( صفحه 75 )
«الليل» الواقعة فيها مطلقة تشمل جميع أجزاء الليل من أوّله ووسطه وآخره.
والجواب: أنّها لا تكون بصدد بيان وقت صلاة الليل حتّى يجوز التمسّك بإطلاقها، بل هي في مقام بيان تعدادها في رديف سائر النوافل اليوميّة أو مجموعها والفريضة، فراجع.
الثاني: رواية حسين بن علي بن بلال قال: كتبت إليه في وقت صلاة الليل، فكتب: عند زوال الليل وهو نصفه أفضل، فإن فات فأوّله وآخره جائز(1).
والجواب: أنّ الرواية ضعيفة السند بالحسين بن علي بن بلال; لعدم توثيقه بوجه، ويمكن المناقشة في دلالتها أيضاً بعد ظهور كون السؤال عن أصل الوقت لا وقت الفريضة، وبعد تعليق الجواز على الفوت عند نصف الليل، الظاهر في عدمه عند غيره. وعليه: فلا يبعد أن يكون المراد بالأفضل هو أصل الوقت، والمراد من الأوّل والآخر هو التقديم والتأخير الراجع إلى القضاء.
الثالث: الأخبار الدالّة(2) على جواز تقديم صلاة الليل على نصفه عند العذر، كخوف الجنابة والسفر، وخوف عدم القيام ونحوها، بتقريب: أنّ التجويز مع تلك الأعذار يلائم مع عدم التوقيت بما بعد الانتصاف; فإنّها
- (1) تهذيب الأحكام 2: 337 ح1392، وعنه وسائل الشيعة 4: 253، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح13.
- (2) وسائل الشيعة 4: 249 ـ 254، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44.
( صفحه 76 )
لا تنافي الإتيان بها في وقتها، غاية الأمر الانتقال إلى الطهارة الترابيّة، كما في الفريضة، وسقوط شرط الاستقرار الذي هو شرط الكمال في النافلة لا الصحّة، ويظهر ذلك من المحقّق الهمداني في المصباح(1).
والجواب: ظهور هذه الروايات في تعدّد الوقت واختلافه، ولا منافاة; فإنّه حيث يكون صلاة الليل نافلة مخصوصة لها مزايا كثيرة، اُريد بذلك التوسعة بالإضافة إلى الوقت لخصوص المعذور، غاية الأمر التوسّع في العذر وتعميم موارده، فلا يستفاد منها وحدة الوقت أصلاً.
الرابع: موثّقة سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس بصلاة الليل فيما بين أوّله إلى آخره، إلاّ أنّ أفضل ذلك بعد انتصاف الليل(2).
الخامس: صحيحة محمد بن عيسى قال: كتبت إليه أسأله: يا سيّدي روي عن جدّك أنّه قال: لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في أوّل الليل؟ فكتب: في أيّ وقت صلّى فهو جائز إن شاء الله(3).
وهاتان الروايتان تامّتان من حيث السند والدلالة، والجمع بينهما، وبين الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ أوّل وقتها هو انتصاف الليل ـ بعد ثبوت الإطلاق لكلتيهما من جهة ثبوت العذر وعدمه ـ هو حملهما على صورة العذر، وحملها على حال الاختيار، والشاهد للجمع هو الأخبار الدالّة على
- (1) مصباح الفقيه 9: 263 ـ 270.
- (2) تهذيب الأحكام 3: 233 ح607، وج2: 337 ح1394، وعنه وسائل الشيعة 4: 252، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح9.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 337 ح1393، وعنه وسائل الشيعة 4: 253، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب44 ح14.
( صفحه 77 )
جواز التقديم على الانتصاف في موارد العذر، الظاهرة في اختصاص المعذورين بوقت خاصّ، وثبوت تعدّد الوقت واختلافه، فلا تعارض في البين كما لا يخفى.
المقام الثاني: في منتهى وقت صلاة الليل، والمعروف بل المتسالم عليه بينهم هو امتداد وقت صلاة الليل إلى طلوع الفجر الصادق(1)، وفي مقابله احتمالان:
أحدهما: الامتداد إلى طلوع الشمس، ومنشؤه استدامة الليل إليه وإطلاق صلاة الليل عليها.
والآخر: الامتداد إلى طلوع الفجر الكاذب، ونسب ذلك إلى السيّد المرتضى (قدس سره) (2).
أمّا الاحتمال الثاني: فيردّه رواية إسماعيل بن جابر، أو عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّي أقوم آخر الليل وأخاف الصبح، قال: إقرأ الحمد واعجل واعجل(3).
ورواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح، أيبدأ بالوتر، أو يصلّي الصلاة على
- (1) مسائل الناصريّات: 198 مسألة 176، الخلاف 1: 533 مسألة 272، المعتبر 2: 54، منتهى المطلب 4: 97، جامع المقاصد 2: 21 ـ 22، مجمع الفائدة والبرهان 2: 33.
- (2) حكى عنه في مختلف الشيعة 2: 56 مسألة 12، وذكرى الشيعة 2: 371. وفي مفتاح الكرامة 5: 116 نسبه إلى جمل العلم والعمل، ولكن لم نعثر عليه في النسخ الموجودة لدينا من الجمل، وكذا في بقيّة كتبه عاجلاً.
- (3) الكافي 3: 449 ح27، تهذيب الأحكام 2: 124 ح273، الاستبصار 1: 280 ح1019، وعنها وسائل الشيعة 4: 257، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب46 ح1.
( صفحه 78 )
وجهها حتّى يكون الوتر آخر ذلك؟! قال: بل يبدأ بالوتر، وقال: أنا كنت فاعلاً ذلك(1).
ورواية معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل(2).
ولكن دلالة هذه الروايات الثلاثة على خلاف ما نسب إلى السيّد إنّما تتمّ على تقدير أن يكون مراده هو امتداد مجموع إحدى عشرة ركعة إليه، فينقضي وقتها بطلوعه وإن لم يطلع الفجر الصادق بعد; لصراحتها في جواز الوتر وعدم انقضاء وقته قبل الصبح.
نعم، يمكن أن يكون مراده هو امتداد خصوص ثمان ركعات التي عبّر عنها بصلاة الليل في روايات(3) متعدّدة، فيجوز الإتيان بالشفع والوتر بعد الفجر الأوّل، وعلى هذا التقدير يدفعه روايات(4) الامتداد إلى الفجر الثاني، الظاهرة في امتدادها بتمامها إليه، ويمكن أن يستفاد من رواية إسماعيل أو عبد الله المتقدّمة خلافه; نظراً إلى إطلاق: «إقرأ الحمد» الشامل لجميع الركعات، وعدم الاختصاص بالوتر، فتدبّر.
- (1) الكافي 3: 449 ح28، تهذيب الأحكام 2: 125 ح274، الاستبصار 1: 281 ح1020، وعنها وسائل الشيعة 4: 257، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب46 ح2.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 337 ح1391، وص341 ح1411، وعنه وسائل الشيعة 4: 258، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب46 ح3.
- (3) وسائل الشيعة 4: 45، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 ح6، 7، 16، 24 و 25.
- (4) وسائل الشيعة 4: 257، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب46.
( صفحه 79 )
وأمّا الاحتمال الأوّل: فيدفعه صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس؟ فقال: نعم، وبعد العصر إلى الليل، فهو من سرّ آل محمّد المخزون(1).
ومرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سرّ آل محمّد المخزون(2).
وغيرهما من الروايات(3) الدالّة على تحقّق عنوان القضاء بطلوع الفجر.
بقي الكلام في هذه المسألة في أمرين:
الأوّل: ذكروا(4) أنّ الإتيان بصلاة الليل في السحر أفضل، وأفضل منه آخر الليل، الذي هو القريب من الفجر، ويستفاد من قوله ـ تعالى ـ : (وَبِالاَْسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(5) ثبوت مزيّة لهذه القطعة المسمـّاة بالسحر، وقد اختلف في تفسيره، فالمشهور بين الناس تفسيره بالثلث الباقي من الليل(6)، وربما يفسّر بأضيق من ذلك، وقد فسّر في اللغة بقبل الفجر، أو قبيله، أو سدس الليل ونحوها(7)، ولابدّ من ملاحظة الروايات الواردة ليظهر أصل
- (1) تهذيب الأحكام 2: 173 ح689، الاستبصار 1: 290 ح1060، وعنهما وسائل الشيعة 4: 273، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب56 ح1.
- (2) الفقيه 1: 315 ح1429، وعنه وسائل الشيعة 4: 274، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب56 ح3.
- (3) وسائل الشيعة 4: 274 ـ 279، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب56 ح2، وب57.
- (4) راجع ص77.
- (5) سورة الذاريات 51: 18.
- (6) راجع التفسير الكبير للفخر الرازي 3: 167، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 4: 38 ـ 39، وروح المعاني: 3: 137، والجواهر الحسان في تفسير القرآن (تفسير الثعالبي) 1: 236 ـ 237.
- (7) لسان العرب 3: 253، معجم تهذيب اللغة 2: 164، القاموس المحيط 2: 108، المصباح المنير 1: 267.