( صفحه 51 )
وأفضل منه القريب إلى الفجر.
وعليه: فمن راعى هذه الجهة وأتى بصلاة الوتر في آخر أجزاء الليل، هل يصدق عليه أنّه بات بوتر أو على وتر؟ الظاهر العدم، وهذه قرينة على أنّ المراد بالوتر في هذه الروايات هي الوتيرة، وإن قلنا بضعف رواية أبي بصير الشارحة لها والمفسِّرة إيّاها، فهذه الروايات بنفسها ظاهرة في نافلة العشاء.
وأمّا ما اُورد(1) على الاستدلال بها ثانياً; من منع المعارضة، وكون الروايات الدالّة على أنّه لا شيء قبل الركعتين ولا بعدهما ـ مؤيّدة بما دلّ على أنّ النافلة لو صلحت في السفر تمّت الفريضة ـ حاكمة على هذه الروايات; لكونها ناظرة إليها، فتتقدّم عليها.
فالجواب عنه: منع ذلك; لعدم تماميّة الحكومة، بل يمكن أن يقال بالعكس، وأنّ هذه الروايات تكون حاكمة عليها ناظرة إليها; لدلالتها على اختصاص تلك الروايات بغير نافلة العشاء، التي لا يبيت بدونها من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فتدبّر.
ومنها: ما استدلّ به بعض الأعلام من صحيحة فضيل بن يسار قال: سمعت أباعبد الله (عليه السلام) يقول في حديث... منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر، الحديث(2).
بتقريب أنّ الوتيرة لم تثبت كونها نافلة للعشاء ليقال: إنّ نافلة الصلوات
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 77، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 57.
- (2) تقدّمت في ص19 ـ 20.
( صفحه 52 )
المقصورة ساقطة في السفر، بل هي صلاة مستحبّة، وإنّما شرّعت للبدليّة عن الوتر على تقدير عدم التوفّق لإتيانها في وقتها، فلا تشملها الأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّه لا شيء قبل الركعتين ولا بعدهما(1).
ويرد عليه: أنّ التعبير الوارد في نافلة العشاء هو بعينه التعبير الوارد في سائر النوافل، فكما أنّ نافلة المغرب قد عبّر عنها في الروايات(2) بأنّها ما يؤتى بها بعدها، كذلك نافلة العشاء(3)، مع أنّ ثبوت الركعتين بعد العشاء من دون أن يكون لهما عنوان أصلاً بعيد جدّاً، خصوصاً مع ثبوت العنوان لغيرها من جميع النوافل والفرائض اليوميّة، مع أنّ الروايات(4) الدالّة على السقوط لم يعلّق الحكم فيها على عنوان النافلة المضافة إلى الفريضة، بل الحكم فيها يرجع إلى عدم ثبوت شيء قبل الركعتين ولا بعدهما، فلا يتوقّف دلالتها على السقوط على ثبوت عنوان نافلة العشاء لها، كما لايخفى.
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الأظهر هو ثبوت نافلة العشاء في السفر، ولكنّ الاحتياط بالإتيان بها رجاءً لا ينبغي تركه.
الجهة الثالثة: في وقت نافلة العشاء، فنقول:
أمّا من حيث المبدأ، فلا شبهة في أنّ مبدءها إنّما هو الفراغ عن فريضة
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 78 ـ 79، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 58.
- (2) وسائل الشيعة 4: 47 و 48، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح6 و 9.
- (3) تقدّمت في ص20 وغيرها.
- (4) تقدّمت في ص42 ـ 44.
( صفحه 53 )
العشاء على ما تدلّ عليه الروايات المستفيضة(1)، المصرّحة بكونها بعد العشاء، الظاهرة في أنّ مبدءها هو الفراغ منها.
وأمّا من حيث المنتهى، فلا إشكال أيضاً من جهة الفتوى في امتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة، وقد تحقّقت عليه الشهرة العظيمة، بل ادّعى المحقّق في المعتبر الإجماع عليه(2)، ويكفي دليلاً على ذلك ذكر المسألة في الكتب الموضوعة لنقل الفتاوى المأثورة عن الأئمـّة الطاهرة (عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادرة(3); فإنّه يكشف عن وجود نصّ معتبر مذكور في الجوامع الأوّلية، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا.
نعم، يمكن الاستدلال بالروايات المتقدّمة(4) الدالّة على أنّ المؤمن لا يبيت إلاّ بوتر; نظراً إلى أنّ المراد بالوتر هي الوتيرة; لظهور الروايات في نفسها في ذلك، كما مرّ، ودلالة رواية أبي بصير المتقدّمة(5) عليه أيضاً، وأنّ المراد أنّ آخر وقت الوتيرة صدق البيتوتة، والغالب فيها وقوعها قبل الانتصاف; لأنّ أغلب الناس كانوا يبدؤون بالمنام قبله.
ويدلّ على ذلك أيضاً ما دلَّ من الروايات على أنّ الوتيرة بدل الوتر(6)،
- (1) وسائل الشيعة 4: 48 ـ 57، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح7، 9، 16، 23 و25.
