( صفحه 361 )المقام الثاني: في ارتفاع العذر في آخر الوقت، وقد ذكر في المتن أنّه إن وسع الطهارة والصلاتين وجبتا، وظاهره أنّ المراد بالطهارة هي الطهارة المائيّة. وعليه: فوجوب الصلاتين إنّما هو مع سعة الوقت لها، فلو ضاق الوقت إلاّ عن الصلاتين مع الطهارة الترابيّة، فلا تكونان واجبتين أداءً، وفي الجواهر(1): أنّه الأشهر، بل المشهور، بل مجمع عليه هنا بحسب الظاهر، ولابدّ من ملاحظة روايات المسألة.
فنقول: إنّها على طوائف:
الاُولى: ما ورد في حصول الطهر لها قبل الغروب، أو قبل الفجر، وأنّه تجب عليها الصلاتان: الظهرين في الاُولى، والعشاءين في الثانية.
منها: رواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر(2).
ومثلها: رواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر، وإن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء(3).
- (1) جواهر الكلام 3: 378 ـ 382، وج7: 415، وفيه: الإجماع على وجوب الأداء في صورة سعة الوقت للطهارة المائيّة، وأمّا مع الطهارة الترابيّة فلم نعثر في الجواهر تعرّضاً له.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 390 ح1203، الاستبصار 1: 143 ح489، وعنهما وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الحيض ب49 ح7.
- (3) تهذيب الأحكام 1: 390 ح1204، الاستبصار 1: 143 ح490، وعنهما وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض ب49 ح10.
( صفحه 362 )وكذا رواية داود الزجاجي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر، وإن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب والعشاء الآخرة(1).
ورواية عمر بن حنظلة، عن الشيخ (عليه السلام) قال: إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر(2).
وحصول الطهر لها قبل الغروب أو الطلوع وإن كان مطلقاً شاملاً لما إذا حصل قبلهما ولو بلحظة، إلاّ أنّ الحكم في الجزاء بوجوب الصلاتين عليهما قرينة على اختصاص مورد الشرط بما إذا وسع الوقت لهما; لأنّ الظاهر هو الإتيان بهما بصورة الأداء، كما أنّ الظاهر هو الإتيان بهما مع الشرائط الاختياريّة التي منها الطهارة المائيّة، فالمفروض في هذه الطائفة صورة سعة الوقت لهما كذلك.
وعليه: فلا دلالة لها على نفي الوجوب فيما إذا ضاق الوقت إلاّ عن الصلاتين مع الطهارة الترابيّة، إلاّ أن يقال ـ كما لا يبعد ـ إنّ التقييد المستفاد من الجزاء ظاهر في أنّ الملاك في وجوبهما هو إدراكهما كذلك، فلا يتحقّق الوجوب في غير هذه الصورة.
الثانية: ما تدلّ على التفصيل بين ما إذا حصل الطهر قبل العصر وغيره;
- (1) تهذيب الأحكام 1: 390 ح1205، الاستبصار 1: 143 ح491، وعنهما وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض ب49 ح11.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 391 ح1206، الاستبصار 1: 144 ح492، وعنهما وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض ب49 ح12.
( صفحه 363 )كرواية منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر(1).
والظاهر أنّ المراد بقبل العصر هو قبل الوقت الاختصاصي للعصر، والحكم بوجوب الصلاتين عليها في هذه الصورة قرينة على كون المفروض ـ كما في الروايات المتقدّمة ـ ما إذا وسع الوقت لهما مع الطهارة المائيّة، والمراد بآخر وقت العصر هو الوقت المختصّ بها، والحكم بوجوبها عليها في هذا الفرض أيضاً قرينة على كون المفروض سعة الوقت للطهارة المائيّة والإتيان بصلاة واحدة، ولو اُخذ بالإطلاق لكان مقتضاه عدم سعة الوقت للطهارة الترابيّة أيضاً.
وكيف كان، فظاهرها عدم وجوب صلاة الظهر في هذا الفرض، لا أداءً ولا قضاءً.
لكن صحيحة أبي همام، عن أبي الحسن (عليه السلام) في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر تصلّي العصر ثمّ تصلّي الظهر(2). ربما تشعر بخلافه، وأنّه تجب صلاة الظهر أيضاً.
