( صفحه 115 )
ورواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) لا يصلّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل، ولا يصلّي من النهار حتّى تزول الشمس(1).
والمراد من عدم صلاته بعد العشاء يحتمل أن يكون بعد العشاء بنافلتها، فلا دلالة لهما على ترك الوتيرة أيضاً، ويحتمل أن يكون بعد فريضة العشاء، بحيث كان يترك الوتيرة أيضاً بلحاظ ما عرفت(2) سابقاً من كونها بدل الوتر يؤتى بها; للجهل ببقاء العمر إلى وقت الإتيان بها، وحيث إنّه (عليه السلام) كان عالماً به كالنبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فلا تصل النوبة حينئذ إلى البدل.
ورواية اُخرى لزرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لايصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس، فإذا زال النهار قدر نصف إصبع صلّى ثماني ركعات، الحديث(3).
ويؤيّد هذه الطائفة ـ مضافاً إلى إطلاق صلاة الزوال على نافلتي الظهر والعصر، كما عرفت(4) في بعض الروايات، ولا يلائم ذلك مع جواز التقديم عليه ـ أنّه من المعلوم خارجاً أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) والوصيّ (عليه السلام) لم يكونا يصلّيان شيئاً من الصلاة قبل الزوال، ولو كان التقديم أمراً سائغاً لصدر ذلك منهما ولو مرّة واحدة.
- (1) تقدّمت في ص70 ـ 71.
- (2) في ص22.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 262 ح1045، وعنه وسائل الشيعة 4: 231، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب36 ح7.
- (4) في ص22 و 103.
( صفحه 116 )
وأمّا ما يدلّ على التفصيل بين من يشتغل عن الزوال وغيره فروايتان:
الاُولى: رواية يزيد (بريد خ ل) بن ضمرة الليثي، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يشتغل عن الزوال، أيعجّل من أوّل النهار؟ قال: نعم، إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلّها(1).
وفرض الاشتغال في السؤال ـ المشعر بكون عدم الجواز في الجملة مفروغاً عنه عند السائل ـ يوجب اختصاص الجواز به، خصوصاً مع تكراره في الجواب وتقييده به، كما لا يخفى.
الثانية: صحيحة إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّي أشتغل، قال: فاصنع كما نصنع، صلِّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر; يعني ارتفاع الضحى الأكبر، واعتدّ بها من الزوال(2).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا مجال لجعل دليل التفصيل شاهداً للجمع بين الطائفتين اللّتين تدلّ إحداهما على الجواز مطلقاً، والاُخرى على المنع كذلك، بحمل الاُولى على صورة الاشتغال، والثانية على صورة عدمه; وذلك لإباء الطائفتين سيّما الاُولى عن التقييد; فإنّه كيف يسوغ تقييد ما يدلّ على أنّ النافلة بمنزلة الهديّة، مع وضوح عدم اختصاص فضيلة الهديّة بزمان دون زمان، فلا وجه للجمع بهذه الكيفيّة.
نعم، يمكن الجمع ـ بعد عدم ثبوت إعراض المشهور عن الطائفة المجوّزة ـ
- (1) الكافي 3: 450 ح1، تهذيب الأحكام 2: 268 ح1067، الاستبصار 1: 278 ح1011، وعنها وسائل الشيعة 4: 232، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب37 ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 267 ح1062، الاستبصار 1: 277 ح1006، وعنهما وسائل الشيعة 4: 232، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب37 ح4.
( صفحه 117 )
إمّا بحملها على النافلة المبتدأة، ولا ينافيه التصريح بنافلة الظهرين في رواية ابن الوليد(1) ومرسلة علي بن الحكم(2); لضعف الاُولى وإرسال الثانية، وإمّا بحمل الطائفة المانعة على إرادة وقت الفضيلة; إذ لا شكّ في أنّ وقتها إنّما هو بعد الزوال، وإبقاء المجوّزة على إطلاقها الشامل للرواتب، والأوّل محكيّ عن الجواهر(3)، والثاني يظهر من المصباح(4).
والظاهر مساعدة العرف على الأوّل، خصوصاً بعد عدم ظهورها في نفسها في الإطلاق، ويؤيّده قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدّمة(5): «لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع»; فإنّ ظاهره أنّ الزوال أوّل وقت النافلة وإن كان يمكن توجيهه بأنّ المراد تجويز التنفّل من أوّل الزوال مع كونه وقت الفريضة.
