( صفحه 107 )
ويدفعه ظهور الجمع بين كلمتي القامة والذراع في عبارة واحدة في الرواية في مغايرتهما، وإلاّ لما كان وجه لذلك مع عدم الاحتياج إلى الإظهار وجواز الاقتصار على الاضمار، ومع كونه موهماً للخلاف، فذلك يوجب الظهور في المغايرة.
وأمّا ما اُورد عليه(1) من ظهور قوله (عليه السلام) : «مضى منه» في التبعيض، وأنّ الذراع بعض مقدار الحائط لا أنّه نفسه.
فيمكن الجواب عنه بعدم كون كلمة «من» فيه للتبعيض، بل للابتداء بلحاظ كون شروع الفيء من الجدار، مع أنّه على تقدير التبعيض لابدّ من أن يلاحظ التبعيض بالإضافة إلى الجدار; لرجوع الضمير في «منه» إليه لا إلى الفيء، فتدبّر.
وبالجملة: لا وجه لحمل كلمة «من» على التبعيض.
كما أنّ الإيراد(2) عليه بأنّ قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة: «فإذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة...»(3) لا يقبل الحمل على القامة والمثل أبداً; لأنّه حيث جعل الشاخص نفس المكلّف وشخصه، وجعل المدار على الفيء الحاصل منه، لا يصحّ حمله عليهما أبداً.
يمكن دفعه ـ مضافاً إلى أنّه لا ينافي الحمل على المثل لو فرض كون المراد من الذراع ذلك بشهادة الروايات المتقدّمة ـ بعدم ظهور كون المراد هو الفيء
- (1 ، 2) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 343، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 240.
- (3) تقدّمت في ص98.
( صفحه 108 )
الحاصل من شخص المكلّف، واحتمال كون المراد هو الفيء الحاصل من الشاخص الذي عيّنه المكلّف في مقابل جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، الذي لا يمكن الوصول إليه نوعاً أوّلاً، وقد غيّر ثانياً، مع أنّه لا خصوصيّة فيه ثالثاً.
ولكن مع ذلك لا ينبغي الارتياب في أنّ التأمّل في الصحيحة وإرجاعها إلى العرف يقضي بعدم كون المراد من الذراع فيها هو المثل، بل أخصّ منه، كما لا يخفى.
ومنها: ما عن الشهيد (قدس سره) في الروضة البهيّة(1); من أنّ المنقول من فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمـّة (عليهم السلام) ـ بل وكذا غيرهم من السلف ـ فعل نافلة العصر والإتيان بها متّصلة بالفريضة، ولم يكن بينهما فصل من حيث الوقت.
ومن المعلوم من الخارج أنّ الوقت الذي يصلّون فيه الفريضة هو بعد المثل; لأنّه وقت الفضيلة، فالنافلة أيضاً محدودة به لأجل التواصل بينها، وبين الفريضة.
ويرد عليه: أنّه لم يثبت ما ادّعاه من إتيانهم بالنافلة متّصلة بالفريضة، ومن المحتمل خلافه، مع أنّ صحيحة زرارة المتقدّمة(2) تدلّ بالصراحة على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأتي بصلاة الظهر بمجرّد الذراع، والعصر عند بلوغه ذراعين، فالاتّصال والإتيان بالنافلة مع الفريضة بلا فصل لا يجدي في إثبات جواز التأخير إلى المثل أو المثلين، كما لايخفى.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا أنّه لا يظهر من شيء من الأدلّة المتقدّمة
- (1) الروضة البهيّة 1: 181.
- (2) في ص98.
( صفحه 109 )
توقيت نافلة الظهرين بالأوقات الثلاثة التي وقع الاختلاف فيها بين الأصحاب، والقدر المتيقّن منها أنّ نافلة الظهرين قبل الذراع والذراعين واقعة في وقتها ومزاحمة للفريضة، وليس المراد من وقوعها قبلهما إلاّ وقوع ركعة منها كذلك، لا وقوعها بأجمعها; بشهادة موثّقة عمّار المتقدّمة(1) في جملة أدلّة المشهور.
كما أنّه لا شبهة في مشروعيّة الإتيان بها بعد الفريضة بعد الذراع والذراعين; لدلالة جملة من الروايات المتقدّمة(2) عليها، ودلالة ما دلّ على ثبوت المشروعيّة لقضاء نوافل النهار بالليل، وكذا العكس(3).
