( صفحه 175 )
وتجاوزها عن قمـّة الرأس بزمان، ولا تتوقّف رؤية الكوكب على تجاوز الحمرة، بل هي دالّة على تحقّق المغرب بسقوط القرص(1).
ويدفعه ـ مضافاً إلى كونه خلاف الوجدان ـ رواية شهاب بن عبد ربّه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : يا شهاب إنّي اُحبّ إذا صلّيت المغرب أن أرى في السماء كوكباً(2);
فإنّ ظهورها في تأخّر رؤية الكوكب عن سقوط القرص واستتاره لا مجال لإنكاره.
ضرورة أنّه بناءً على الملازمة بينه وبين السقوط لا وجه للتعبير بكونه محبوباً; لعدم جواز التقديم على السقوط على كلا القولين، فهي تدلّنا على التأخير عنه; وإن كان التعبير عن التأخير بكونه محبوباً لا يدلّ على كونه أمراً لازماً حتميّاً، إلاّ أنّها تصير مبنية للرواية المصرّحة بكون الرؤية أوّل الوقت، واشتمال سند هذه الرواية على محمد بن حكيم لا يقدح بعد رواية ابن أبي عمير وصفوان عنه، كما في محكيّ الوافي(3).
ومنها: ما رواه محمد بن علي قال: صحبت الرضا (عليه السلام) في السفر، فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق; يعني السواد(4).
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 247 ـ 248، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 174.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 261 ح1040، الاستبصار 1: 268 ح971، علل الشرائع: 350 ب60 ح2، وعنها وسائل الشيعة 4: 175، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح9.
- (3) الوافي 7: 272 ح5890، وج10: 104 ح9239 وص138 ح9316.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 29 ح86 ، الاستبصار 1: 265 ح958، وعنهما وسائل الشيعة 4: 175، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح8 .
( صفحه 176 )
واُورد على الاستدلال به ـ مضافاً إلى ضعف السند بمحمد بن علي; لعدم توثيقه، وإلى أنّ فعله (عليه السلام) لا دلالة له على أنّ الاستتار ليس بوقت لصلاة المغرب; لاحتمال أنّه كان يصلّي بعد تحقّق وقتها لاستحبابه; لاستحباب المسّ بالمغرب قليلاً ـ بأنّ الفحمة إنّما تقبل بالاستتار، كما أنّ البياضة عند الفجر إنّما تقبل بطلوع القرص عن تحت الاُفق; فإنّ الشمس بمجرّد دخولها تحت الاُفق يشاهد أنّ الفحمة أخذت بالارتفاع فتتصاعد متدرّجاً، ولا ملازمة بين إقبال الفحمة، وزوال الحمرة المشرقيّة، وتجاوزها عن قمـّة الرأس(1).
ولكن هذا الإيراد مبنيّ على كون المراد بالسواد هي الحمرة، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ المراد بالفحمة هو السواد الحاصل بعد ذهاب الحمرة المشرقيّة; فإنّه بذهابها وتجاوزها عن قمـّة الرأس يقبل السواد من المشرق ويتصاعد على التدريج، فتدبّر.
ومنها: رواية عمّار الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّما أمرت أبا الخطّاب أن يصلّي المغرب حين تغيب الحمرة من مطلع الشمس، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب، وكان يصلّي حين يغيب الشفق(2).
واُورد عليها أيضاً ـ مضافاً إلى ضعف السند بعلي بن يعقوب ـ بأنّ اشتمال الرواية على لفظة «مطلع الشمس»، الظاهرة في خصوص نقطة خروجها، يمنع عن الدلالة على مذهب المشهور، بل ظاهرها هو: أنّ الاعتبار بارتفاع
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 249، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 175.
- (2) الاستبصار 1: 265 ح960، مستطرفات السرائر: 95 ح8 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 175، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح10، وفي بحار الأنوار 83 : 55 ح8 عن مستطرفات السرائر.
( صفحه 177 )
الحمرة عن خصوص نقطة طلوع الشمس، وهذا ملازم للاستتار(1).
ويدفعه: أنّ ذيل الرواية شاهد على أنّه ليس المراد من هذه اللفظة خصوص النقطة المذكورة، بل المراد هي الناحية والسمت، ومفادها أنّه (عليه السلام) أمر أبا الخطّاب بأن يصلّي حين زالت الحمرة المشرقيّة، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب.
وبعبارة اُخرى: ظاهر الرواية أنّ المخالفة مع أمر الإمام إنّما هو بتبديل الحمرة المشرقيّة بالمغربيّة، مع أنّه لو كان المراد هي الحمرة الزائلة عن خصوص نقطة طلوع الشمس لأمكنت المخالفة بطريق آخر، كما لا يخفى.
ومنها: موثّقة يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: مسّوا بالمغرب قليلاً; فإنّ الشمس تغيب من عندكم قبل أن تغيب من عندنا(2).
