( صفحه 469 )شرطيّة القبلة، فالصلاة الواقعة كانت واجدة لجميع الشروط المعتبرة فيها والخصوصيّات الدخيلة في صحّتها، فلم يتحقّق فوت الواجب حتّى يجب قضاؤه، وليس الحكم بوجوب الواحدة في الوقت لأجل أنّها أحد المحتملات حتى يلزم الإتيان ببقيّة المحتملات خارج الوقت، ويكون الإتيان بالمجموع موجباً للعلم بوقوع الصلاة إلى القبلة، بل لما عرفت من أنّه إنّما هو لأجل سقوط شرطيّة القبلة مع المزاحمة مع شرطيّة الوقت، ومع السقوط لا يبقى مجال للقضاء والإتيان ببقيّة المحتملات أصلا.
وأمّا من الجهة الثالثة: فالظاهر ثبوت العصيان وتحقّق المخالفة العمديّة وإن كان ربما يقال بعدم تحقّق العصيان; نظراً إلى أنّ الأمر قد تعلّق بطبيعة الصلاة، والتخيير بين أفرادها في أجزاء الوقت عقليّ.
ومن المعلوم أنّ الشرائط تختلف باختلاف حالات المكلّف في أجزاء الوقت، ففي حالة وجدان الماء تكون الصلاة مع الطهارة المائيّة مصداقاً لطبيعة الصلاة التي هي المأمور بها، وفي حالة فقدان الماء تكون الصلاة مع الطهارة الترابيّة مصداقاً لها، وفي حالة تمكّن المكلّف من الصلاة إلى القبلة الواقعيّة تكون الصلاة إليها مصداقاً لها، وفي حالة عدم التمكّن تسقط شرطيّة القبلة وتكون الصلاة إلى أيّة جهة مصداقاً لها.
ولكنّ الظاهر ثبوت العصيان; لأنّ العنوانين المتقابلين إذا كانا عرضيّين، كعنواني المسافر والحاضر، فالحكم كما ذكر من أنّه لا يجب على المكلّف حفظ أحد العنوانين بعدم الخروج منه إلى الآخر، بل يجوز التبديل دائماً; سواء كان قبل تحقّق التكليف وتنجّزه أو بعده; لعدم اقتضاء التكليف حفظ موضوعه.
( صفحه 470 )وأمّا إذا لم يكن العنوانان كذلك، بل كانا طوليّين، فلا يجوز الانتقال من العنوان الأوّل إلى الآخر، وذلك كما في مسألة وجدان الماء وفقدانه; فإنّ المستفاد من دليل التيمّم أنّ الانتقال إليه إنّما هو في صورة الاضطرار واللابدّية، ومرجعه إلى عدم كون الصلاة معه وافية بتمام المصلحة المتحقّقة في الصلاة مع الطهارة المائيّة، وكما في المقام; فإنّ سقوط شرطيّة القبلة في مفروض المسألة إنّما هو للعجز وعدم القدرة على رعاية القبلة الواقعيّة، ومن المعلوم أنّه لا يجوز التعجيز اختياراً، لا يسوغ الانتقال إلى العنوان الاضطراري، ولذا حكموا(1) بعدم جواز إراقة ماء الوضوء، وكذا إبطاله وإيجاد حالة العجز، فالعصيان متحقّق في مثل المقام.
ومنها: ما إذا علم المتحيّر ـ بعد الإتيان بمحتملات ما يجب عليه تكراره واعتقاد رعاية الجميع ـ بأنّه لم يأت بجميعها، بل ترك واحداً منها إجمالا أو تفصيلا، كما إذا علم بترك الصلاة إلى جهة الأيسر مثلا، فهل يجب عليه الإتيان بما علم أنّه لم يأت به في الوقت أو بعده، أو لا يجب؟ وجهان:
من جريان قاعدة الفراغ، أو الشكّ بعد الوقت بالنسبة إليه; لأنّه وإن كان عالماً بترك بعض المحتملات، إلاّ أنّه بالإضافة إلى المأمور به الواقعي ـ الذي هي الصلاة إلى القبلة الواقعيّة ـ يكون شاكّاً.
وبعبارة اُخرى: هو شاكّ بعد الفراغ في أنّه هل كان المأتيّ به واجداً للقبلة المعتبرة فيه أم لا؟ فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ، وكذلك يكون شاكّاً بعد
- (1) الحدائق الناضرة 4: 256، مفتاح الكرامة 4: 348، جواهر الكلام 5: 153، العروة الوثقى 1: 331 مسألة 13، مستمسك العروة الوثقى 4: 317 ـ 320.
( صفحه 471 )الوقت في أنّه هل تحقّق منه الصلاة إلى القبلة الواقعيّة أم لا؟ فلا مانع من جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت.
ومن أنّه ليس الفرق بين المقام، وبين ما إذا اقتصر على ثلاثة محتملات عالماً ملتفتاً إلاّ مجرّد تخيّل الإتيان بالجميع واعتقاده في زمان، وهل يكون ذلك فارقاً؟ فإنّه كيف يوجب الاعتقاد به سقوط شرطيّة القبلة على تقدير عدم تحقّقها فيما أتى به من المحتملات؟ ومع عدم السقوط يكون حكم العقل بلزوم إحراز القبلة بالإتيان بالجميع بحاله، من دون أن يحدث فيه فتور أو قصور، ومورد جريان قاعدة الفراغ هو ما إذا شكّ في اشتمال العمل على جميع أجزائه وشرائطه، ومرجعها إلى رفع اليد عن الجزء والشرط المشكوك على تقدير الإخلال به.
