( صفحه 102 )
تطوّع في وقت فريضة(1).
والمراد من الوقت المضاف إلى الفريضة في هاتين الروايتين إن كان هو أصل الوقت الذي هو وقت الإجزاء، فيصير ظاهرهما عدم دخول وقت الفريضتين قبل الذراع والذراعين، وهو مخالف للاجماع(2) والروايات(3) الدالّة على دخول الوقتين بمجرّد تحقّق الزوال.
وإن كان المراد به هو وقت الفضيلة، فظاهرهما توقّف الفضيلة على الذراع والذراعين، وهو مخالف للإجماع أيضاً بالنسبة إلى صلاة الظهر; لأنّ مقتضاه صيرورة الظهر ذات أوقات ثلاثة، وقتان للإجزاء، ووقت للفضيلة متوسّط بينهما.
فلابدّ من حمل الوقت المضاف إلى الفريضة على وقت انعقاد الجماعة لها. وعليه: فالمراد بالجعل هو جعل النبيّ (صلى الله عليه وآله) عمله كذلك، كما عرفت في الرواية الاُولى المتقدّمة.
وعليه: فإن كان التعليل بقوله (عليه السلام) : «لئلاّ يكون تطوّع في وقت فريضة» فلايستفاد من الرواية إلاّ أنّ الوجه في تأخير النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى الذراع وعقد الجماعة حينه إنّما هو تماميّة اشتغال المتنفّلين، والإتيان بالنافلة قبله، ولا دلالة له على التوقيت بالذراع أصلاً.
وأمّا إن كان التعليل بقوله (عليه السلام) : «لئلاّ يؤخذ من وقت هذه، ويدخل في
- (1) تهذيب الأحكام 2: 250 ح993، الاستبصار 1: 255 ح916، وعنهما وسائل الشيعة 4: 148، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح28.
- (2) تقدّم في ص99.
- (3) وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب4.
( صفحه 103 )
وقت هذه»، فيمكن استفادة كلام المشهور(1) منه بلحاظ إضافة الوقت إلى النافلة أيضاً، الظاهر في كونه تمام وقتها، وأنّه ينقضي بالذراع، إلاّ أنّه ليس بظهور عرفيّ مورد لاعتماد العقلاء بحيث جاز الاستناد إليه، خصوصاً مع عدم معلوميّة التعليل الصادر من الإمام (عليه السلام) ، وأنّه هل كان بالنحو الأوّل أو الثاني; لاتّحاد الروايتين قطعاً أو احتمالاً.
ومنها: رواية محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل، أو أبدأ بالفريضة؟ قال: إنّ الفضل أن تبدأ بالفريضة، وإنّما أخّرت الظهر ذراعاً من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين(2).
والظاهر أنّ المراد من وقت الفريضة هو أصل الوقت، ومن التنفّل هي النافلة المبتدئة بقرينة الجواب; فإنّ فضل الابتداء بالفريضة ورجحانه إنّما هو بالإضافة إليها. وأمّا نافلة الظهر، فلا إشكال في رجحانها على الفريضة بعد دخول الوقت قبل الذراع.
وعليه: فقوله (عليه السلام) : «وإنّما أخّرت الظهر...» إنّما هو دفع توهّم عدم الفرق بينها، وبين نافلة الظهر، والحكم بثبوت الفرق من جهة كونها صلاة الأوّابين، وهي مقدّمة على الفريضة، فالفرق موجود، ولا يستفاد منه التوقيت بوجه.
ومنها: موثقة عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالاُولى ولم يصلِّ الزوال إلاّ بعد ذلك، وللرجل أن يصلّي من نوافل الاُولى ما بين الاُولى إلى أن تمضي أربعة أقدام، فإن
- (1) تقدّم في ص97.
- (2) الكافي 3: 289 ح5، وعنه وسائل الشيعة 4: 230، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب36 ح2 و3.
( صفحه 104 )
مضت الأربعة أقدام ولم يصلّ من النوافل شيئاً فلا يصلّي النوافل، الحديث(1).
وهذه الرواية أيضاً ناظرة إلى وصف التقدّم والتأخّر من دون دلالة على التوقيت أصلاً، كما لا يخفى.
وامّا قول صاحب العروة(2)، فيمكن أن يكون مستنده الأخبار الواردة(3)في نافلتي الظهر والعصر، وأنّ كلّ واحدة منهما ثمان ركعات، وتقعان قبل فريضتهما أو بعد الاُولى وقبل الثانية، من دون دلالة على التقييد بوقت خاصّ; فإنّ مقتضى إطلاقها جواز الإتيان بهما كذلك إلى آخر وقت الفريضة.
