( صفحه 61 )
والخمسين من أبواب المواقيت.
منها: صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ركعتي الفجر؟ قال: صلّهما قبل الفجر، ومع الفجر، وبعد الفجر(1).
وهذه الطائفة الأخيرة شاهدة للجمع بين الطائفتين اللّتين قبلها بالحمل على التخيير; لكونها نصّاً في ثبوت التخيير، وهما ظاهرتان في تعيّن مفادهما من وجوب التقديم، أو التأخير.
هذا، مضافاً إلى أنّ الأمر في الطائفة الدالّة على التقديم غير ظاهر في الوجوب; لوروده في مقام توهّم الحظر; لأنّ بناء العامّة(2) كان على الإتيان بهما بعد الفجر، وحينئذ ربما يتوهّم من هذا البناء لزوم التأخير عنه، فصارت هذه الطائفة بصدد دفع هذا التوهّم، فلا دلالة لها على هذا التقدير على أزيد من مجرّد الجواز.
مع أنّ رواية أبي بصير تدلّ على أنّ الإفتاء بالإتيان بهما بعد الفجر ـ الظاهر في تعيّنه ـ إنّما كان للتقيّة، فالحكم الواقعي حينئذ عدم التعيّن وجواز الإتيان قبله أيضاً.
وربما يقال(3) في وجه الجمع; بأنّ المراد من الفجر في الطائفة الدالّة على وجوب التقديم هو الفجر الصادق، وفي الطائفة الدالّة على وجوب التأخير هو الفجر الكاذب.
- (1) تهذيب الأحكام 2: 134 ح522، الاستبصار 1: 284 ح1039، وعنهما وسائل الشيعة 4: 268، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب52 ح3.
- (2) تذكرة الفقهاء 2: 319 ـ 320، مسألة 40، المجموع 4: 14، المغني لابن قدامة 1: 765.
- (3) راجع نهاية التقرير 1: 204.
( صفحه 62 )
ولكن يدفعه ـ مضافاً إلى أنّه لا شاهد على هذا الجمع ـ : أنّ المتبادر من الفجر في كلتا الطائفتين هو الفجر الصادق; لأنّ الفجر الكاذب كما سيأتي لا عبرة به حتّى عند علماء العامّة، فهذا الوجه غير تامّ.
وذكر بعض الأعلام أنّ الصحيحتين الدالّتين على التأخير لا تعارضان الطائفة الدالّة على التقديم.
أمّا أوّلاً: فلأنّ مرجع الضمير في قوله (عليه السلام) : «صلّهما» غير مذكور فيهما، ولا هو معلوم بالقرينة، فلا دلالة فيهما ولا في غيرهما على أنّ المراد بهما نافلة الفجر، ومن المحتمل أن يكون المراد نفس الفريضة، وإيرادهما في باب النافلة لا دلالة له إلاّ على فهم من أوردهما فيه، كالشيخ وغيره من أرباب الكتب.
وأمّا ثانياً: فلأنّه على تقدير الرجوع إلى النافلة لا تنافي بينهما، وبين الطائفة الاُخرى أيضاً; لصراحة صحيحة زرارة ـ المشتملة على قوله (عليه السلام) : «إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» ـ في أنّ الإتيان بركعتي الفجر قبل الفجر أفضل، كما أنّ الأفضل بعد الفجر هو الإتيان بالفريضة.
وعليه: فتحمل الطائفة الاُخرى على الرخصة وجواز الإتيان بهما بعد الفجر; لعدم صراحتها في وجوب ذلك وتعيّنه، غاية الأمر ظهورهما في أنّ الإتيان بالركعتين بعد الفجر هو المحبوب للشارع، ولا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور بصراحة الصحيحة المتقدّمة(1).
ويرد عليه أوّلاً: وضوح رجوع الضمير إلى ركعتي النافلة، كوضوح كون المراد من ركعتي الفجر ـ الذي وقع السؤال عنه في كثير من الروايات من
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 366.
( صفحه 63 )
دون التقييد بالنافلة ـ هو ركعتي النافلة، ويؤيّده تعيين قراءة سورة (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ)(1) في الركعة الاُولى، وسورة التوحيد في الثانية، مع دلالة روايات متعدّدة على تعيين مثل ذلك في خصوص النافلة.
كقول الصادق (عليه السلام) في مرسلة الصدوق: صلِّ ركعتي الفجر قبل الفجر، وعنده، وبعده، تقرأ في الاُولى «الحمد» و «قل يا أيّها الكافرون»، وفي الثانية «الحمد» و «قل هو الله أحد»(2). مع وضوح كون وقت الفريضة بعد الفجر وعدم الحاجة إلى بيانه، بخلاف وقت النافلة.
وثانياً: عدم ظهور دعوى الصراحة في إحدى الطائفتين، والظهور في الاُخرى، فكما أنّ الروايات الدالّة على التأخير ليس لهما إلاّ ظهور في التعيّن ووجوب التأخير، كذلك الطائفة الدالّة على التقديم لا صراحة فيها على ذلك، بل لها ظهور في التعيّن ووجوب التقديم، من دون أن يكون لإحداهما مزيّة على الاُخرى أصلاً.