- (2) المعتبر 2: 54، وفي منتهى المطلب 4: 97 «ذهب إليه علماؤنا أجمع».
- (3) المقنعة: 91، النهاية: 60، المبسوط 1: 76، المهذّب 1: 70، غنية النزوع: 72، إصباح الشيعة: 60، الوسيلة: 83 ، الجامع للشرائع: 62.
- (4 ، 5) في ص22 و 49.
- (6) الكافي 1: 266 ح4، وعنه وسائل الشيعة 4: 45 ـ 46، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح2.
( صفحه 54 )
بضميمة أنّ وقت صلاة الليل بعد الانتصاف، وعدم مشروعيّتها قبله إلاّ لعذر; فإنّ ملاحظتهما تقضي بأنّه قبل الانتصاف يكون وقت البدل، وبعده الذي يشرع الإتيان بالمبدل لا يكون إلاّ ظرف المبدل، ولا مجال مع التمكّن من الإتيان بالمبدل، له كما لا يخفى.
والذي يسّهل الخطب ما عرفت من وضوح المسألة بلحاظ فتاوى الأصحاب، ولا حاجة إلى إقامة الدليل.
الجهة الرابعة: في أنّه هل يعتبر في نافلة العشاء ـ التي يؤتى بها بعدها ـ البعديّة العرفيّة المتّصلة، كما يظهر من بعض المتأخّرين(1)، حيث اعتبر عدم الفصل المفرط بين فريضة العشاء ونافلتها، فلا يشرع الإتيان بها قريباً من نصف الليل مع الإتيان بالفريضة في أوّله، أو لا يعتبر ذلك؟
ربما يستدلّ(2) للأوّل بأنّ المنساق من الأدلّة(3) الدالّة على البعديّة، هي البعديّة المتّصلة العرفيّة.
وقد اُورد عليه(4) بأنّ الظاهر كون البعديّة في نافلة العشاء في مقابل القبليّة في نافلة الظهرين، فالمراد أنّ نافلة العشاء لابدّ أن يؤتى بها بعد العشاء لا قبل الفريضة، كما في نافلة الظهرين.
والجواب عنه: ـ مضافاً إلى منع الاستظهار ـ الروايات الواردة في نافلة
- (1) مجمع الفائدة والبرهان 2: 32، جواهر الكلام 7: 309، مصباح الفقيه 9: 251.
- (2) كما في جواهر الكلام 7: 309.
- (3) وسائل الشيعة 4: 45، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح2، 3، 6 و 9 وغيرها.
- (4) نهاية التقرير 1: 195 ـ 196.
( صفحه 55 )
العصر، الدالّة على تفريقها والإتيان ببعضها بعد الظهر، وبالبعض الآخر قبل العصر(1)، وكذا الروايات الدالّة على تفريق نافلة المغرب والإتيان بالركعتين بعد المغرب، وبالركعتين قبل العشاء(2); فإنّها ظاهرة في اتّصال القبليّة والبعديّة، وإلاّ لكان المجموع متّصفاً بوقوعها بعد الظهر أو قبل العصر، وكذا بعد المغرب أو قبل العشاء، كما لايخفى.
نعم، في مقابل هذا الظهور أمران:
أحدهما: استحباب جعل نافلة العشاء خاتمة للنوافل، كما عليه الشهرة المحقّقة(3)، ويمكن الاستدلال له بالنصّ أيضاً(4)، ومن المعلوم أنّه ربما تكون النوافل كثيرة، كما في ليالي شهر رمضان(5)، وكما في ليلة الفطر إذا أتى بالصلاة المعروفة، المشتملة على ألف سورة التوحيد بعد فريضة العشاء(6). وعليه: فلا تصدق البعديّة العرفيّة; لثبوت الفصل الطويل.
ويدفعه أنّه لا مانع من الالتزام بجواز التأخير لمن يأتي بالنوافل، كجواز تقديم نافلة الصبح من انتصاف الليل لمن يأتي بصلاة الليل على ما يأتي.
ثانيهما: ما ذكره بعض الأعلام(7) من أنّ المستفاد ممّا دلّ على أنّ المؤمن
- (1 ، 2) وسائل الشيعة 4: 47 و 59 ـ 60، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح7، وب14 ح1 ـ 3.
- (3) الحدائق الناضرة 6: 72 ـ 73، نهاية التقرير 1: 194.
- (4) وسائل الشيعة 4: 93، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب27 ح1 وص96 ب29 ح7.
- (5) وسائل الشيعة 8 : 17 ـ 42، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان ب1 ـ 8 .
- (6) تهذيب الأحكام 3: 71 ح328، الإقبال 1: 459 ـ 461، المقنعة: 171، مسارّ الشيعة، سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد 7: 30، وعنها وسائل الشيعة 8 : 85 و 87 ، كتاب الصلاة، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب1 ح1و7.
- (7) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 361 ـ 362، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 253 ـ 254.