والجواب: وضوح عدم كون هذه المطلقات بصدد بيان وقت النوافل، بل هي مسوقة لبيان مجرّد التعداد والقبليّة والبعديّة بالإضافة إلى الفرائض، فلا يجوز التمسّك بإطلاقها من هذه الجهة.
نعم، هنا روايات دالّة على أنّ النافلة بمنزلة الهديّة، وأنّها متى ما اُتي بها قبلت. مثل ما رواه عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: إعلم أنّ النافلة بمنزلة الهديّة، متى ما اُتي بها قبلت(4).
ولكنّه يحتمل أن يكون المراد بالنافلة فيها هي النوافل المطلقة الابتدائيّة، فلاتشمل النوافل الراتبة، كما أنّه على تقدير الشمول يكون مقتضاها عدم كونها موقّتة بوجه، فيجوز الإتيان بنافلة النهار ولو في الليل وبالعكس،
- (1) تهذيب الأحكام 2: 273 ح1086، وعنه وسائل الشيعة 4: 245، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب40 ح1.
- (2) تقدّم في ص97.
- (3) وسائل الشيعة 4: 45، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13.
- (4) الكافي 3: 454 ح14، وعنه وسائل الشيعة 4: 232، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب37 ح3.
( صفحه 105 )
فلا تنطبق على مرام المستدلّ; لأنّه قائل بالتوقيت، كما لا يخفى.
نعم، في مرسلة علي بن الحكم، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: صلاة النهار ستّ عشرة ركعة أيّ النهار شئت، إن شئت في أوّله، وإن شئت في وسطه، وإن شئت في آخره(1)، التصريح بكونهما صلاة النهار، فلا يجوز الإتيان بهما في الليل.
ولكنّه يجوز الإتيان بهما في أيّة ساعة من النهار شاء، لا بمعنى كون مجموع النهار وقتاً لها، بل بمعنى جواز الإتيان بها في أيّة ساعة شاء وإن كان وقتها أخصّ من ذلك.
كما يظهر من رواية القاسم بن الوليد الغسّاني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال: ستّ عشرة ركعة، في أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها إلاّ أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل(2). ولكنّه لا يستفاد منها مقدار وقتها، كما لايخفى.
وربما يتمسّك له باستصحاب بقاء الوقت وعدم انقضائه بالذراع والذراعين، أو بالمثل والمثلين.
ولكنّه يرد عليه ـ مضافاً إلى ابتنائه على قصور الأدلّة اللفظيّة عن الدلالة على بيان وقت النافلتين; لأنّه لا مجال له معها ـ : أنّه لا يجري مثل هذا الاستصحاب ممّا كان لنفس الزمان السابق مدخليّة في القضيّة المتيقّنة; فإنّ
- (1) تهذيب الأحكام 2: 267 ح1064، وص8 ح15، الاستبصار 1: 278 ح1008، وعنهما وسائل الشيعة 4: 233، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب37 ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 9 ح17، وص267 ح1063، الاستبصار 1: 277 ح1007، وعنهما وسائل الشيعة 4: 233، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب37 ح5.
( صفحه 106 )
اتّصاف نافلة الظهر بكونها في الوقت قبل الذراع إنّما هو لأجل كونها قبل الذراع، وبدونه لا يكون هناك يقين، ولا معنى لإبقاء هذا الحكم وإدامته ليستفاد منه بقاء الوقت بعد الذراع أيضاً، فتدبّر.
وأمّا القول بالمثل أو المثلين، فإن كان مستنده كونهما وقتين للفريضة بالإضافة إلى المختار، فلابدّ من أن يبحث معه في مسألة وقت الفريضة، وإلاّ فيمكن أن يكون استناده إلى اُمور:
منها: صحيحة زرارة المتقدّمة(1)، المشتملة على قول أبي جعفر (عليه السلام) : «إنّ حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة، وكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر، وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر...».
بضميمة الأخبار المتعدّدة الدالّة على أنّ المراد بالقامة هي الذراع.
كرواية علي بن حنظلة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : القامة والقامتان الذراع والذراعان في كتاب عليّ (عليه السلام) (2).
ورواية علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال له أبو بصير: كم القامة؟ قال: فقال: ذراع، إنّ قامة رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت ذراعاً(3).
وغير ذلك من الروايات(4) الدالّة عليه، وعلى ذلك فالمراد من جميع الروايات الدالّة على الذراع والذراعين هو المثل والمثلان.
- (1) في ص98.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 23 ح64، وعنه وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح14.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 23 ح66، الاستبصار 1: 251 ح902، وعنهما وسائل الشيعة 4: 145، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب8 ح16.
- (4) وسائل الشيعة 14: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، ب8 .