فانقدح أنّه لا مناص عن الجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير; لصراحة مايدلّ عليه في ذلك، وكونه شاهداً للجمع بلا إشكال.
نعم، يقع الإشكال في تحديد القبليّة، وقد عرفت(3) أنّ الشهرة المحقّقة إنّما هي على أنّ أوّل وقتها طلوع الفجر الأوّل، وقد ذكره الأصحاب في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، وصرّح
- (1) سورة الكافرون 109: 1.
- (2) الفقيه 1: 313 ح1422، وعنه وسائل الشيعة 4: 269، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب52 ح6.
- (3) في ص56.
( صفحه 64 )
سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) بأنّ الذكر في تلك الكتب يكشف عن وجود نصّ معتبر، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا(1).
وكيف كان، فالروايات التي بأيدينا، التي تمكن استفادة التحديد منها ثلاثة:
أحداها: رواية محمد بن مسلم المتقدّمة(2)، الواردة في الجواب عن السؤال عن أوّل وقت ركعتي الفجر، الدالّة على التعيين بسدس الليل الباقي، ودلالتها على مذهب المشهور تبتني على أن يكون المراد من الليل فيها هو مجموع ما بين غروب الشمس وطلوعها.
وعليه: فيكون شروع سدسه قريباً من طلوع الفجر ومنطبقاً على الفجر الأوّل، ولا يبعد دعوى كون المراد ذلك، ولها شواهد كثيرة ليس هنا مجال ذكرها، ولعلّه يأتي التنبيه عليها في الموضع المناسب.
ثانيتها: رواية أبي بكر الحضرمي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت: متى اُصلّي ركعتي الفجر؟ فقال: حين يعترض الفجر، وهو الذي تسمّيه العرب: الصديع(3).
فإنّ تعرّضه (عليه السلام) لتفسير الفجر ـ مع أنّ الفجر الصادق لا يفتقر إلى التفسير; لأجل وضوح المراد منه ـ دليل على أنّ مراده هو الفجر الأوّل، خصوصاً مع أنّ الصديع بحسب أصل اللّغة(4): بمعنى الانشقاق، وهو ينطبق على الفجر
- (1) البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر: 19 ـ 21، نهاية التقرير 1: 109 و153 و173 ـ 174.
- (2) في ص59.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 133 ح517، وعنه وسائل الشيعة 4: 268، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب51 ح10.
- (4) لسان العرب 4: 23، النهاية لابن الأثير 3: 16 ـ 17، الصحاح 2: 96، القاموس المحيط 3: 63 ـ 64.
( صفحه 65 )
الكاذب; لأنّه على شكل عموديّ وخطّ واقع بين الظلمة يوجب انشقاقها.
ثالثتها: رواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الركعتين اللّتين قبل الفجر؟ قال: قبل الفجر ومعه وبعده. قلت: فمتى أدعها حتّى أقضيها؟ قال: قال: إذا قال المؤذِّن: قد قامت الصلاة(1). بناءً على أن يكون الصادر هي كلمة «قبيل» كما في نقل الرواية في الكتب الفقهيّة(2).
وأمّا بناءً على كون الصادر هي كلمة «قبل» كما في الطبع الجديد من الوسائل(3)، فلا دلالة لها على التحديد، ولعلّ الترجيح مع النقل الأوّل لاشتمال السؤال على قبل الفجر، ولو كان الصادر في مقام الجواب أيضاً كذلك لم يكن هناك حاجة إلى التكرار، فتدبّر.
هذا كلّه، مع ما عرفت من ظهور كلمة «القبل» في روايات التخيير مطلقاً ـ الشاهدة للجمع ـ في القبل القريب، فينطبق على الفجر الأوّل; وإن كان كلمة «البعد» الواقعة فيها أيضاً ليس لها ظهور في البعد القريب بهذا المقدار; لأنّ البعديّة في النافلة أوسع من القبليّة، كما لا يخفى.
المقام الثاني: في وقت نافلة الصبح من حيث الامتداد، والمشهور هو امتداد وقتها إلى أن تطلع الحمرة المشرقيّة(4)، وعن الشهيد (قدس سره) (5) الميل
- (1) تهذيب الأحكام 2: 340 ح1408، وعنه وسائل الشيعة 4: 269، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب52ح5.
- (2) جواهر الكلام 7: 388، مصباح الفقيه 9: 306، وكذا في التهذيب.
- (3) وسائل الشيعة 3: 195، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب52 ح5، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني، ط مكتبة الإسلاميّة بطهران.
- (4) جامع المقاصد 2: 22، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 493، مدارك الأحكام 3: 86 ، كشف اللثام 3: 62، الحدائق الناضرة 6: 240، مفتاح الكرامة 5: 120، جواهر الكلام 7: 383 ـ 384.
- (5) ذكرى الشيعة 2: 379.