ولكن حملها الشيخ (قدس سره) على أنّها طهرت وقت الظهر وأخّرت الغسل حتّى
- (1) تهذيب الأحكام 1: 390 ح1202، الاستبصار 1: 142 ح487، وعنهما وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الحيض ب49 ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 1: 398 ح1241، الاستبصار 1: 143 ح488، وعنهما وسائل الشيعة 2: 365، كتاب الطهارة، أبواب الحيض ب49 ح14.
( صفحه 364 )ضاق وقت العصر، واستحسنه صاحب المنتقى(1)، ويؤيّده ظهور الرواية في أنّ الاغتسال كان في وقت العصر لا حصول الطهر، فتدبّر.
الثالثة: ما وردت في القضاء، كصحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ففرّطت فيها حتّى يدخل وقت صلاة اُخرى، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها، وإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك، فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة اُخرى فليس عليها قضاء، وتصلّي الصلاة التي دخل وقتها(2).
والظاهر أنّ المراد من الفرض الثاني في الرواية ما إذا طهرت المرأة فقامت لإتيان الغسل وتهيئة أسبابه، فجاز وقت الصلاة مع اعتقادها خلافه، أو غفلتها عن أنّ القيام في ذلك يوجب فوت الوقت، ولكنّه استدلّ بها لفتوى المشهور، بل المجمع عليه، كما عرفت من الجواهر; وهو اعتبار سعة الوقت للطهارة المائيّة، وأنّه مع عدمها لا يجب الأداء فضلاً عن القضاء; نظراً إلى ثبوت الإطلاق لها من حيث العمد وعدمه، والالتفات وغيره، وأنّه تدلّ على عدم وجوب الصلاة مع الطهارة الترابيّة ولو علمت بضيق الوقت وعدم سعته إلاّ لها.
وموثّقة عبيد الله الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، في المرأة تقوم في وقت الصلاة
- (1) منتقى الجُمان 1: 222.
- (2) الكافي 3: 103 ح4، تهذيب الأحكام 1: 391 ـ 392 ح1208 و 1209، وعنهما وسائل الشيعة 2: 361، كتاب الطهارة، أبواب الحيض ب49 ح1.
( صفحه 365 )فلا تقضي ظهرها (طهرها، ظ) حتّى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت، أتقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال: إن كانت توانت قضتها، وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي(1). والكلام فيها ما في الرواية السابقة.
وموثّقة محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت: المرأة ترى الطهر عند الظهر، فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر؟ قال: تصلّي العصر وحدها، فإن ضيّقت ضيّعت فعليها صلاتان(2).
والظاهر أنّ المراد بوقت العصر هو الوقت الاختصاصي للعصر، والمراد أنّه إذا اشتغلت في شأنها من دون توان وتضييق فدخل وقت العصر، فلا يجب عليها إلاّ صلاة العصر لا أداءً ولا قضاءً. وعليه: فالمراد برؤية الطهر عند الظهر هي رؤيتها قبل ذلك الوقت المختصّ لا أوّل الظهر، والمراد بقوله (عليه السلام) : «فإن ضيّقت» أنّه إن كانت هي الموجبة لثبوت الضيق; بمعنى أنّه كان الضيق مستنداً إليها لا إلى قصور الوقت، فيجب عليها في الصورة المفروضة صلاتان: إحداهما: أداء صلاة العصر، والاُخرى: قضاء صلاة الظهر، وهكذا لو كانت الكلمة «ضيّعت».
وليس المراد بالتضييع هو تضييع صلاة العصر الواجبة فقط; لأنّه لا يقتضي وجوب صلاتين بعنوان القضاء، فالفاء في قوله: «فإن» تفريع على أصل المسألة، وبيان لصورة اُخرى لها، لا على إيجاب صلاة العصر وحدها، فتدبّر.
- (1) تهذيب الأحكام 1: 391 ح1207، وعنه وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض ب49 ح8 .
- (2) تهذيب الأحكام 1: 389 ح1200، الاستبصار 1: 142 ح486، وعنهما وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الحيض ب49 ح5.