فأصل المشروعيّة ممّا لا إشكال فيه، إنّما الإشكال في أنّه هل هو بنحو الأداء أو القضاء؟ والإنصاف بعد عدم تماميّة أدلّة التوقيت بأحد الأوقات الثلاثة، أنّه لايستفاد من الروايات أحد العنوانين، حتّى ما وقع(4) فيه التصريح بجواز الإتيان بها في أوّل النهار أو وسطه أو آخره; فإنّ اشتمال بعضه على استثناء الإتيان بها في مواقيتها، وأنّه أفضل ـ بضميمة ظهور كون المواقيت مواقيت الأداء لا الفضيلة، ولاينافيه التعبير بالأفضليّة ـ يمنع عن استفادة عنوان الأداء في جميع أجزاء النهار، فمقتضى الاحتياط الإتيان بها بعد الفريضة لا بنيّة الأداء أو القضاء; لعدم الطريق إلى خصوص أحد العنوانين.
- (1) في ص103 ـ 104.
- (2) في ص98 ـ 104.
- (3) وسائل الشيعة 4: 84 و 92، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب22 و 26.
- (4) وسائل الشيعة 4: 136، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب7.
( صفحه 110 )
وكذا الإشكال في مشروعيّة الإتيان بالنافلة قبل الفريضة بعد الذراع والذراعين; فإنّ ظاهر صحيحة زرارة المتقدّمة(1) التي هي عمدة دليل المشهور بلحاظ اشتمالها على قوله (عليه السلام) : «فإذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة...» هو وجوب البدأة بالفريضة وترك النافلة بعد الذراع أو الذراعين، فلا يشرع الإتيان بها قبلها بعدهما، إلاّ أنّ مقتضى إطلاق بعض الروايات المتقدّمة(2) جواز الإتيان بها كذلك أيضاً.
والحقّ أنّه يكون من مصاديق «التطوّع لمن عليه فريضة»، فإن قلنا بعدم جوازه وعدم مشروعيّته، فالمقام أيضاً يصير كذلك، وإن قلنا بالجواز، فلازمه المشروعيّة هنا.
ويظهر من المتن مع قطع النظر عن تفريع الذيل ثبوت المبدأ والمنتهى لنافلة الظهرين، ولازمه صيرورتها قضاءً بعد المنتهى، إلاّ أنّ تفريع الذيل ربما يقرب أنّ المراد من الوقت هو الوقت الذي تكون النافلة فيه مزاحمة للفريضة ومقدّمة عليها، فلا يستفاد منه عنوان القضاء بعده. نعم، ظاهره وجوب تقديم الفريضة بعد الذراع والذراعين، فتدبّر.
( صفحه 111 )
[ جواز تقديم النافلة على الزوال في يوم الجمعة ]
مسألة 5: لا إشكال في جواز تقديم نافلتي الظهر والعصر على الزوال في يوم الجمعة، بل يزاد على عددهما أربع ركعات، فتصير عشرين ركعة. وأمّا في غير يوم الجمعة، فعدم الجواز لا يخلو من قوّة، ومع العلم بعدم التمكّن من إتيانهما في وقتهما، فالأحوط الإتيان بهما رجاءً. ويجوز تقديم نافلة الليل على النصف للمسافر والشابّ الذي يخاف فوتها في وقتها، بل وكلّ ذي عذر كالشيخ وخائف البرد أو الاحتلام، وينبغي لهم نيّة التعجيل
لا الأداء 1 .
1ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: تقديم نافلة الظهرين على الزوال في يوم الجمعة، ويظهر من الروايات الكثيرة جوازه، ويظهر أيضاً أنّه يزاد على عددها أربع ركعات، أو ستّ ركعات، فتصير عشرين، أو ثنتين وعشرين، وإليك بعضها:
كرواية أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن التطوّع يوم الجمعة؟ قال: ستّ ركعات في صدر النهار، وستّ ركعات قبل الزوال، وركعتان إذا زالت، وستّ ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة(1).
ورواية سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الصلاة يوم الجمعة، كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال: ستّ ركعات بكرة،
- (1) تهذيب الأحكام 3: 246 ح668، الاستبصار 1: 410 ح1569، وعنهما وسائل الشيعة 7: 323، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب11 ح6.