( صفحه 154 )
العصر قبل مضيّ المقدار المعيّن، وخروج وقت صلاة الظهر لو لم يبق إلاّ ذلك المقدار. وعليه: فنسبة صلاة العصر إلى ذلك المقدار كنسبة الظهر إلى ما قبل الزوال، ونسبة صلاة الظهر إلى ذلك المقدار في آخر الوقت كنسبة العصر إلى ما بعد الغروب.
وعليه: فلا يلزم من الاختصاص بالمعنى المذكور عدم صحّة سائر الصلوات ـ سواء كانت مستحبّة أو واجبة، كقضاء الفرائض الفائتة ـ إذا وقعت في الوقت المختصّ أصلاً، بل يجوز الإتيان بقضاء الشريكة لليوم السابق مثلاً في ذلك الوقت، فيجوز الإتيان بقضاء صلاة العصر في أوّل الوقت المختصّ بالعصر، كما يجوز الإتيان به في سائر الأوقات.
وعليه: فما حكي عن صاحب الجواهر في رسالة نجاة العباد ـ ممّا يرجع إلى أنّ المراد بالاختصاص عدم صحّة الشريكة فيه مطلقاً أداءً وقضاءً، عمداً وسهواً(1) ـ ممـّا لا وجه له.
ثمّ الظاهر اختصاص دليل الاختصاص بما إذا لم يأت بصاحبة الوقت، فإذا فرض الإتيان بها لا مانع من وقوع الشريكة في الوقت المختصّ، ويتفرّع عليه أنّه لو ظنّ ضيق الوقت فصلّى العصر ثمّ انكشف بعد الفراغ بقاء الوقت بمقدار صلاة اُخرى، يلزم عليه الإتيان بصلاة الظهر أداءً، بل لو سلّم الإطلاق في دليله ومنع الاختصاص، نقول:
إنّ ظاهر الروايات الدالّة على الاشتراك(2) أقوى من حيث الشمول لهذا
- (1) نجاة العباد: 80 .
- (2) تقدّمت في ص134 ـ 135 و 139.
( صفحه 155 )
الفرض من رواية ابن فرقد وغيرها; وإن كانت هي أقوى منها في الدلالة على أصل الاختصاص.
وفي هذا الفرع وجوه واحتمالات اُخر:
أحدها: وجوب الإتيان بالظهر قضاءً لخروج وقت الظهر، أخذاً بإطلاق دليل الاختصاص الراجع إلى خروج وقت الظهر ولو أتى بصاحبة الوقت.
ثانيها: ما اختاره صاحب الجواهر(1) مستنداً إلى ما زعم من معنى الاختصاص ممـّا مرّ من عدم وجوب إعادة العصر، وعدم جواز الإتيان بالظهر في ذلك الوقت لا أداءً ولا قضاءً.
ثالثها: وجوب إعادة العصر لبطلانها، إمّا من جهة وقوعها في الوقت المختصّ بالظهر; وهو مقدار الأربع الباقي من وقته قبل الوقت المختصّ بالعصر، بحيث يكون لكلّ واحدة منهما وقتان اختصاصيان أوّلاً وآخراً، وإمّا من جهة عدم مراعاة الترتيب، ومقتضى حديث «لا تعاد»(2) وإن كان عدم وجوب الإعادة من ناحيته; لعدم كونه من الاُمور الخمسة المذكورة فيه، إلاّ أنّ من الواضح: اختصاصه بغير صورة العمد، فاللاّزم تخصيص الوقت بصلاة العصر.
لكنّك عرفت منع الإطلاق في دليل الاختصاص، ومنع مبنى صاحب الجواهر، وثبوت الوقتين الاختصاصيّين لكلّ واحدة من الفريضتين لا دليل
- (1) جواهر الكلام 7: 159.
- (2) الفقيه 1: 181 ح857 ، تهذيب الأحكام 2: 152 ح597، وعنهما وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب9 ح1.
( صفحه 156 )
عليه، والظاهر جريان حديث «لا تعاد» في مثل المقام، الذي لم يقدم العصر عمداً، بل إنّما عمل بظنّه الذي انكشف خلافه، وفي هذا الفرع وجه آخر محكيّ عن الشهيد (قدس سره) ; وهو القول بتعاوض وقتي الصلاتين(1).
وقد أفاد سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) أنّه يشبه قول العامّة; من أنّ كلاًّ من الظهر والعصر قد يكون ضيقاً للآخر، كما إذا أتى بالظهر بعد المثل، أو بالعصر قبله، وعلى ذلك حملوا ما ورد من أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهرين من غير خوف ولا علّة(2)،(3).
وكيف كان، فالظاهر ما عرفت من لزوم الإتيان بصلاة الظهر أداءً.
