية الأعمش أيضاً كذلك(4).
ورواية أبي عبد الله القزويني قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) : لأيّ علّة تصلّى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال: لأنّ الله فرض سبع عشرة ركعة، فأضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثليها، فصارت إحدى وخمسين ركعة، فتعدّان هاتان الركعتان من جلوس بركعة(5).
ورواية هشام المشرقي، عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال: إنّ أهل البصرة سألوني فقالوا: إنّ يونس يقول: من السنّة أن يصلّي الإنسان ركعتين وهو جالس بعد العتمة؟ فقلت: صدق يونس(6).
واثنتان منها ظاهرتان في التخيير:
- (1) في ص17 ـ 18.
- (2) في ص24.
- (3 ، 4) في ص35.
- (5) علل الشرائع: 330 ب26 ح1، وعنه وسائل الشيعة 4: 96، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب29 ح6.
- (6) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 490، الرقم 934، وعنه وسائل الشيعة 4: 97، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب29 ح9.
( صفحه 38 )
إحداهما: رواية الحارث بن المغيرة النصري، المشتملة على قول أبي عبد الله (عليه السلام) في تعداد النوافل: وركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصلّيهما وهو قاعد، وأنا اُصلّيهما وأنا قائم، الحديث(1).
وليس المراد هو اختلافه مع أبيه (عليهما السلام) في الفتوى، كما هو واضح، بل المراد هو الاختلاف في العمل; لأجل التخيير بين القيام والقعود، وسرّه أنّ أباه (عليه السلام) كان بديناً ذات لحم يشقّ عليه الإتيان بالنوافل قائماً.
كما تدلّ عليه رواية حنّان بن سدير، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أتصلّي النوافل وأنت قاعد؟ فقال: ما أصلّيها إلاّ وأنا قاعد منذ حملت هذا اللحم وبلغت هذا السنّ(2).
ومن ذلك ظهر أنّ الرواية ظاهرة في أفضليّة القيام، وأنّ اختيار القعود إنّما هو لأجل المشقّة والكلفة.
ثانيتهما: رواية سليمان بن خالد، المشتملة على قول أبي عبد الله (عليه السلام) في تعداد النوافل: وركعتان بعد العشاء الآخرة، يقرأ فيهما مائة آية قائماً أو قاعداً، والقيام أفضل، ولا تعدّهما من الخمسين(3).
وقد يجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير، ولكنّ الفتوى بجواز القيام في غاية الإشكال; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ هاتين الروايتين كانتا بمرئى ومسمع من قدماء الأصحاب، ومع ذلك تسالموا على تعيّن الجلوس إلى زمن الشهيد
- (1) تقدّم تخريجها في ص33.
- (2) الكافي 3: 410 ح1، تهذيب الأحكام 2: 169 ح674، وعنهما وسائل الشيعة 5: 491، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب4 ح1.
- (3) تقدّم تخريجها في ص31.
( صفحه 39 )
الأوّل، كما عرفت(1) وذلك يكشف عن وجود خلل فيهما، كصدورهما تقيّة; لأنّ نافلة العشاء بنحو الجلوس ممّا لم يقل به أحد من العامّة; فانّهم بين من ينكر مشروعيّتها رأساً، وبين من يقول بأنّها ثمان ركعات: أربع قبل الفريضة، وأربع بعدها، كأبي حنيفة، وبين من يقول: بأنّها ركعتان من قيام(2) ـ .
لا يجوز رفع اليد بسببهما عن الروايات الكثيرة الظاهرة ـ بل الصريحة ـ في تعيّن الجلوس بلحاظ التقييد بالجلوس، مع أنّ الأصل في الصلاة مطلقاً هو القيام وكونه أفضل من الجلوس، مع أنّ تشريعها ـ كما ظهر من بعض الروايات المتقدّمة(3) ـ إنّما هو لكونها بدلاً عن الوتر الذي هي ركعة واحدة، ولا معنى لكون الركعتين من قيام بدلاً من ركعة كذلك، فتدبّر.
أو لأجل كونها تعدّ بركعة، فيتحقّق عنوان ضعف الفريضة ومثليها، ولا يتحقّق ذلك إلاّ مع تعيّن الجلوس فيها.
وبالجملة: فالروايات الدالّة على أنّ مجموع الفرائض والنوافل إحدى وخمسون ركعة لا يلائم مع جواز القيام في نافلة العشاء، كسائر النوافل التي يكون المكلّف مخيّراً فيها.
ثمّ إنّه ذكر بعض الأعلام في شرحه على العروة في مقام الجمع أنّ الذي يظهر من ملاحظة الأخبار الواردة في المقام أنّ بعد العشاء الآخرة يستحبّ
- (1) في ص36.
- (2) المغني لابن قدامة 1: 762 و 765، المهذّب في فقه الشافعي 1: 157، الإنصاف 2: 176 و180، بدائع الصنائع 1: 636 ـ 638، العزيز شرح الوجيز 2: 116 ـ 117، تذكرة الفقهاء 2: 262 مسألة 314.
- (3) في ص19 ـ 24.