وبعبارة اُخرى: نظره إلى استثناء هذا الوقت من أوقات التطوّع في وقت الفريضة المحرّم أو المكروه، ولكنّه خلاف الظاهر. وأمّا رواية زرارة المتقدّمة(6)، الدالّة على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات، فمضافاً إلى معارضتها لما عرفت(7) من رواية اُخرى لزرارة، الدالّة على أنّه (صلى الله عليه وآله) لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس، لا مجال للأخذ بها;
- (1 ، 2) تقدّمتا في ص114.
- (3) جواهر الكلام 7: 296 ـ 301.
- (4) مصباح الفقيه 9: 242.
- (5) في ص98.
- (6) في ص114.
- (7) في ص115.
( صفحه 118 )
لدلالتها على استمرار هذا العمل من النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، مع أنّه لا شكّ في أنّ وقت الفضيلة بعد الزوال، ومن المستبعد التزامه (صلى الله عليه وآله) بعدم رعاية وقت الفضيلة أصلاً، كما لا يخفى.
ثمّ لو فرض عدم إمكان الجمع ووصلت النوبة إلى إعمال قواعد باب التعارض، فالترجيح أيضاً مع الروايات الدالّة على المنع; لموافقتها لفتوى المشهور(1)، وقد تقرّر في محلّه(2) أنّ الشهرة الفتوائيّة هي أوّل المرجّحات. فانقدح أنّه لا يجوز التقديم مطلقاً، نعم; لا بأس بالإتيان بها رجاءً في خصوص صورة العلم بالاشتغال عن الزوال، بل مطلقاً.
الفرع الثالث: تقديم صلاة الليل على انتصاف الليل، والمعروف بين الأصحاب هو الجواز في الجملة(3)، وعن الحلّي المنع مطلقاً(4)، وقد نسب ذلك إلى زرارة، بلحاظ ما نقل عنه من قوله في ذيل بعض الروايات المتقدّمة(5): كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها؟ إنّما وقتها بعد نصف الليل.
بناءً على كون غرضه الاستنكار مطلقاً، حتى بالإضافة إلى المسافر الذي لم ينكر الجواز فيه غير الحلّي، وبناءً على كون الناقل هو محمد بن مسلم، وإلاّ فلو احتمل كون الناقل هو الإمام (عليه السلام) يصير ذلك بمنزلة الرواية عنه (عليه السلام) ،
- (1) تقدّم تخريجه في ص113.
- (2) تقدّم تخريجه في ص25.
- (3) المقنعة: 142، النهاية: 61، الخلاف 1: 537 مسألة 275، شرائع الإسلام 1: 62، جامع المقاصد 2: 42، مدارك الأحكام 3: 78، مفتاح الكرامة 5: 221، جواهر الكلام 7: 333، التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 394، وفي مصابيح الظلام 5: 472: أنّه المشهور.
- (4) السرائر 1: 307.
- (5) في ص73.
( صفحه 119 )
كما لايخفى.
وكيف كان، فلابدّ من البحث في كلّ واحد من العناوين المذكورة هنا في كلامهم، أو في الروايات مستقلاًّ، فنقول:
منها: المسافر، والكلام فيه تارة: في أصل مشروعيّة التقديم فيه في الجملة في مقابل الحلّي، واُخرى: في دائرة المشروعيّة سعةً وضيقاً، وثالثة: في عنوان التقديم، وأنّه هل يكون أداءً بحيث كان الوقت بالإضافة إلى المسافر أوسع، أو لا يكون إلاّ تعجيلاً، الذي هو عنوان ثالث في مقابل عنواني الأداء والقضاء، ومرجعه إلى الإتيان بالموقّت قبل وقته.
أمّا ما يدلّ على المشروعيّة، فروايات مستفيضة:
منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل، أو كانت بك علّة، أو أصابك برد، فصلِّ وأوتر في أوّل الليل في السفر، ولولا أنّه رواها الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبي بنفس هذه الكيفيّة(1)، لكان يحتمل أن يكون قيد «في السفر» زائداً من كلام الصدوق; نظراً إلى ما اعتقده في هذا الباب من أنّ كلّما روي من الإطلاق في صلاة الليل من أوّل الليل فإنّما هو في السفر; لأنّ المفسّر من الأخبار يحكم على المجمل.
مضافاً إلى ما يظهر من دأبه، وإلى أنّ الحكم لو كان معلّقاً على السفر بحيث كان عنوانه هو الركن في موضوعه، لكان مقتضى القاعدة ذكره في أوّل الكلام قبل بيان القيد; لأنّه لا وجه لتأخير ذكر المطلق عن بيان القيد، فتدبّر.