وأمّا المقام، فليس فيه إلاّ مجرّد التخيّل والاعتقاد في زمان مع انكشاف خلافه بعده، وكيف يكون ذلك موجباً لسقوط شرطيّة القبلة؟ ومع عدمه لا محيص عن الإتيان بالمحتمل الفائت في الوقت وفي خارجه. غاية الأمر أنّه لو كان معلوماً بالتفصيل لكان اللاّزم الإتيان به بالجهة التي علم بعدم الإتيان بالصلاة إليها، ولو كان معلوماً بالإجمال لكان اللاّزم الإتيان بها إلى أربع جهات; لعدم إحراز تحقّق الاستقبال بدونه.
وعليه: فقد تحقّق منه سبع صلوات لإحراز وقوع صلاة واحدة إلى القبلة.
وفي حكم فوات بعض المحتملات ما إذا علم ببطلان أحد المحتملات من جهة نقصانه لأجل ترك الركن فيه سهواً; فإنّه يجب عليه إعادته في الوقت وبعده; سواء كان ذلك المحتمل معلوماً بالتفصيل، أو معلوماً بالإجمال، غاية
( صفحه 472 )الأمر لزوم إعادة واحدة في الأوّل، والجميع في الثاني، كما عرفت.
وأمّا لو علم بترك ما لا تبطل الصلاة بتركه سهواً، بل يجب عليه قضاؤه بعد الفراغ، كالتشهّد والسجدة الواحدة، فلا إشكال أيضاً في أصل وجوب قضائه بعد الفراغ، وأنّه لا مجال لجريان قاعدة الفراغ نظراً إلى عدم العلم بتركهما في المأمور به الواقعي; لما عرفت من ثبوت حكم العقل بحاله.
إنّما الإشكال في أنّه هل يكون قضاؤه موجباً لإحراز صلاة كاملة إلى القبلة، أم لا؟
فنقول: لو علم تفصيلا بتركه في خصوص المحتمل الأخير; لكان قضاؤه بعده بلا فصل مع الخصوصيّات المعتبرة فيه موجباً للعلم بوقوع الصلاة إلى القبلة الواقعيّة.
وأمّا لو علم تفصيلا بتركه في غير المحتمل الأخير، كالمحتمل الثالث مثلا، أو علم إجمالا بتركه في واحد من المحتملات من دون تعيين.
فالمسألة مبنيّة على أنّ الأجزاء المنسيّة التي يجب قضاؤها بعد الفراغ من الصلاة، هل تكون أجزاءً للصلاة ومتمّمة لها. غاية الأمر أنّه قد تغيّرت مواضعها واكتفى الشارع بإتيانها بعدها، وأوجب سجدتي السهو لأجل تغيّر مواضعها، أو أنّها تكون مأموراً بها مستقلّة، والمصلحة الفائتة في الصلاة لأجل نسيانها تتدارك بها وإن كانت خارجة عن الصلاة؟
فعلى الأوّل: يشترط فيها عدم الانفصال عنها، وعدم تخلّل المنافي بينها وبينها، مضافاً إلى سائر الشرائط المعتبرة في أجزاء الصلاة. وبعبارة اُخرى: يعتبر فيها جميع ما يعتبر في سائر الأجزاء، بخلاف الثاني; فإنّها بناءً عليه
( صفحه 473 )لا يقدح الانفصال بينها وبين الصلاة، ولا يضرّ فعل المنافي بينهما، غاية الأمر لزوم رعاية القبلة والطهارة في حال الإتيان بها.
فإن قلنا بالمبنى الأوّل، فاللاّزم هي إعادة الصلاة التي علم تفصيلا بترك التشهّد فيها سهواً; لعدم حصول العلم بوقوع الصلاة إلى القبلة الواقعيّة بمجرّد قضاء التشهّد المنسي; لوقوع الفصل بينه، وبين الصلاة التي هي المحتمل الثالث فرضاً، مضافاً إلى احتمال تحقّق الاستدبار بسبب الإتيان بالمحتمل الأخير.
وعليه: فقد تحقّق المنافي في البين ولابدّ من إحراز عدم التخلّل، ولا يجدي مجرّد احتماله، كما لا يخفى.
وأمّا في صورة العلم الإجمالي، فالاحتياط إنّما يتحقّق بقضاء الجزء المنسي بعد المحتمل الأخير، ثمّ إعادة بقيّة المحتملات من رأس، ولا يتحقّق بقضاء الجزء إلى أربع جهات بعد احتمال الانفصال وتحقّق المنافي، وهو الاستدبار كما عرفت.
وإن قلنا بالمبنى الثاني، ففي صورة العلم التفصيلي يأتي بقضاء التشهّد مرّة إلى الجهة التي علم بكون الصلاة إليها فاقدة له، ولا يقدح الفصل القطعي والمنافي الاحتمالي بوجه على ما هو المفروض. وفي صورة العلم الإجمالي لابدّ من قضاء الجزء المنسي إلى أربع جهات ليتحقّق العلم بوقوع صلاة كاملة إلى القبلة الواقعيّة وتدارك ما فات من المصلحة، كما هو ظاهر.
تتميم
كما أنّ المتحيّر في القبلة يجب عليه تكرار الصلاة إلى أربع جهات