وجه الدلالة ـ بعد حمل الرواية على صورة توافق البلدين في الاُفق; لضرورة الفقه وقيامها على أنّ المدار في طلوع الشمس وغروبها إنّما هو على الطلوع والغروب عند كلّ شخص وبلده، والبلدان الموافقة له في الاُفق، وإلاّ فمقتضى كرويّة الأرض تحقّق الغروب والطلوع في جميع الآنات في الأمكنة المختلفة ـ : أنّ ظاهر التعليل غيبوبة الشمس واقعاً في بلد قبل غيبوبتها كذلك في بلد آخر موافق له في الاُفق، فلابدّ من المسّ بالمغرب قليلاً لتتحقّق الغيبوبة في جميع البلاد الموافقة له في الاُفق، وهذا لا ينطبق إلاّ على القول
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 250، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 176.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 258 ح1030، الاستبصار 1: 264 ح951، وعنهما وسائل الشيعة 4: 176، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح13.
( صفحه 178 )
باعتبار ذهاب الحمرة المشرقيّة.
وعلى ما ذكرنا لا يبقى وجه لحمل التعليل على غروب الشمس عن النظر في بلد لمكان جبل ونحوه، كما أنّه لا وجه لحمل الأمر بالمسّ على الاستحباب، بدعوى أنّ المسّ شيئاً ما يتحقّق بالانتظار إلى رؤية الكوكب، المتحقّقة قبل تجاوز الحمرة عن قمـّة الرأس(1); فإنّه ـ مضافاً إلى ما عرفت(2)من شهادة بعض الروايات بتأخّر الرؤية عن الاستتار، والبعض الآخر قد صرّح بأنّها هي أوّل الوقت ـ يردّه أنّ التعليل بذلك لا يلائم مع الاستحباب، كما لايخفى.
ومنها: موثقة عبد الله بن وضّاح قال: كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) : يتوارى القرص ويقبل الليل ثمّ يزيد الليل ارتفاعاً، وتستتر عنّا الشمس وترتفع فوق الجبل حمرة، ويؤذّن عندنا المؤذِّنون، أفاُصلّي حينئذ وأفطر إن كنت صائماً؟ أو أنتظر حتّى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب إليّ: أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة، وتأخذ بالحائطة لدينك(3).
وفي الرواية احتمالان:
أحدهما: أن يكون السؤال عن الغروب الشرعيّ الذي رتّب عليه أحكام في الشريعة، بحيث كان السائل مردّداً بين أن يكون المراد به هو الاستتار الذي كان هو المدار عند الناس، وعليه يقع الأذان، وبين أن يكون المراد به
- (1) تقدّمت في ص174 ـ 175.
- (2) في ص173 وما بعدها.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 259 ح1031، الاستبصار 1: 264 ح952، وعنهما وسائل الشيعة 4: 176، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب16 ح14.
( صفحه 179 )
هو ذهاب الحمرة المشرقيّة، فالشبهة حينئذ شبهة حكميّة مرجعها إلى السؤال عن بيان الغروب في الشرع.
ويبعّد كون المراد ذلك أنّه بناءً عليه لا معنى لإلزام الأخذ بالاحتياط; فإنّ الإرجاع إليه لا يناسب مقام العلم بجميع الأحكام الإلهيّة الثابت في الأئمـّة المعصومين (عليهم السلام) بلا إشكال، إلاّ أن يقال: المراد هو بيان الحكم الواقعي في قالب الاحتياط لرعاية التقيّة، لكنّه إنّما يتمّ لو لم يكن للرواية محمل آخر، مع أنّ هذا الاحتمال إنّما يبتني على كون المراد من الحمرة هي الحمرة المشرقيّة، وليس في الرواية دلالة عليه; فإنّ الظاهر أنّ المراد منها هي الحمرة المحاذية للقرص المرتفعة فوق الجبل الذي يكون في ناحية المغرب، الكاشفة عن عدم استتاره.
ودعوى أنّه لا شاهد على كون المراد من الجبل هو الواقع في تلك الناحية، ومن الممكن أن يكون المراد منه هو الجبل الواقع في المشرق. وعليه: فالمراد بالحمرة هي الحمرة المشرقيّة.
مدفوعة بظهور كون المراد منه هو الجبل الذي استترت الشمس خلفه.
ثانيهما: أن يكون مورد السؤال هي الشبهة الموضوعيّة، بحيث كان الاعتبار بالاستتار محرزاً عند السائل، وإنّما شكّه في تحقّقه وعدمه، ومنشؤه حيلولة الجبل واستتار القرص خلفه، ولكنّ الحمرة المرتفعة فوق الجبل تكشف ظنّاً عن عدم استتاره عن الاُفق بالمرّة.
وعليه: فالأمر بالأخذ بالاحتياط إنّما هو في مورد الشبهة الموضوعيّة، ومنشؤه استصحاب بقاء النهار وعدم تحقّق الاستتار، والظاهر من الرواية