( صفحه 382 )خلافاً لابن الجنيد، فقال على ما حكي عنه(1): ليس للشاكّ يوم الغيم ولا غيره أن يصلّي إلاّ عند تيقّنه الوقت. ومالَ إليه صاحب المدارك(2).
ومستند المشهور روايات يستفاد منها ذلك، عمدتها:
رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال: قد تمّ صومه ولا يقضيه(3).
ونوقش(4) فيها بضعف السند من جهة الراوي عن أبي الصباح، وهو محمّد بن الفضيل بن الكثير الضعيف، ولكن يدفعها ـ مضافاً إلى أنّ استناد المشهور إليها، سيّما في الحكم الذي يكون مخالفاً للقاعدة; لما عرفت(5) من أنّ مقتضاها عدم جواز الاعتماد على غير العلم، يكفي في انجبار الضعف ـ : أنّ مضمون هذه الرواية قد ورد في روايات معتبرة معمول بها عند الأصحاب، كما يظهر بمراجعة الوسائل(6).
وأمّا من حيث الدلالة، فالظاهر أنّ المراد من الظنّ هو معناه العرفي المقابل للشكّ والوهم واليقين، واستعماله أحياناً بمعنى اليقين في الكتاب والسنّة،
- (1) حكى عنه في مختلف الشيعة 2: 66 مسألة 18.
- (2) مدارك الأحكام 3: 98 ـ 99.
- (3) تهذيب الأحكام 4: 270 ح816 ، الاستبصار 2: 115 ح374، الفقيه 2: 75 ح326، وعنها وسائل الشيعة 10: 123، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب51 ح3.
- (4) مدارك الأحكام 3: 99، معجم رجال الحديث 17: 144 ـ 148.
- (5) في ص367، المقام الأوّل.
- (6) وسائل الشيعة 10: 122، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب51.
( صفحه 383 )كما في قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ)(1) لايوجب الحمل على خلاف ما هو ظاهر فيه مع عدم قرينة، خصوصاً مع أنّ استعماله فيهما في مقابل العلم كثير جدّاً، كما يظهر للمتتبّع، فالمراد ما هو معناه الظاهر.
وأمّا ورود الرواية في باب الصوم، فلا دلالة له على الاختصاص، لا لأجل عدم القول بالفرق، بل لأجل أنّ المستفاد من الرواية أنّ الوظيفة فيما إذا كان هناك غيم هو الاعتماد على الظنّ، وأنّه طريق شرعيّ معتبر في هذه الصورة، ولا فرق فيه بين أسباب حصوله ومقدّمات تحقّقه. نعم، لا ينبغي الارتياب في عدم اختصاص ذلك بخصوص ما إذا كان المانع العامّ هو الغيم، بل يجري الحكم في جميع الأعذار العامّة، كالرياح المظلمة ونحوها.
ودعوى أنّ المستفاد من مثل الرواية هو اعتبار الظنّ مطلقاً ولو مع عدم ثبوت المانع أصلاً; لأنّ وروده في الغيم لا يقتضي الاختصاص، كما عن صاحب المستند(2).
مدفوعة بعدم جواز التعدّي عن مورد الرواية، خصوصاً مع ملاحظة ما ذكرنا من كون الحكم على خلاف القاعدة. نعم، قد عرفت عدم كون خصوصيّة الغيم من بين الأعذار العامّة دخيلة في الحكم على ما هو المتفاهم عند العرف.
- (1) سورة البقرة 2: 46.
- (2) لاحظ مستند الشيعة 4: 90 ـ 97، وج10: 289 ـ 295، ولكن في النسبة نظر، ولعلّ المراد من «صاحب المستند» السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 388 ـ 389.
( صفحه 384 )وأمّا إلغاء خصوصيّة العذر مطلقاً، فلا شاهد عليه أصلاً، فالرواية على ذلك تامّة من حيث السند والدلالة.
وما رواه الصدوق بإسناده عن سماعة بن مهران أنّه سأله عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس والقمر ولا النجوم؟ فقال: تجهّد (تجتهد خ ل) رأيك وتعتمد (تعمّد خ ل) القبلة بجهدك(1).
والظاهر أنّ السؤال مسوق لبيان اشتباه الأوقات للصلوات المجعولة في الليل والنهار مع عدم رؤية الشمس والقمر والنجوم، ولكنّه استظهر في محكيّ الحدائق أن يكون المراد هو الاجتهاد في القبلة، وأنّ العطف يكون تفسيريّاً، فلا تكون الرواية من المسألة في شيء(2).
أقول: ويبعّد ما استظهره أنّ المنساق من السؤال ليس إلاّ ما ذكرنا من اشتباه الأوقات عند عدم رؤية مثل الشمس، والحمل على اشتباه القبلة يقتضي التخصيص بالسفر; لأنّ تشخيص القبلة في الحضر لا يكون بسبب رؤية الشمس ونحوها; لأنّ تشخيصها إنّما يكون غالباً بغيرها، ولا يختلف فيه الرؤية وعدمها، وحمل مورد السؤال على خصوص السفر في غاية البعد، مع أنّ الظاهر أنّ مفروض السائل أنّ ما كان معرّفاً له من العلامات مفقودة، وجواب الإمام (عليه السلام) على تقدير كون المراد اشتباه القبلة لا يناسب ذلك; لعدم كون الاُمور المذكورة علامة لتشخيصها.