ويتفرّع على ما ذكرنا أيضاً أنّه لو صلّى الظهر قبل الزوال بظنّ دخول الوقت أو تيقّنه، فدخل الوقت قبل تمامها لا مانع من إتيان العصر بعد الفراغ منها، ولايجب التأخير إلى مضيّ مقدار أربع ركعات. نعم، لو اعتقد إتيان الظهر فصلّى العصر ثمّ تبيّن عدم إتيانه وأنّ تمام العصر وقع في الوقت المختصّ بالظهر، يكون الظاهر بطلانها; لأجل عدم الإتيان بصاحبة الوقت، وظهور دليل الاختصاص فيه مع عدم الإتيان بها. وأمّا مع الإتيان بها، فمقتضى أدلّة الاشتراك الصحّة.
وما في المستمسك من أنّ النسبة بين أدلّة الاختصاص، وأدلّة الاشتراك ليست من قبيل النسبة بين الخاصّ والعامّ، كي يرجع إلى أدلّة الاشتراك عند
- (1) القواعد والفوائد 1: 87 ، الدروس الشرعيّة 1: 138.
- (2) المعجم الكبير للطبراني 12: 68 ح12558، وص92 ح12644.
- (3) نهاية التقرير 1: 113.
( صفحه 157 )
عدم صلاحيّة أدلّة الاختصاص للمرجعيّة، بل هما متبائنان; لورودهما معاً في مقام التحديد للوقت، فإذا جمع بينهما بحمل أدلّة الاشتراك على ما يوافق الاختصاص، فإذا فرض قصور أدلّة الاختصاص عن شمول المورد كانت أدلّة الاشتراك كذلك، وكان المرجع الأصل(1).
ففيه: ما عرفت من أنّ النسبة بين دليل الاختصاص وأدلّة الاشتراك هي النسبة بين دليل المقيّد والمطلق، فإذا فرض قصور دليل التقييد عن الشمول، فلا محالة يكون دليل المطلق مرجعاً.
بقي الكلام بعد ثبوت أصل الاختصاص في مقداره، وأنّه هل المدار على مقدار أربع ركعات مطلقاً حضراً وسفراً، كما هو مقتضى الجمود على ظاهر لفظة الأربع، الواردة في رواية ابن فرقد(2) مطلقاً، أو أنّ المدار على مقدار أداء الظهر بحسب الوظيفة الفعليّة للمكلّف ولو كان ركعتين أو أقلّ منهما، كما إذا وقعت الظهر ببعض أجزائها في الوقت; نظراً إلى أنّ لفظة الأربع الواردة في الرواية واردة مورد الغالب، والمراد بها هو الإتيان بالظهر، وقد كنّي بها عنه.
ويدلّ عليه قوله (عليه السلام) في بعض الروايات: ليس بين الظهر والعصر حدّ(3)، مضافاً إلى ظهور أخبار الاشتراك(4) في جواز الإتيان بالعصر بمجرّد الفراغ عن الظهر، ولاينافي ذلك لزوم رفع اليد عنها بالإضافة إلى أصل
- (1) مستمسك العروة الوثقى 5: 36 ـ 37.
- (2) تقدّمت في ص140.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 255 ح1013، وعنه وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب4 ح4، وفيهما: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : بين الظهر والعصر حدّ معروف؟ فقال: لا».
- (4) تقدّمت في ص134 ـ 135 و 139.
( صفحه 158 )
الاختصاص; فإنّ دليل الاختصاص وإن كان من جهة الدلالة على أصله أقوى، إلاّ أنّ ظهور أخبار الاشتراك فيما ذكرنا أقوى من ظهور رواية الاختصاص في كون الأربع لها موضوعيّة، كما لا يخفى، والظاهر هو هذا الوجه.
ثمّ الظاهر أنّ الملاك هي صلاة المكلّف بحسب حاله من جهة البطء والسرعة في القراءة والحركات، ومن جهة الاشتمال على المستحبّات وعدمه، ولا محذور في اختلاف الوقت المختصّ بالإضافة إلى أفراد المكلّفين من هذه الجهة أصلاً.
نعم، يقع الكلام في أنّ المراد هل هو مقدار أداء نفس الصلاة مع قطع النظر عن الشرائط التي يفقدها المكلّف، كالطهارة عن الحدث والخبث مثلاً، أو أنّ المراد مقدار ما يلزمه أداء الفريضة الفعليّة على المكلّف بما لها من الشرائط، كما يظهر من الجواهر(1)، ونسبه إلى ظاهر النصّ(2) والفتوى(3)، مع الاعتراف بوقوع التعبير بمقدار أداء أربع ركعات في كلمات الغالب.
والظاهر هو الأوّل; لظهور دليل الاختصاص في كون العبرة على مقدار خصوص الفريضة لا تحصيل مقدّماتها أيضاً; فإنّ ظاهر قوله (عليه السلام) في رواية داوود ابن فرقد(4): «مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات» هو كون العبرة بمقدار نفس الصلاة من دون إشعار له بالمقدّمات، كما أنّ قوله (عليه السلام) : «إلاّ
- (1) جواهر الكلام 7: 152.
- (2) كالروايات المشار إليها في الصفحة السابقة.
- (3) جامع المقاصد 2: 16 و 24، الروضة البهيّة 1: 177، مدارك الأحكام 3: 35.
- (4) تقدّمت في ص140.