نعم، يبقى الكلام في قوله (عليه السلام) : «وتعمّد القبلة بجهدك»، والظاهر أنّ المراد أنّ
- (1) الفقيه 1: 143 ح667، وعنه وسائل الشيعة 4: 308، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب6 ح3.
- (2) الحدائق الناضرة 6: 301.
( صفحه 385 )تحصيل الرأي للوقت ينبغي أن يكون بالتوجّه إلى جانب القبلة; لكون الشمس واقعة في جانبها، والموانع عامّة جائية من قبلها نوعاً، كالغيم ونحوه كما لايخفى، مع أنّ الالتزام بكونه ناظراً إلى بيان حكم اشتباه القبلة ـ الذي لم يكن مورد السؤال ـ لا ينافي دلالة الرواية على بيان حكم اشتباه الوقت.
ويدلّ على ما ذكرنا من كون محطّ نظر السائل خصوص اشتباه الوقت، وقوع هذا السؤال بعينه في رواية سماعة، مع صراحة الجواب في كون المراد منه هو اشتباه الوقت; وهي ما رواه قال: سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر؟ فقال: تعرف هذه الطيور التي عندكم بالعراق يقال لها الديكة؟ قال: نعم، قال: إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس، أو قال: فصلّه(1).
ويستفاد من هذه الرواية أنّ ارتفاع أصوات الديكة وتجاوبها علامة لزوال الشمس، وأمارة شرعيّة على تحقّقه.
ويدلّ عليه أيضاً رواية الحسين بن المختار قال: قلت للصادق (عليه السلام) : إنّي مؤذِّن، فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت؟ فقال: إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاءً فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة(2).
والتخصيص بالزوال ليس لأجل اختصاص الحكم به; فإنّ الظاهر عموميّة الحكم، وأنّ ارتفاع أصواتها علامة لدخول الوقت مطلقاً.
- (1) وسائل الشيعة 3: 124، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب14 ح1، تحقيق الميرزا عبد الرحيم الربّاني، طبع مكتبة الإسلاميّة بطهران 1376هـ ، ويلاحظ هامش وسائل الشيعة 4: 170.
- (2) الفقيه 1: 144 ح669، تهذيب الأحكام 2: 255 ح1011، الكافي 3: 285 ح5، وعنها وسائل الشيعة 4: 170، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب14 ح1.
( صفحه 386 )كما يدلّ عليه مرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : تعلّموا من الديك خمس خصال: محافظته على أوقات الصلوات، والغيرة، والسخاء، والشجاعة، وكثرة الطروقة(1).
والمستفاد من مجموع الروايات الواردة في هذا المقام أنّه مع ثبوت العذر العامّ يكون صياح الديك وارتفاع أصواتها أمارة شرعيّة على دخول الوقت، والظاهر أنّه لا فرق فيها بين حصول الظنّ منها وعدمه، كما أنّ مطلق الظنّ من أيّ طريق حصل يكون كذلك.
نعم، رواية سماعة بن مهران ـ الدالّة على وجوب الاجتهاد في تحصيل الوقت ـ ظاهرة في تحصيل المراتب العالية مع إمكانها; لأنّه معنى الجهد والاجتهاد، فاللاّزم حينئذ الاقتصار على الظنّ القوي إن أمكن، وإلاّ فما دونه.
المقام الثالث: في ذي العذر الخاصّ، كالمحبوس والأعمى ونحوهما، والظاهر أنّه لا دليل فيه على جواز الاقتصار على الظنّ; لأنّ مورد الروايات المتقدّمة هو العذر العامّ، وإلغاء الخصوصيّة بدعوى كون المراد مطلق العذر، لم يقم عليه دليل، ولايساعده فهم العرف بعد كون الحكم على خلاف القاعدة المقتضية للزوم تحصيل العلم بدخول الوقت وإحراز الشرط، فلا يجوز له ترك الاحتياط بالتأخير إلى أن يحصل له العلم بدخول الوقت.
هذا تمام الكلام في مبحث الأوقات(2).
- (1) الفقيه 1: 305 ح1396، وعنه وسائل الشيعة 4: 171، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب14 ح4.
- (2) وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق بيد العبد المفتاق محمّد الموحّدي اللنكراني، الشهير بالفاضل في اليوم السابع والعشرين من شهر ربيع الثاني من شهور سنة 1397 من الهجرة النبويّة على مهاجرها آلاف الثناء والتحيّة، ونسأل الله ـ تعالى ـ إعطاء التوفيق لإكمال هذا الشرح وإتمام هذا المشروع بحقّ أوليائه الطاهرين من النبيّ والأئمّة الهُداة المعصومين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وكان ذلك في الحوزة المقدّسة العلميّة بقم المحميّة، منه (قدس سره) .